ربما تكون الأزمة التي يعيشها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند هي الأسوأ التي يمر بها رئيس فرنسي في العصر الحديث؛ فأولاند محاصر باقتصاد يتدهور يوما بعد يوم، ومعدل بطالة مرتفع، حتى أن الحكومة الجديدة التي لم يمض على تشكيلها أكثر من أسبوع ضربتها ''فضيحة أخلاقية''. غير أن ''القشة التي قد قصمت ظهر البعير'' هو الكتاب الجديد الذي ألفته رفيقته السابقة فاليري تريرفيلر وحمل عنوان ''شكرا لهذه اللحظة''، وتحدثت فيها عن حياته الخاصة وخيانته لها التي كانت سببا رئيسا في انفصالهما. يضاف إلى ذلك احتمالية أن يشن منافسه المرتقب الرئيس السابق نيقولا ساركوزي حملته السياسية هذا الأسبوع في إطار مساعيه للعودة لحلبة السياسة مجددا على أمل الوصول إلى قصر الإليزيه مرة ثانية. وتدل استطلاعات الرأي على تدني شعبية أولاند بشكل قياسي لم يصله أي رئيس فرنسي في التاريخ المعاصر منع توالي الضربات السياسية التي نالت كثيرا منه. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد ''سوفريس'' تدهورا مقلقا وخطيرا لشعبية أولاند والتي وصلت إلى 13 بالمئة. وتلك هي النسبة الأدنى التي يعرفها رئيس فرنسي في الجمهورية الخامسة. ''شكرا لهذه اللحظة'' وهذا الأسبوع، وصفت الصديقة السابقة، فاليري تريرفيلر، أولاند بأنه ''كاذب وضيع'' في كتاب نشر بعد سبعة أشهر من انفصالهما، أشارت فيه إلى التقارير الصحفية التي تحدثت عن علاقته بالممثلة الفرنسية جولي غاييه. تريرفيلر لم تتحدث فقط عن خيانات رفيقها رأس الدولة الفرنسية لها أو لأم أطفاله الأربع سيغولين رويال، إنما صورته على أنه يكره الفقراء، وهي خطيئة سياسية خطيرة بالنسبة لقيادي يساري فاز في انتخابات 2012 بسبب وعوده بتحقيق العدالة الاجتماعية. وتقول تريرفيلر في كتابها الذي نشرت مقتطفات منه صحيفة لوموند الفرنسية ضمن وسيلتين إعلاميتين سمح لهما باقتناء نسخة منه قبل طرحه في المكتبات، إن أولاند أشار ذات مرة بازدراء إلى الفقراء قائلا ''هؤلاء الذين لا أسنان لهم''، في إشارة إلى الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة العناية بأسنانهم. التعبير الذي أوردته تريرفيلر في كتابها صدم كثيرين في فرنسا، وشن مستخدمو توتير حملة على أولاند وبات هاشتاج مرتبط بالتعبير من أعلى الهشتاجات هناك. وامتد الأمر ليدشن ناشطون يمينيون حركة أسموها ''من غير أسنان''، ونظموا وقفة احتجاجية قرب قصر الإليزيه مساء الجمعة. ولم يعلق مكتب أولاند في بادئ الأمر، إلا أنه أشار إلى القصة في مؤتمر صحفي عقده على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي الناتو الجمعة في ويلز، وقال والغضب باد على وجهه إن خدمة الفقراء هي ''سبب وجوده''. ''فضيحة أخلاقية'' وكانت حكومة جديدة قد تشكلت قبل 10 أيام من خطاب ''السياسة العامة'' الذي سيلقيه رئيسها مانويل فالس أمام الجمعية الوطنية ليطلب منها المصادقة على برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. ولكن مع وجود نسبة بطالة تتخطى 10 في المئة وعدم وجود نمو اقتصادي، فليس هناك فترة سماح أمام تلك الحكومة. وكان وزير الاقتصاد الجديد إيمانويل ماكرون قد أشار إلى إنه سيكون منفتحا أمام إعادة النظر في أسبوع العمل المكون من 35 ساعة الذي أدى إلى إثارة ضجة كبيرة في اليسار الفرنسي. وبعدها بأيام قليلة، قال وزير العمل فرنسوا ريبسامين إنه يريد لخدمات البطالة في البلاد أن تراقب الباحثين عن العمل بشكل أفضل، مما تسبب في غضب بين النقابات. وبعدها الخميس، أجبر الدولة للتجارة الخارجية، توماس تيفينود، على الاستقالة بسبب مشاكل مع سلطات الضرائب، طبقا لمكتب رئيس الوزراء. وجاءت استقالة تيفنو يوم الخميس بطلب من الرئيس ورئيس الحكومة بعد أن ''نسي'' أن يدفع الضرائب لمدة ثلاث سنوات. واعترف توماس تيفنو (40 سنة) في تصريح لوكالة فرانس برس، بذنبه، وأضاف أنه قام بتسوية وضعه ودفع مبلغ جزائي لمصلحة الضرائب. حتى رئيس الوزراء الذي كان يتمتع بشعبية يوما ما، مانويل فالس، شهد انخفاضا في الموافقة عليه بنسبة 30 في المئة تقريبا في الأسابيع الأخيرة. ويواجه تصويت على سحب الثقة يوم 16 سبتمبر وفيه يعبر عشرات من أعضاء البرلمان اليساريين عن رفضهم لخفض الأنفاق الذي فرضه أولاند، ويحاولون نشر التمرد بين قيادات اليسار وهناك خشية من أن ترفض الجمعية الوطنية منح الثقة لفالس ولا تصادق على برنامج الحكومة الجديد، ما قد يؤدي إلى أزمة سياسية خطيرة قد تصل إلى حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. وطلبت قيادية اليمين المتطرف مارين لو بان حل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة. ساركوزي أما التهديد المحتمل الآخر فقادم من تيار المحافظين، الذين يلتقون في نيس هذا الأسبوع بعد عامين من الانقسام والاضطراب. ويأمل الكثيرون في أن يعلن ساركوزي عن ترشحه لرئاسة الحزب، وهي الخطوة الأولى في محاولة محتملة للعودة إلى الرئاسة في 2017 بعد خسارة المنصب أمام أولاند في 2012. وأصر أولاند الجمعة أنه لن يسمح للأنباء السيئة بأن تهزمه، حسب تعبيره في المؤتمر الصحفي. وقال ''انتخبت لخمس سنوات من الشعب الفرنسي. لن يكون هناك أي استطلاع يمكنه أن يعيق مدتي''. وأشار إيمانويل ريفيير من وكالة استطلاعات تي إن إس- سوفريس إلى أن تراجع شعبية أولاند تسبب انزعاج أكبر. وقال ''فرنسا لديها صعوبات في توقع المستقبل، ولديها شكوك في وجود الآليات الجماعية التي صنعت عظمة فرنسا في السنوات الماضية. وهذه الثقة المفقودة تنطبق على الطبقة السياسية عموما''. وأضاف ''لم يحظ أي حزب بأكثر من 30 في المئة من الثقة. هذا تاريخي. لم يحدث من قبل''.