التقى مراسل بي بي سي باثنين من الشباب تسلط طبيعة عملهما على مصاعب الحياة في قطاع غزة، انهما محمد الذي يعمل في انفاق التهريب المؤدية الى مصر، ومادلين، المرأة الوحيدة التي تعمل في اسطول صيد الاسماك في المياه داخل الحصار الاسرائيلي. لم يكد يلوح الفجر في افاق مدينة رفح الواقعة في اقصى جنوب قطاع غزة، حتى بدأت بثينة اسماعيل في محاولة ايقاظ ابنها النائم محمد كي ينهض من نومه ليبدأ يوم عمله. تقول بثينة انه واجب لكنها تفزع في الوقت عينه لانها ترسل ابنها الى يوم عمل اخر في مكان يدفن الكثير من الشباب فيه احياء، انها شبكة انفاق التهريب التي تجرى تحت الحدود بين مصر وغزة. بعد استيقاظه من النوم وتناول كوب من الشاي وتدخين السجائر، لا تبدو على محمد امارات الحرص على الذهاب الى العمل. يقول هذا العمل بمثابة جريمة. لا ينبغي لاحد ان يفعله. هل رايتم احدا يحفر قبره بيده؟ اثناء الحفر قد ينهار النفق، قد ينهار في اي وقت ويقتلك. يبلغ محمد 18 عاما من عمره، لكنه دأب على العمل بالفعل في الانفاق طوال الوقت، يحفر ويحمل الركام الثقيل على مدى اربع سنوات. انه يكره عمله، لكن لا خيار امامه لعمل اخر، فوالده يعاني من الام الظهر، لذا فمحمد هو العائل الرئيسي لاسرة مؤلفة من ثمانية افراد. ومع ارتفاع نسبة البطالة في غزة الى 28 في المئة، يمثل التهريب احد سبل العمل القليلة التي تدر دخلا جيدا. في الوقت عينه وعلى الجانب المقابل لقطاع غزة على بعد 35 كيلومترا من ميناء مدينة غزة، تظهر فتاة اخرى في الثامنة عشرة من عمرها تسعى خلال يوم شاق من اجل توفير لقمة العيش لاسرتها. انها مادلين قلاب صيادة الاسماك الوحيدة في غزة، هي الاخرى لديها أب غير قادر على العمل، لذا دأبت على الخروج طلبا للرزق في البحر كل يوم تقريبا منذ سن الرابعة عشر على الرغم من ملاحقة شرطة غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس الاسلامية التي تدير قطاع غزة، لها لمنعها من العمل في قطاع يقتصر على عمل الرجال فيه. وعلى النقيض من محمد، تحب مادلين عملها، لكن قصتيهما تبرز قدر مشقة العيش في قطاع صغير مكتظ بالسكان حبيس بين اسرائيل ومصر لسنوات ووقع في حرب مرة ثانية مع اسرائيل الشهر الماضي. وكانت انفاق التهريب قد ازدهر نشاطها منذ ان فرضت اسرائيل حصارها بمساعدة مصر عام 2007 بعد وصول حماس الى سدة السلطة في غزة. فعلى الرغم من قيود السفر المفروضة على معبر رفح الحدودي قد خفت حدتها عام 2011، مازال شحن البضائع الى غزة يخضع للحصار. لذا يجب تهريب جميع مواد البناء لكون اسرائيل تخشى دوما من استخدام حماس لها لاغراض بناء بنية تحتية عسكرية. خلال العامين الماضيين سمحت اسرائيل بدخول السلع الغذائية والاستهلاكية. لكنها تصبح ارخص ثمنا حال تهريبها عن طريق الانفاق من مصر. تستمر نوبة عمل محمد 12 ساعة بفترة راحة تصل الى نصف ساعة فقط، كما ان العمل مرهق للغاية، فمثله كمثل الكثير من العمال الاخرين في الانفاق، بدأ يتعاطى العقاقير المهدئة، لكنه يقول انه سرعان ما اصبح مدمنا لهذه العقاقير. وقال توقفت عن تناول الطعام والشراب، كل ما كنت ارغب في عمله هو تناول عقار (ترامادول) والعمل اشبه بالحمار. لكنه اصبح غير مؤثر، لذا ضاعفت الجرعة حتى خارت قواي في احد الايام وانا احمل جوالا كبيرا للدقيق، وفقدت الوعي، وقتها قررت ترك العمل. يضيف محمد انه بعد شهرين من ذلك، كان من الصعب علي النوم او التحدث لاي شخص. وقال انه حتى حاول الاغتراب عن نفسه، وهو الان شفي تماما. ويأمل في الوفاء باتفاق وقف اطلاق النار الذي انهى صراعا امتد شهرا وان يفضي الى فتح المعابر وتيسير حرية الحركة. هذا لم يحدث حتى الان، لكن وقف اطلاق النار حقق بالفعل منافع صغيرة لمادلين. كانت اسرائيل، التي تخشى من تهريب الاسلحة، تسمح فقط لقوارب الصيد في غزة بالابحار بعيدا عن الشاطئ لمسافة ثلاثة اميال بحرية. والان امتدت المسافة لستة اميال. غير ان مادلين لا يعجبها الحال وتقول : عندما اعطونا ثلاثة اميال اخرى، تحسنت اوضاع الصيد. لكن في غضون اسبوع او اسبوعين، ستقل الاسماك حتى هذه الاميال الستة ايضا، وستصبح الاسماك اكثر في اماكن تتجاوز هذه الحدود الجديدة. وفي منزل الاسرة الضيق في مخيم الجبلاية، يتعين عليها ايضا ايلاء اهتمام لاصلاح السقف الذي اصابه الضرر جراء موجة الهجمات الصاروخية الاسرائيلية الشهر الماضي. واضافت نحن قريبون جدا للاهداف العسكرية، لذا نتعرض لجولات عديدة من الهجوم. ومثلها مثل محمد ولدت مادلين عام 1994 بعد عام من اتفاقية اوسلو للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين. غير ان السلام يبدو بعيد المنال عنها اكثر مقارنة باجيال والدها. فهو يتذكر كيف كان قبل سنوات يعمل الى جانب صيادين اسرائيليين، ويشاركهم نفس المنزل، لكن الوضع بالنسبة لمادلين، كما هو الحال بالنسبة لمحمد، مختلف فهي لم تتحدث قط الى اسرائيلي. وقالت كل ما اعرفه هو اننا ولدنا في حرب ونعيش في حرب وسنموت في حرب. ولا يخالج محمد ايضا اي شعور بالتفاؤل، فيقول اتمنى اغلاق الانفاق. وسيكون هناك وظائف، لذا سيكون باستطاعتنا ترك هذه النوعية من الاعمال. لكن كما ترون، لم يتغير شئ .