كواليس وأحداث وتراكمات وراء معظم الجرائم.. أفضل أجهزة الأمن في العالم لا تكتفِ بضبط الجاني وتقديمه للعدالة، لكنها تستعين بخبراء نفسيين، وتبحث في حياته، لتضع يدها على السبب الذي جعله مُجرمًا، وتعمل على معالجة الأسباب لاحقًا، حتى لا تتكرر تلك الحوادث، وتعتبر تلك الخطوات تطورًا في منظومة الأمن الوقائي، الذي يعمل على منع الجرائم قبل حدوثها. ''مصراوي'' يفتح الباب، عبر سلسلة ''ماوراء الجريمة''.. ويبحث في حياة الجُناة، سعيًا لكشف الدوافع والكواليس التي قادتهم للخروج عن القانون. الواقعة الأولى، كما جاءت في المحضر رقم 6119 لسنة 2014، شهدها حي دار السلام بالقاهرة، حيث كانت الجريمة التي تحدثت عنها معظم وسائل الإعلام في الأيام الماضية.. شاب يتخلص من والدته بطلق ناري بدعوى أنها سيئة السلوك، ثم يُحاول مُباغة أجهزة الأمن بعدة خدع لإبعاد الشُبهات عن نفس، لكنه سقط في النهاية، لأنه كان أحد خيوط المقدم أيمن سمير، رئيس المباحث، لحل لغز الجريمة الغامضة. الواقعة في تفاصيلها ربما تُصبح يومًا ما عملًا سينيمائيًا، لما تحويه من كواليس بدأت قبل سنوت، كان فيها الشاب العشريني طفلًا يعيش بصحبة والده ووالدته التي تعمل بالتمريض، بالإضافة لطفل آخر ''توأم الأول''. كانت الحياة هادئة في البداية، أو ربما لم يكن الطفل محمد أحمد، يعي غير ذلك، حتى بدأت أزمت مع والدته حينما فقد توأمه بعد أن سقط عليه سور بالشارع، واتهموا الأم بأنها السبب في ذلك، لأنها اصطحبت شقيقه من المنزل ولم تُحافظ عليه، وتركته يمشي بعيدًا عنها، فحدث ما حدث. مرت الأيام وبدأت الحياة تعود لطبيعتها، لكنها لم تمح الذكريات السيئة والاتهامات نحو الأم في التسبب في وفاة ابنها، وجاءت أزمة أخرى حينما مرض الأب، فلم يجد إهتمامًا من زوجته، وكان الطفل يُراضب آهات والده، وإهمال والدته، حتى أُصيب الأب في الشلل، فانفصلت عنه وتزوجت من غيره، وأصطحبت الطفل ليعيش معها، وفجأة وجد محمد رجلًا غريبًا بدلًا من والده، وبعد سنوات ورغم كبر محمد، كان يتلقى معاملة قاسية منها، ما بين اعتداءات وإهانات. تحمل الصبي قسوة الحياة، حتى وصل للمرحلة الثانوية في تعليمه، ومع الضغوط، لم يكن ملتزمًا في دراسته، فظل حتى بلغ عمره 20 عامًا في نفس المرحلة، وبدأت تتردد في منطقته حكايات تُسئ لوالدته، ومعايرة من أصدقائة، ثم لاحظظ تردد أشخاص على منزلهم باستمرار، لكنه لم يكن له حق السؤال، ولم تُمكنه من نسخة من مُفتاح الشقة، ليدخل ويعرف ماذا يدور بالداخل. ''محمد'' لم يرتكب جُرمًا من قبل، ولم يدخل قسم الشرطة قط، ولم تعثر أجهزة الأمن على أي معلومات جنائيه له، تُفيد تحرير محضر ضده.. لكنه قرر ارتكاب جريمة في تلك الأثناء.. خطط للتخلص من والدته، فاشترى سلاحًا نارية ''فرد روسي'' ووضعه تحت سريره، ثم أخبر والدته وأصدقائه أنه سيُسافر إلى الأقصر للقاء أصدقاء له، وعاد بعد يومين، قبل أن تُشرق الشمس، وتسلل إلى المنزل، وصعد إلى سطح العقار، ثم اتصل بوالدته صباحًا، وطلب منها أن تضع طعامًا لكلب يُربيه في سطح العقار، وعند صعود الأم عبر المصعد الكهربائي نزل هو على السلم، وفتح الباب عبر مفتاح مصطنع، وأخذ السلاح الناري، وانتظر نزول والدته، وعندما دخلت الشقة وأغلقت الباب، ظهر لها، ودخل معها في مشادة كلامية بسبب علاقاتها بالرجال، ثم أشهر السلاح في وجهها، وأطلق عليها عيارًا ناريًا في القلب، لتسقط قتيلة في الحال، ثم أخذ بعض مجهوراتها وأموال من عملات كثيرة، ووضعها فوق الدولاب، ليوهم أجهزة الأمن أن الحادث بدافع السرقة. لطبيعة الشقة، لم يدر أحد بما حدث، ولم يسمع الجيران صوت إطلاق النار، وأغلب ''محمد'' الباب، ونزل متسللًا، عائدًا إلى الأقصر مرة أخرى، حتى يُبعد الشبهات عنه، لكن طفلة تبلغ من العمر 14 عامًا لمحته في تلك الأثناء، وكانت النقطة الهامة لكشف لغز الحادث. توجه الشاب نحو ميدان التحرير، وجلس به قليلًا، ثم نزل إلى أحد المراكب النيلية، وأثناء الجولة، ألقى بالسلاح في النيل، وسافر مرة أخرى إلى الأقصر، ثم عاد بعد 3 أيام، وكأن شيئًا لم يكن.. بدا الشاب طبيعيًا.. طرق على الباب كالعادة في انتظار أن تفتح له والدته.. لا أحد يرد.. طرق أكثر وأكثر، حتى تجمع الجيران، فأعرب عن قلقه أن يكون قد حدث مكروهًا لوالدته، فكسروا الباب معه، ودخلوا، وكانت الصدمة عندما وجدوا الأم قتيلة، وأوهمهم ''محمد'' بمشاعر الحزن والصدمة الشديدة، وتوجه نحو قسم الشرطة ليُبلغ عن الحادث، وفُقدان مجوهرات وأموال. كانت خطة البحث في الواقعة تُركز على أقارب وأصدقاء المجني عليها.. وكان محمد أحد المشتبه فيهم، لعدم وجود آثار عنف بالشقة.. وكانت الطفلة الشاهدة على تواجد محمد يوم ارتكاب الواقعة، النقطة المهمة في حل لغز الجريمة، فبينما حاول الشاب إيهام أجهزة الأمن أنه منذ أكثر من 5 أيام خارج القاهرة، إلا أن الطفلة أخبرت ضباط المباحث بما رأته، وعند مواجهة محمد، قال إنه لم يأت، وهنا تأكدت الشكوك حول تورطه في الحادث، ومع تطوير مناقشته، انهار الشاب، وحكى لهم دوافع.. ثم قال لأحد رجال الشرطة ''لو كنت مكاني.. كنت هتعمل إيه؟.