صورة جيدة من اللونين الأبيض والأسود، موسيقى رائعة، صمت منتبه، قصة إنسانية، ضحك الجمهور لا ينقطع طوال العرض، ودموع في الختام، ليست هذه المرة الأولى وإنما ليلة من شهر خصصته جمعية النهضة التابعة لمدرسة الجيزويت لنجم هوليوود تشارلي شابلن ضمن برنامجها الثقافي "نادي سينما الجيزويت". حيث تعرض فيلما له كل سبت، قامت أمس بعرض ومناقشة فيلمه "أضواء المدينة" المصنف رقم 76 ضمن أهم مائة فيلم في هوليوود.
الفيلم إنتاج عام 1931 ومع ذلك كانت النسخة المعروضة جيدة للغاية، وبالرغم من أنه تم إنتاجه بعد ظهور الصوت بالسينما بثلاثة أعوام إلا أن شابلن لم يستخدم أي صوت بشري في الفيلم واعتمد فقط على الموسيقى التي ألفها بنفسه، والمؤثرات الصوتية، ويرجع حسن شعراوي منسق برنامج نادي سينما الجيزويت ذلك إلى أن شابلن لم يكن مقتنعا بفكرة إضافة صوت إلى السينما من الأساس، بل إنه ذهب في رفضه له إلى أنه سوف يهدد صناعة السينما، ومع ذلك استخدمه في أفلام تالية. وأضاف شعراوي إن أفضل أفلام شابلن كان الصامت منها إلا أنه في "أضواء المدينة" وظف الصوت توظيفا جيدا واستخدم تقنية "الميكساج" لدمج المؤثرات الصوتية مع الموسيقى، وقال إن أول أفلام شابلن التي استخدم فيها الصوت بشكل كامل، أي أنه اعتمد على النص المكتوب، كان فيلم "الديكتاتور العظيم"، عام 1941 وكان ذلك دلالة على أنه قد اقتنع بأهمية الصوت وأنه أحد عناصر السينما.
ويقول الكاتب المسرحي وعضو النادي حسن أبو العلا إن شابلن استخدم لغة عالمية بدلا من الكلام وهي الإشارة وتعبيرات الوجه، كما أنه نجح في استخدام المؤثر الصوتي في المشهد السياسي، حين صور المسئول السياسي الذي كان يفتتح نصبا تذكاريا ويخطب في الحاضرين وكأنه يصرخ بصوت طير مزعج ولا معنى له، حيث رأى أبو العلا أن في هذا رمزية لخواء حديث السياسين وتكراره وخلوه من المعنى وهي مشكلة عالمية لذا يستطيع الجميع أن يفهمها. وأثنى على مشهد الافتتاحية موضحا أنه مشهد مبتكر للغاية، حين ظهر تمثال النصب التذكاري بعد أن رفع عنه الستار، لنجد صعلوك ينام في حضن هذا التمثال الأنيق، لأنه لم يجد مكانا آخر، وكأنه يصدم السياسيين ويواجههم بفشلهم في حل المشكلات الأولى، ثم يضطر الصعلوك بعد فشله في النزول من على التمثال قبل لعب السلام الوطني إلى أن يقف فوقه ، وقد عبر سيف التمثال عبر بنطاله، وكأنه خازوق وشابلن يحاول أن يستحضر الوقار احتراما للسلام الوطني إلا أنه يفشل بسبب وضعيته، في باقة من الرمزية إلى أن كل جهودهم هذه تذهب هباء ويدفع الفقراء ثمن حماقتهم. ويرى الدكتور سامح سليمان أحد أعضاء نادي سينما الجيزويت أن سبب خلود أفلام شابلن هو أنه كان يعمل على تطوير نفسه، حتى إنه قد ينفذ نفس المشهد في أكثر من فيلم ولكنك في كل مرة تستمتع به، لأنه يقوم بتطوير تقينة تنفيذه. وركز على مشهد بعينه تصورت به الفتاة العمياء بائعة الورد التي أحبها الصعلوك في الفيلم أنه غني، بعد أن أعطى لها النقود التي كانت معه، وفي نفس لحظة مغادرته كان أحدهم يغلق باب سيارته ويغادر أيضا، فتصورت أنه هو من ركب السيارة. ويقول سليمان إن هذا شابلن اضطر لإيقاف تصوير الفيلم لستة أشهر كاملة كي يصل لهذا الحل الدرامي، وكانت لديه أكثر من فكرة، إلا أنه كان يريد تنفيذ أفضل حل، وهي فكرة مبتكرة، ويضيف أنه لم يكن يبخل على أعماله بالمال أو الجهد، حيث أنه أنفق على أحد أفلامه مليون دولار في هذه المرحلة البدائية من السينما، ولم يسترجع المبلغ إلا بعد سنوات عديدة، مع أنه عرض في معظم دول العالم. واتفق الحاضرون على أنه تم اقتباس أكثر من فيلم مصري من هذا الفيلم فقط، فقال أبو العلا إن فيلم "إنسان غلبان" لإسماعيل يس هو معالجة حرفية لنفس قصة أضواء المدينة، كما أن على الكسار اقتبس منه مشهد الملاكمة في فيلم "سلفني 3 جنيه" لتوجو مزراحي. وأضاف سليمان أن فيلم المليونير لاسماعيل يس أيضا مستوحى من هذا الفيلم الذي وصف نسخته بالبديعة، وقال إنه من الجيد أن يتم تناول هذه النسخ الجيدة وتقدير قيمتها، إلا أنه كان لديه تصور حول نهاية الفيلم التي رآها سعيدة بشكل تقليدي وأنه كان من الأفضل أن تنتهي قبل أن تعرف بائعة الورد أنه هو من ساعدها لتسترد بصرها، لأنه بذلك تكون فنية أكثر ومليئة بالمشاعر. بينما اختلف معه أبو العلا الذي رأى أن ما يميز نهايته هو الأمل لأن الفيلم الذي نفذه اسماعيل يس كانت بائسة وكئيبة. ويرى سليمان أن شابلن كان يصنع هذه الأفلام لتعيش، فهو يقول أن هذا المستوى من الجودة والإتقان صنع ليبقى، حيث أبدع في تصميم الديكورات وتوزيع الإضاءة واستخدام إيحاءات الضوء والظل، وكان يستغرق أياما في المشهد الواحد والبروفات عليه، وهو ما يوحي أنه كان يعمل لصنع أعمال خالدة. يقوم نادي سينما الجيزويت بالفجالة السبت القادم بعرض فيلم الديكتاتور العظيم ومناقشته بداية من السادسة والنصف مساءا. يذكر أن النادي بدأ في 2010 حيث يختار موضوعا لكل شهر ويقوم بعرض أفضل الأفلام المتعلقة به وخاصة غير المعروف منها، ويقول حسن شعراوي منسق النادي أنه يهتم بعرض الأفلام غير المعروفة حتى وإن لم تكن أميريكية، فقد تكون آسيوية أو لاتينية أو بأي لغة بشرط أن يكون فيلما مميزا.