قبل الرئيس السوري بشار الاسد استقالة حكومته يوم الثلاثاء بعد نحو اسبوعين من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية حيث يواجه أشد أزمة في 11 عاما له في السلطة. لكن هذه الخطوة من غير المتوقع ان ترضي المتظاهرين لان الحكومة ليس لديها سوى سلطات محدودة وان السلطة متمركزة في ايدي الاسد وعائلته والجهاز الامني. وتجمع عشرات الالاف من السوريين تأييدا للحكومة يوم الثلاثاء في الوقت الذي من المتوقع أن يلقي فيه الرئيس بشار الاسد خطابا يعلن فيه قرار رفع قانون الطوارىء المعمول به منذ نحو 50 عاما. وهذا مطلب رئيسي في الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي لقي خلالها اكثر من 60 شخصا على الاقل حتفهم. قال التلفزيون السوري ان الرئيس بشار الاسد قبل استقالة الحكومة السورية وكلف ناجي عطري رئيس الحكومة السورية منذ العام 2003 باستمرار الحكومة في تسيير الاعمال لحين تشكيل حكومة جديدة. وقصر المحتجون في البداية مطالبهم على المزيد من الحرية لكن بعد القمع الذي عاملتهم به قوات الامن خاصة في درعا حيث انطلقت الشرارة الاولى للاحتجاجات أصبحوا يدعون الى "اسقاط النظام". وهذه النداءات هي صدى للانتفاضات التي اسقطت الزعيمين المصري والتونسي المخضرمين وحضت الثوار على قتال الزعيم الليبي معمر القذافي. ويواجه الاسد أكبر تحد لحكمه المستمر منذ 11 عاما بعد احتجاجات في الجنوب وامتدادها للكثير من أجزاء البلاد. ومن الممكن أن يعلن الرئيس إلغاء حالة الطواريء في سوريا المستمرة منذ عشرات السنين. وأظهر التلفزيون السوري لقطات لاشخاص في العاصمة دمشق وحلب والحسكة وكانوا يحملون صورا للاسد ويهتفون قائلين "الله.. سوريا.. بشار". وكتب على احدى اللافتات عبارة "خبر عاجل ..المؤامرة فشلت" في تكرار لاتهامات حكومية بأن عناصر أجنبية وعصابات مسلحة وراء الاضطرابات. كما كتب على لافتة اخرى "بدمائنا وارواحنا نحمي وحدتنا الوطنية." وقال موظفون وأعضاء في النقابات التي يسيطر عليها حزب البعث الذي يتزعمه الاسد انهم تلقوا أوامر بحضور التجمعات التي يوجد بها وجود كثيف لقوات الامن. ويحظر كل التجمعات والمظاهرات الا التي ترعاها الحكومة في سوريا البلد التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة وتقع في قلب الصراع في الشرق الاوسط. وتعمل المؤسسات الاعلامية في سوريا في ظل قيود. وكانت الحكومة قد طردت ثلاثة من صحفيي رويترز في الايام الاخيرة حيث سحبت اوراق اعتماد مراسل كبير واحتجزت صحفيين من تلفزيون رويترز لمدة يومين قبل ان ترحلهما الى بلدهما المجاور لبنان. وتجمع اكثر من مئتي متظاهر في درعا وهم يردودن شعار "الله سوريا وحرية" بالاضافة الى تلك الشعارات التي تدعو قبائل اهل حوارن الى الثورة. ودرعا هي معقل العشائر الذين ينتمون في غالبيتهم الى الطائفة السنية ويشعر الكثير من اهل هذه المنطقة بالاستياء من سلطة الاقلية العلوية التي ينتمي اليها الرئيس الاسد. ومدينة اللاذقية الساحلية يقطنها خليط طائفي مما يمكن ان يثير مخاوف من اشتباكات تأخذ طابعا مذهبيا. وقالت الحكومة السورية ان الهدف من المشروع هو زرع الفتنة الطائفية. وكتب باتريك سيل مؤلف كتاب عن حافظ الاسد على صفحة السياسة الخارجية "اذا تدهورت الامور في سوريا فان الشياطين الطائفية المتعطشة للدماء من الممكن ان تنطلق والمنطقة كلها قد تعوم في موجة من العنف." وسوريا التي يحدها العراق والاردن ولبنان وتركيا واسرائيل تحافظ على موقف مناهض لاسرائيل بسبب تحالفها مع ايران الشيعية ذات الثقل الاقليمي وحزب الله اللبناني فضلا عن حركة حماس الفلسطينية. كما ان سوريا استعادت نفوذها في جارتها لبنان. وفي الاسبوع الماضي تعهد الاسد بدراسة انهاء حالة الطواريء وبحث صياغة قوانين متعلقة بمنح مزيد من الحريات السياسية والاعلامية ورفع مستوى المعيشة لكن هذا لم يفلح في تهدئة المحتجين الذين زادت جرأتهم. لكن مسؤولين سوريين ونشطاء في مجال حقوق الانسان ودبلوماسيين يشكون في أن الاسد الذي أشرف على القضاء على انتفاضة عنيفة للاكراد في شمال البلاد عام 2004 سيلغي قوانين الطواريء دون أن يجعل قوانين أخرى مماثلة تحل محلها. ويجري العمل بقوانين الطواريء في البلاد منذ عام 1963 للقضاء على المعارضة السياسية وتبرير الاعتقالات التعسفية واطلاق يد الاجهزة الامنية القمعية. ويريد المحتجون الافراج عن السجناء السياسيين ومعرفة مصير عشرات الالاف ممن اختفوا في الثمانينات. وفي درعا المدينة الواقعة في جنوب البلاد والتي تمثل نقطة اشتعال للاحتجاجات دمر محتجون تمثالا لحافظ الاسد والد الرئيس الحالي والذي اشتهر بعدم تقبله للمعارضة. وفي عام 1982 أرسل قوات لاخماد انتفاضة مسلحة قامت بها جماعة الاخوان المسلمون مما أسفر عن مقتل الالاف وتسوية جزء من مدينة حماة بالارض. وشهدت حماة كذلك احتجاجات ونشر الاسد الجيش في مدينة اللاذقية التي وقعت بها اشتباكات قال مسؤولون انها أسفرت عن سقوط 12 قتيلا على الاقل في الاسبوع الماضي. وأثار قمع الاسد للاحتجاجات انتقادات دولية وضغوطا للتعجيل بالاصلاحات السياسية. ولم تكن مثل هذه الاحتجاجات واردة على الاطلاق قبل شهرين في بلد تحكم عليه الاجهزة الامنية قبضتها. ولم يصل التوتر في سوريا للمستوى الذي بلغته في ليبيا حين دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد قمة عاجلة اعقبها شن غارات جوية ضد قوات الزعيم الليبي معمر القذافي. وهونت الولاياتالمتحدة بالفعل من امكانية الحل العسكري في سوريا كما ان فرنسا التي احتلت البلاد حتى عام 1946 ستتردد ايضا في استخدام القوة. وقال انطوان بسبوس رئيس مرصد البلاد العربية ومقره باريس "ايران متداخلة لحد كبير مع هذا النظام. ستدافع عنه ايران بكل الوسائل الممكنة." وتابع "لن يكون المحك في حالة سقوط النظام السوري مقتصرا على الوضع الداخلي في سوريا بل يتجاوز جميع الاوضاع الجغرافية والسياسية على النطاق الاقليمي." (شارك في التغطية خالد يعقوب عويس في عمان ودومينيك ايفانز في بيروت وميشيل كامباس في قبرص)