''حب''.. ''أمل''.. ''وحدة '' وكلمات أخرى كثيرة تضمنت معانيها حالة رضاء نفسي كبيرة ظهرت على حوار الرئيس ''مرسي'' في خطابه الأخير للتليفزيون المصري؛ حيث بدأ الرئيس خطابه الثاني في أقل من أسبوع واحد بالكلام عن ثورة يناير، ثم بدأ الحديث عن مدى معاناة الشعب المصري الذي صنع الثورة بمفرده واستطاع أن يؤسس نظاما ديمقراطيا جديدا عن طريق الانتخابات، حتى قاطعه المذيع قائلا: '' لماذا هذه المقدمة يا سيادة الرئيس''، فرد ''مرسي'': '' أنا عايز أقول إننا وصلنا لمرحلة تؤهلنا للتقدم والنهضة''. حديث ''مرسي'' للتليفزيون المصري لم يخرج عن عدة أشياء وأهمها فكرة الإعلان الدستوري؛ حيث أوضح أن '' لما نبقى في مرحلة انتقالية حرجة، يبقى لازم يتاخد قرارات سيادية مؤقتة والإعلان الدستوري قرار مؤقت، هيسقط بمجرد الموافقة على الدستور ''. فيما لم يزعج الرئيس فكرة رد فعل الشارع على الإعلان معللا ذلك بأنه '' مناخ صحي جدا إن الناس تتظاهر ضد الإعلان ومعاه، ولكن على شرط عدم التأثير على المنشآت العامة وعدم التخريب ''. '' لا مجال إن يبقى فيه ديكتاتورية، لأني مع الناس ومنهم وعارف يعني إيه ظلم، فمش هعمل حاجة تؤذي الشعب''.. هكذا رد الرئيس على المذيعة عندما أخبرته أن البعض يقول أنه يسير على درب الرئيس السابق ''مبارك''. كما دافع ''الرئيس'' عن نفسه من خلال طرح ورقة عزل النائب العام من منصبه مؤكدا أن '' فكرة عزل النائب العام كان مطلب ثوري من البداية، لكنه اتأخر لظروف مستعصية، إلا إنه اتنفذ في الآخر''. هنا عاد الرئيس يؤكد مرة أخرى أن '' المؤيدين والمعارضين لهم نفس القدر من الحب عندي''، ولكن هذا لا ينفي أن '' لكل ثورة أعداء و هناك من يريد التخريب من رموز النظام السابق''، وعندما سأله المذيع عن سبب إلقاء خطابه الأخير أمام مؤيديه في ''الاتحادية'' فقال: '' أنا مقدرش انحاز لحد ضد حد، كلهم من شعب مصر''، ثم ابتسم معلقا أنه حتى الآن لا يجد أريحية في ارتداء ''الواقي من الرصاص'' ويحاول التحرك بدون ''حراسة'' قدر المستطاع . فيما أكد الرئيس ''مرسي'' للمرة الرابعة في الخطاب على أنه ''سعيد'' بتظاهر الناس سواء ضد القرارات أومعها؛ فهذا يعتبر تفاعل شعبي مع الإعلان ككل. وشددّ ''مرسي'' في نهاية حواره على ضرورة الحفاظ على البلد من المخربين لأنها بلد المصريين في النهاية، ثم قال: '' أنا لم أكن لأجعل الشرطة تضرب المتظاهرين، ومن يفعل ذلك يتم التعامل معه بالقانون، أيضا اللي يعتدي من الناس على الوزارة أو غيرها من المنشآت هيتم التعامل معاه بالقانون''. رأى الدكتور أحمد عبد ربه - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - أن حوار ''مرسي'' للتليفزيون المصري كان خطابه فيه أفضل من يوم الجمعة أمام ''الاتحادية'' الذي كان توقيته ورسالته كانت ''غلط'' - على حد وصفه - موضحاً أنه كان فيه يخاطب كل المصريين على عكس '' الاتحادية''. وأضاف ''عبد ربه'' أن أكثر عيوب الحوار أهمية أنه مازال في خطابه يبسط المواضيع مع أنها في الواقع أكثر تعقيداً قائلاً: '' كلامه عن الوحدة والتسامح والصدر الرحب تجاه من يعارض ده كلام كويس لكنه مستهلك لا يعكس الحقيقة ''، مشيراً إلى أن الرئيس لم يكن يخاطب الانقسام بل لا يعترف بوجود انقسام في الأساس، مؤكداً أنه كما لا يتشكك في نواياه الطيبة لكنها لا تكفي لإدارة البلاد. وأكد ''عبد ربه'' أن خطاب الرئيس مازالت فيه عبارات دينية تناسب خطاب مسجد أكثر من مناسبتها لخطاب دولة قائلاً: '' كان عليه أن يطور حديثه وخطاباته وليس الاعتماد في كل مرة على فكرة الحب والرحمة والمودة''. وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الاعتماد على كلمة ك''الاستقرار'' نوع من التبرير، موضحاً أن الحكم الديكتاتوري يستخدم في التبرير كلمات كالحفاظ على الوحدة والاستقرار على عكس الحاكم الديمقراطي . وأرجع ''عبد ربه'' استمرار الرئيس في حوارته على النحو ذاته والتعامل مع المعارضة من ناحية التخوين وأن منها مأجور يهدف للهدم، إلى عدم الخبرة، وكذلك اعتماد الرئيس على الأسلوب التقليدي في جمع المعلومات من خلال مجموعة تقارير الأجهزة الأمنية التي لا تخلو بطبيعة الحال من جانب الشك والتخويف . وأكد ''عبد ربه'' أنه لابد من هيكلة مؤسسة الرئاسة قائلاً: '' تخيلت بوجود المستشارين أن يعتمد الرئيس علىهم باعتبارهم أسلوب موازي للحصول على المعلومة لكن مع وجود عدد كبير من المستشارين إلا أنه لا جديد ''. وكان استاذ العلوم السياسية منتظراً من حوار الرئيس الذي جاء في ذلك التوقيت أن يتضمن الحديث عن اجراءات محددة بطرح مبادرة معينة لكسب المعارضة وفتح حوار حقيقي من خلال آليه محددة وليس مجرد الحديث عن مباردة بل '' مبادرة حقيقية تحس فيها المعارضة إن في أمل ''. وانتقد ''عبد ربه'' عدم توجيه الرئيس خطابه في أي حوار أو خطاب إلى قطاع الثوار الذي وصفه أستاذ السياسة بأنهم ليسوا الأحزاب والتيارات السياسية التي يترأسها قيادات سياسية معروفة بل هو تيار كبير فيه النخبوي وشباب الجامعة والأولتراس، نافياً فكرة أنه لا يوجد قائد لهم '' لو أراد الرئيس أن يحاور هؤلاء الشباب يستطيع الوصول إليهم''، على حد قوله . وتوقع استاذ العلوم السياسية أن يكون هناك خطاب آخر الأيام القليلة القادمة، لكنه تمنى أن يكون من خلال المتحدث الرسمي وليس شخص الرئيس، فلا يخرج الرئيس ليخاطب الشعب إلا عندما يكون لديه جديد. بينما وجد الدكتور ياسر عبد العزيز - الخبير الإعلامي - في حوار الرئيس أنه يكرر نفسه منذ خطاب ''الاتحادية''، وأنه يقدم خطاباً تبريرياً لا يطرح رؤى جديدة، بل يريد أن يظهر تصميمه على المضي قدماً في طريق الإعلان الدستوري وإنجازالدستور بالشكل الذي يخدم رؤية جماعته، على حد قوله . وتابع عبد العزيز:'' يبدو أنه لم يعد معنياً أو مهتماً بكسب أنصار في معسكر المعارضة بقدر اهتمامه بحشد المؤيدين له لكي يمضي قدماً في مشروعه''، مؤكداً أن كلماته وأسلوبه يجعله حواراً حشدياً''، مضيفاً:'' إن هذا الخطاب جاء ليزيل الآثار السلبية الفادحة التي نجمت عن خطأه الكبير حين تحدث إلى أنصاره بعد إصدار الإعلان الدستوري''. وأكد الخبير الإعلامي أن حوار الرئيس بل وجميع خطابات الرئيس بشكل عام تتوجه إلى إعادة إنتاج للخطاب الإنشائي البلاغي التقليدي مع محاولة التركيز على عنصر الاستقرار الذي يهم المصريين الذين لا يهتمون بالحرية والديمقراطية بقدر الاهتمام بدوران عجلة الإنتاج، قائلاً: '' هو يركز في حديثه على هذه الشريحة لكب التأثير وتصليب موقفه تجاه الطريق الذي يسير فيه''. وأكد ''عبد العزيز'' أن خطاب ''مرسي'' واستمراره في الأسلوب ذاته دون التراجع يكرس الانقسام في الشارع المصري مما قد يجر البلد إلى مأساة . ورأى الخبير الإعلامي أن الحل يتمثل في اتخاذ الرئيس قرار يحقق الحل الوسط الذي يحافظ على هيبة الرئاسة ويستجيب لتطلعات القوى الوطنية على طريقة '' لاغالب ولا مغلوب '' بشكل لا يعمل على هدم الهوية الوطنية، على حد قوله .