صرح وزير العدل أحمد مكى بأن محمد الجندي توفى نتيجة اصطدامه بسيارة، مستنداً على تقرير مصلحة الطب الشرعي، إلا أن هذا التصريح سبق كتابة التقرير الخاص بضحية عنف الشرطة بأربعة أيام، ما يكشف تسيس المصلحة التابعة لوزارة العدل. مؤخراً نال الطب الشرعي نصيبه من الوقفات الاحتجاجية حول مقره الكائن بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة ولم تنج جدران المصلحة من الجرافيتى الذى يدين الجميع :الأطباء، العدل، والشرطة.. يعلق محمد منيب عضو التيار الشعبي ل DW عربية حول تسيس هذه الجهة الفنية بأنها" لم تكن مستقلة أبداً، خاصة أن أي نظام يقوم على الاستبداد وعدم الاستماع للآخرين يسعى للسيطرة على كافة المؤسسات والهيئات بالدولة، وبالتالي سيصبح كل شيء مسيس، حتى لو كنا نتحدث عن تقرير فنى كتقارير الطب الشرعي لضحية تعذيب كخالد سعيد، ضحية عنف الشرطة وأيقونة الثورة المصرية، أو ناشط سياسي كمحمد الجندي أو غيرهما". تقارير تحت الطلب منيب كان محامى الشهيد محمد الجندي الذى توفى عقب اختطافه في أحداث الذكرى الثانية للثورة المصرية وقد تعرض للتعذيب حتى تم العثور عليه بأحد المستشفيات الحكومية، ويؤكد منيب لDW عربية أن “هناك بعض الأطباء الفاسدين، وهم تحت طلب الحكومة، ومن المعروف أن لدى مصلحة الطب الشرعي تابعيين لجهاز أمن الدولة السابق، هؤلاء أشرف الجهاز الأمني على تعيينهم ليحرك الأمور لصالحه ولصالح الحكومة بشكل عام". من جانبه يرصد المحامي مالك عدلي العديد من حالات التسيس بالمصلحة نفسها حيث يرى أن هيئة الطب الشرعي تحتاج لإعادة هيكلة عاجلة. كما يقول عدلي لDW عربية "لابد أن تصبح هيئة مستقلة تتمتع بموازنة مالية مستقلة تماما عن وزارة العدل كما أنها تعانى من مشاكل تقنية، خاصة أن أقصى الإمكانيات العلمية والمادية المتاحة لها برطمان فورمالين كمادة حافظة وجفت للتشريح". المحامي الذى كان مشتبكاً مع الطب الشرعي في قضايا شهداء الثورة حتى المظاهرات المعارضة للرئيس المصري محمد مرسى يرى أن "الطب الشرعي" سيظل تابعاً، وخاضعاً كذلك لتلاعب وزارة العدل والشرطة أيضاً لعدم توافر "شرطة قضائية" تنفذ أوامر النيابة العامة، حيث يرى عدلى أن قضايا التعذيب تحديداً لابد أن تشرف عليها لجان مستقلة لأن أحد أجهزة الدولة المصرية طرفاً فيها - الشرطة- طالما أن "الطب الشرعي" غير مستقل. كما يحكى مالك عن واقعة جرت قبل الثورة في قضية سيدة قتلها ضابط شرطة في صعيد مصر، حيث قدم الطب الشرعي تقريراً يرجع الوفاة لهبوط حاد في الدورة الدموية، وبعد الاحتجاج ورفض التقرير صدر آخر يؤكد أن السيدة أصيبت بمنطقة قريبة من الرحم ودفعت على السلالم، مما أشار لمسئولية الضابط عن مقتلها. السلاح مجهول دائماً التدخل الواضح لوزارة العدل يجعل مصلحة الطب الشرعي كما لو أنها “محطة لتبييض وجه الوزارة والنظام ككل"، كما يصفها المحامي المصري، الذى يشير لتعمد "الطب الشرعي" تجاهل تحديد نوع السلاح المستخدم في القتل خاصة في حالة الاشتباه في مسئولية الشرطة عنه، ويقول “عادة ما يكتفى بتحديد نوع المقذوف الناري فقط، رغم أن الطب الشرعي يعلم نوعية السلاح المستخدم من جانب وزارة الداخلية، وكذلك طبيعة الأعيرة النارية التي تستخدمها الشرطة "، لكل هذا يقول مالك لDW عربية "من الأفضل الاستعانة بأساتذة الطب بالجامعات حتى نتمكن من إعادة هيكلة المصلحة وتأهيل الأطباء علميا ونجعل المصلحة جهازا مستقلا يتمتع بدرجات مالية مستقلة، وحصانة قضائية". مشروع استقلال
رغم كل ذلك يرى الدكتور علاء العساس، طبيب التشريح بمصلحة الطب الشرعي أن الجهة التي يعمل بها منذ 15 عاماً "من المفترض أنها محايدة"، لكنه لا ينفى أن المصلحة تحتاج للتمتع باستقلالية حقيقية حيث يقول لDW عربية "نحن نطالب بألا نكون تابعين لوزارة العدل. خاصة أن المشرف الأول على عملنا هو مساعد وزير العدل للطب الشرعي.
لهذا يمكنني أن أتفهم أي شكوك لدى المواطنين وأهل الضحايا فى مصداقية التقارير نظراً لعدم توافر الاستقلالية الواجبة". كان العساس واحداً من المكلفين بإعداد تقرير وفاة الشهيد محمد الجندي، ويعلق على تصريحات وزير العدل المصري أحمد مكى حول أسباب وفاة ضحية أحداث الذكرى الثانية للثورة "عرفت بتصريحات الوزير رغم أنى لم أكن قد انتهيت من تقرير أسباب الوفاة من الأساس حيث كانت التصريحات قبل انتهاء تقرير الطب الشرعي بأربعة أيام!".
كما يوضح أن "مصداقية العمل تتطلب أن يكون النشر بعد إتمام التقرير ..وخلال إعدادنا للتقرير طلب منى التحدث لوسائل الإعلام حول أسباب وفاة الشهيد ورفضت، طالما أن الحدث لم يتم البت فيه".
نتيجة لحادث خالد سعيد الذى جرى منذ ثلاثة أعوام والتي لا تزال تعاد بشكل أو بآخر في واقعة الجندي وغيرها يقول العساس ل DW عربية "نسعى حالياً لوضع مشروع قانون من جانب أطباء المصلحة وسنقدمه لمجلس الشورى المصري يغير من طبيعة العلاقة بيننا ووزارة العدل حيث يفترض أن يجعل مشروع القانون تبعية الطب الشرعي للعدل تبعية اسمية فقط والإدارة ستكون مستقلة عن وزير العدل". ويضيف علاء "لا نعرف إذا كان مجلس الشورى سيوافق على مشروع القانون الذى سنقدمه أم لا، لكن المؤكد أنه قد يكون خطوة على طريق الاستقلال وإعادة الهيكلة خاصة أن القوة الفعلية، التي تعمل حالياً، لا يتجاوز عددها 6 أطباء، وهؤلاء يشرفون على كافة مصر أي حوالى 250 قضية في الوقت الحالي".