الخرطوم (رويترز) - في مسرح مفتوح على نهر النيل يطلق حشد صافرات ويصفق وهو يتابع الممثلة هدى مأمون تلعب دور امراة مجنونة يطاردها شبح يرتدي رداء ابيض. وتستعرض هدى مأمون معاناة المرأة عبر العصور ضمن مهرجان المسرح في الخرطوم في احياء لنشاط المسرح السوداني بعد سنوات من الاهمال خلال موجات من الازمات السياسية والحروب. وقال الممثل والراقص حسون جزولي (31 عاما) "المسرح يمسنا لانه يتحدث الينا من خلال التقاليد واللغة." واضاف "يجد بعض السودانيين صعوبة في التفاعل عاطفيا مع رسائل تنقل عبر التلفزيون والانترنت. ولكن المسرح ينقل الرسائل بشكل تقليدي." وقال مصعب الصاوي الناقد المسرحي بصحيفة الراي العام ان للسودان تاريخا مسرحيا طويلا يمتد من الدراما الفلكورية القديمة الى المسرحيات المعاصرة التي تتعمق في السياسة والكوميديا. وذكر ان المسرح السوداني شهد حقبة ذهبية في الستينات والسبعينات قبل انه يتهاوي خلال سنوات المصاعب الاقتصادية والحرب الاهلية كما تضرر من شكوك الحكومات التي تحرص على احكام السيطرة على اسلوب تفكير العامة. وقال الصاوي "للمسرح قوته الخاصة.. ليس كالموسيقي والغناء اللذين يعتبران وسيلتين للترفيه فحسب." وتابع "لا يثق الساسة في الفنانين دائما. يقدم الفنان رسالة تجعل الناس تفكر وقد يكون ذلك متناقضا مع ما يريده الساسة." وذكر ان الاهتمام بالمسرح عاد تدريجيا على مدار العقد الماضي وبصفة خاصة بعد اتفاق السلام الذي انهى عقودا من الحرب بين الشمال والجنوب في 2005 مما دفع السودانيين للتفكير في الصورة والهوية الوطنية. وفي وقت يشهد فيه العالم العربي اضطرابات وتصاعد التوترات في ظل ازمة اقتصادية جديدة وارتفاع الاسعار يرى البعض ان المسؤولين السودانيين اكثر من سعداء بتشجيع انشطة ثقافية مثل المسرح لصرف انظار المواطنين. وقال جزولي "ادركت الحكومة ان الفن والمسرح وسيلة للتعبير عن مشاعرنا... ادركوا اننا نساعدهم فعليا بمنح الناس منفذا للتنفيس عن مشاعر الغضب والحزن." وتقول هيلكه ديمر الراقصة الهولندية التي درست المسرح السوداني ان الخرطوم لديها ما لا يقل عن ثلاث فرق مسرحية محترفة فضلا عن عدد أكبر بكثير من المسارح غير الرسمية في المدارس والمراكز الثقافية. وفي المجتمع السوداني المحافظ يعتبر المسرح احد البدائل القليلة لوسائل الترفيه العامة. وفي المسرح الوطني بالخرطوم الذي يستضيف مهرجان المسرح تجمع السودانيون لحضور امسية درامية مع غروب شمس يوم السبت. وتجاذب الحاضرون اطراف الحديث وهم يحتسون اكوابا من الشاي في الفناء قبل العرض الذي قدم على منصة عريضة وسط اضواء خافتة على الجدران. وعقب عرض مسرحية هدى مأمون في الافتتاح جاءت مسرحية محمد عبد الله (35 عاما) التي تتناول مفهوم الحياة والموت وتحث المشاهدين على توسيع افاق تفكيرهم. ويرى ممثلون امثال عبد الله وجزولي ان خشبة المسرح تتيح فرصة أكبر للترفيه والتحفيز على التفكير. وفي بلد يستشري فيه الفقر والامية يعتبر المسرح أيضا اداة للتوعية بكل شيء بدءا بختان الاناث وانتهاء بنوعية مياه الشرب. وقال جزولي "يأتي الناس الى هنا للترفية ولا يأتون لتعلم امور جديدة. ولكن نحاول ان نمرر معلومات جديدة من خلال المسرحيات التي نعرضها." وفي عصر يتيح تحميل المسرحيات المحلية على الانترنت وموقع يوتيوب سريعا ليراها أي شخص في العالم تراود عبد الله احلام أكبر. قال "نريد ان نبين للعالم ان ثمة اشياء جيدة كثيرة في السودان. يعرف الناس فقط المعارك في درافور وابيي ونحن نريد ان نغير هذه الصورة من خلال المسرح."