جنيف (رويترز) - قال العلماء في المنظمة الاوروبية للابحاث النووية (سيرن) يوم الاثنين انهم شرعوا في تجارب لاحداث اول تصادم للجزيئات هذا العام بسرعات تكاد تقترب من سرعة الضوء في اعقاب استئناف انشطتهم في مصادم الهدرونات الكبير بغية محاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون. وقال جيمس جيلز المتحدث باسم سيرن لرويترز "بدأ العمل على خير مايرام. بل اننا نسبق الجدول الزمني الموضوع عقب فترة التوقف الشتوية." وقال عالم الفيزياء الالماني اوليفر بوخمولر احد كبار المسؤولين عن التجربة في المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات ان في طليعة الاولويات خلال عامي 2011 و2012 التوصل الى قرائن تعضد نظرية التناظر الفائق والمادة المعتمة والثقب الاسود وجسيم بوزون. وتتنبأ نظرية التناظر الفائق بانه مقابل كل جسيم معروف يوجد جسيم اخر غير مرئي أكبر منه يسمى الشريك الفائق وهو في صورة مادة خفية. اما المادة المعتمة في علم الفيزياء الفلكية فهي تعبير أطلق علي مادة افتراضية لا يمكن قياسها الا من خلال تأثيرات الجاذبية الخاصة بها والتي بدونها لا تستقيم حسابيا العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات. ويرجح ان المادة المعتمة تشكل حوالي 25 في المئة من مادة الكون الكلية فيما تمثل الطاقة المعتمة - التي يعتقد أنها مسؤولة عن اتساع الكون واستمرار حركته - حوالي 70 في المئة من كتلة الكون. والثقوب السوداء هي مناطق في الفضاء تكون فيها الجاذبية قوية بصورة مطلقة بحيث لا يمكن أن ينفلت منها أي ضوء أو مادة وتنتج بسبب انهيار نجوم عملاقة في المجرات. ويركز العلماء في تجاربهم المستفيضة هذه على التعرف على كيفية نشوء المادة وما يعرف بضديد المادة وما اذا كان هناك وجود لما يعرف نظريا باسم بوزون هيجز وهو جسيم افتراضي قال عالم الفيزياء الاسكتلندي بيتر هيجز قبل ثلاثة عقود من الزمن انه يساعد على التحام المكونات الاولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها. وتمثل مفاهيم التناظر الفائق والمادة المعتمة والثقب الاسود وجسيم بوزون افاقا جديدة في الابحاث العلمية الكونية وهي تمضي قدما في سعيها لاماطة اللثام عما كان يعتبر في السابق من طلاسم الخيال العلمي. ويتطلع علماء الكون ومنهم البريطاني ستيفن هوكنج وعالم الفيزياء والرياضيات الامريكي برايان جرين الى مصادم الهدرونات الكبير كي يستنبطوا منه قرائن قوية قد تعضد فرضية وجود كون اخر قبل الانفجار العظيم أو ان اكوانا اخرى توجد الى جوار كوننا. ويقع المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات المترامي الاطراف في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف وعلى عمق مئة متر تحت الارض وتشارك فيه 21 دولة. وكان قد بدأ في 31 من مارس اذار من العام الماضي تجارب تحت اسم "الفيزياء الجديدة" ستستمر عقدا اخر من الزمان. وبعد ثمانية أشهر من الانشطة المكثفة توقف العمل في مصادم الهدرونات الكبير في السادس من ديسمبر كانون الاول الماضي لاجراء صيانة في أجهزة المختبر. ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف انشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 عاما. وتتضمن اضخم تجربة علمية في العالم احداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير وبكم طاقة يصل الى 3.5 تريليون الكترون فولت في الاتجاه الواحد لمحاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون منذ 13.7 مليار عام. ويعكف الاف من العلماء في اربعة مراكز بحثية بشتى ارجاء العالم خلال الاشهر والسنوات القادمة على رصد وتحليل كم هائل من المعلومات المستقاة من التجربة وذلك عبر شبكة كمبيوتر لكشف النقاب عن ألغاز كونية منها منشأ النجوم والكواكب والمجرات. ومن المقرر ان يتم في وقت لاحق من هذا العام اغلاق مصادم الهدرونات (تيفاترون) الاصغر حجما في معمل فيرمي قرب شيكاجو ليصبح مصادم الهدرونات الكبير في سيرن هو بؤرة الابحاث العالمية في هذا المجال. وقد اخفقت جميع المحاولات السابقة في فك شفرة جسيم بوزون الذي يعتقد انه اسهم في تكون النجوم والكواكب والمجرات من مخلفات المواد المنشطرة من الانفجارات ومن ثم نشأة الحياة على كوكب الارض وربما في عوالم اخرى مجهولة. والمادة المعتمة غير معروفة من حيث التكوين والطبيعة ولايمكن رصدها لانها لا تعكس الضوء أو أي موجات كهرومغناطيسية ويعتقد انها تتكون من جسيمات لايمكن قياسها بالامكانات العلمية الحالية أو أنها تقع في أبعاد أخرى غير الابعاد الاربعة المعروفة في الفيزياء الكلاسيكية وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن.