كان من الطبيعي أن تتصدر صورة الأمير وليام وخطيبته كيت ميدلتون الصفحات الأولى للصحف البريطانية، فالمناسبة أكثر من حدث، إنها معين لن ينضب قبل سنوات ستعيش عليه الصحف وخاصة منها صحف التابلوييد وإعلام القيل والقال. لكن ملفا آخر أكثر جدية –على الأقل لانعكاساته الدولية- استأثر أيضا باهتمام المعلقين وهو الإعلان عن التعويضات التي فضلت الحكومة البريطانية صرفها لعدد من معتقلي معسكر جوانتانامو السابقين أوالحاليين، تجنبا لخوض معركة قضائية طويلة الأمد وفادحة التكاليف. وتعتبر الافتتاحية التي خصصتها الديلي التلجراف لموضوع التسوية أن الحكومة قررت نهج طريق البراغماتية وتعويض أشخاص لا يربط بعضهم ببريطانيا سوى سوى رابط واه . لكن وعلى الرغم من ذلك فإن تقبل الصفقة أمر يصعب تحمله . ومما قد يزيد من صعوبة تحمل مثل هذا الحل بالنسبة للصحيفة هو أن أموال التعويضات التي ستصرف للمستفيدين لن تُعاد حتى إذا برأ التحقيق الحكومي الذي سيفتح في مزاعمهم ساحة الاستخبارات البريطانية مما تتهم به من التواطئ في تعذيبهم. وعكس الصحيفة المحافظة، تصعد الإندبندنت من لهجتها تجاه الحكومة البريطانية وجهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية، مشككة في نوايا التصريحات الأخيرة لرئيس جهاز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب MI6 السير جون سايرز الذي قال فيها إن التعذيب عمل غير قانوني وكريه . وتتساءل الصحيفة إذا كان الأمر كذلك وإذا كان مصالح الاستخبارات لا تجنح إلى تعذيب المشتبه بهم فلماذا قبلت الحكومة تعويضهم. وترد الصحيفة بالقول إن صفقة التعويضات –التي تمت خارج دائرة القضاء- علامة على أن التوتر الشديد في العلاقات بين أجهزة الاستخبارات والقضاء البريطاني. وتشير الإندبندننت في هذا الصدد إلى ما ورد عن اعتراض هذه الأجهزة الشديد على مسألة مثول أفرادها أمام المحاكم. وتقول الصحيفة البريطانية: هذا خطير. إنه من غير المقبول أن يكون القانون عرضة لتدخل الاستخبارات . وترى الصحيفة كذلك أن صفقة التسوية يعكس علاقة مشبوهة بين جهازي الاستخبارات والساسة المنتخبين . وتضرب الإندبندنت مثلا على هذه العلاقة المشبوهة بمحاولة وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند منع القضاء من الحصول على وثائق على علاقة بقضية بنيام محمد (الذي يتهم السلطات البريطانية بالتواطئ لتعذيبه) بحجة أن الكشف عن تلك الوثائق من شأنه أن يعرض أمن البلاد للخطر. لكن بعد أن اخفق في مسعاه، وعرضت الوثائق تبين أنها لا تمثل أي خطورة. وتقول افتتاحية الصحيفة البريطانية إن الاستخبارات تشن الآن حملة ضغط من أجل التأثير على قرار الحكومة فيما يتعلق بمسألة التدابير الآحترازية للحد من حرية المشتبه في انتسابهم إلى حركات إرهابية. وتختم الإندبندنت افتتاحيتها بالاعتراف بأهمية الاستخبارات لحماية أمن البلاد لكن نفوذ هذه الأجهزة قد تضخم بشكل ملحوظ، ولقد آن الآوان لكي تتعلم ألا تتجاوز حدودها . وتشير افتتاحية الجارديان التي خصصتها للموضوع إلى شيء من هذه التخوفات التي تثيرها زميلتها عندما تكشف عن عزم الحكومة تشديد القوانين المتعلقة باستخدام مستندات الاستخبارات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب من قبل القضاء، وذلك نظير تعهد بعدم اللجوء إلى التعذيب من أجل الحصول على تلك المعلومات. وترى الجارديان في السياق ذاته أن رئيس الحكومة البريطانية هو المستفيد الأكبر من هذه الصفقة التي تمت على حساب دافعي الضرائب في وقت شدة مالية فهو من ناحية أنقذ عشرات الآلاف من المستندات الاستخبارية من الظهور أمام الملأ، وجنب جهازي الاستخبارات مؤنة أشهر من العمل والنزاع القضائي بخصوص تلك المستندات. ومن جهة ثانية يمكنه أن يطمئن الولاياتالمتحدة وباقي حلفاء بريطانيا بأن أسرارها الاستخبارية لن تفشى أمام المحاكم البريطانية. تذكر الديلي تلجراف بالظروف التي أحاطت إعلان الملكة إليزابيث الثانية ودوق إدنبرة عام 1947 عن زاوجهما أي بعد أقل من سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية، بينما كانت بريطانيا تحاول الخروج من ويلاتها في غمرة تقشف ما بعد الحرب. وتقول الصحيفة: إن الخبر كان آنذاك أول بارقة أمل في سماء بريطانيا المكفهرة. وتمضي الصحيفة قائلة: إن زواج حفيدهما الأمير وليام بكيت ميدلتون... يأتي وبريطانيا، مرة أخرى، في محنة، وشعبها في حاجة إلى ما يدخل عليه شيئا من البهجة . وتؤكد افتتاحية الإندبندنت ما جاء في افتتاحية زميلتها وتضيف في هذا الاتجاه أن الحدث مثير للغبطة كذلك من حيث يدل على أن المؤسسة الملكية في بريطانيا قد تعلمت كيف تتكيف مع الظروف، فالأمير-أي الملك القادم- سيتزوج واحدة من أبناء الشعب دون أن يثير زوبعة كما حدث من قبل وذلك لأول مرة في التاريخ البريطاني. إن الأمير يعمل قائد مروحية للإنجاد، أي أنه يؤدي عملا حقيقيا، وهذا يعني أن الملك والملكة عندما سيتولى العرش سيكون أقرب عاهل إلى الشعب في التاريخ البريطاني . ويرى ماثيو إنجل في صحيفة الفاينانشل تايمز هذا التطور في التقاليد الملكية نوعا من الحيطة. ويعتقد الكاتب أن العائلة المالكة حفظت درس الزواج المأساوي الفاشل لوالدي العريس لهذا أمتنع أفراد الأسرة عن الضغط على الأمير الشاب حتى لا يخرج في اختياره عن دائرة ما تبقى في العالم من الدم الأرستقراطي . وتغرد إستر آدلي على صفحات الجارديان خارج جوقة المديح هذه وتنقل تحذيرات وجهت للأمير وأسرته حتى يتجنبوا البذخ في زمن التقشف هذا. وتتساءل الكاتبة عمن سيتحمل تكاليف الزفاف، مشيرة إلى أن البعض يتحدث عن ولي العهد الأمير تشارلز. وتقول آدلي: الأصوب أن يكون الأمر كذلك، فقد أثارت مبالغ زفاف الأميرة السويدية فكتوريا إلى مدربها الشخصي والتي ناهزت 1,6 مليون جنيه استرليني نصفها تحمله دافعو الضرائب – موجة من المشاعر الجمهورية في هذا البلد . وإذا كان ولي عهد بريطانيا سيتكلف بمصاريف زفاف نجله ووريثه فإن الترتيبات الأمنية التي ترافق عادة مثل هذه الأحداث سيكون على حساب دافعي الضرائب. ويرفض جهاز الشرطة الإدلاء بأي معلومات في هذا الشأن. لكن حركة تحالف دافعي الضرائب لم تمتنع عن مطالبة الأسرة المالكة بعدم تحميل المواطنين العاديين عبء فاتورة تليق بالملوك. ويذهب جراهام سميث مدير حملة مناهضة للملكية في بريطانيا إلى أبعد من ذلك ليطالب بأن تتحمل الأسرة المالكة كافة المصاريف بما فيها تلك المتعلقة بتمويل الإجراءات الأمنية.