تعيد المشاورات المتسارعة والحثيثة في مؤتمر الجمعية العمومية للمجلس الوطني السوري في الدوحة القطرية إلى الأذهان مشاورات الطائف السعودية منذ عقود لوقف الحرب اللبنانية. والمفارقة ان مفاوضات اتفاق الطائف لُزِّم تنفيذ الاتفاق الذي نتج عنها إلى سوريا التي كانت تتمتّع بنفوذ سياسي وأمني في بيروت. بينما أضحت سوريا وأزمتها في مفاوضات الدوحة ملفّا على مائدة التفاوض. وقد أبلغ أصحابُ الدعوة القطريون ضيوفهم بأن الفشل ممنوع. غير أن الحركة السريعة في أروقة المؤتمر وردهاته الخارجية لا تعكس عجلة العمل داخل قاعة الاجتماعات التشاورية للمجلس المحظورة على الصحافة. إلا أن مشاركين تحدثنا إليهم اشتكوا من الإطالة في المناقشات وشككوا في أن يكون الوقت المتاح أمامهم كافيا لإنجاز ما أتوا من أجله. وشغلت الأطر التنظيمية واستعراض التقارير من مختلف أجهزة المجلس الوطني ومكاتبه السواد الأعظم من محادثات اليومين الماضيين. ولكن النقاط الخلافية طفت بقوة إلى السطح ما إن بدأ البحث في معايير توسيع التمثيل. وقال مقرر لجنة إعادة الهيكلة عبد الرحمن الحاج لبي بي سي إن تجنّب الوقوع في خطأ إدخال تنظيمات وهمية على حساب منظمات فاعلة تحتم أن يراعى ضمن معايير توجيه الدعوة للانضمام ثلاثة عناصر رئيسية: الفاعلية السياسية أو العسكرية على الأرض، والتوازن المناطقي والجغرافي، والحاجة إلى التنويع المعنوي (الشخصيات الاعتبارية) التي يحددها المجلس. النقطة الأخرى التي تباينت بشأنها وجهات النظر كانت آلية اتخاذ القرار. يقول عبد الرحمن الحاج إن تحديد عضوية المنظمات السياسية داخل المجلس بحد أقصى هو ستة عشر مقعدا، يفسح المجال أمام صياغة تحالفات تسدّ الطريق أمام محاولات استئثار جهة سياسية واحدة داخل المجلس بأغلبية أصوات على حساب منظمات أخرى. إلا أن مسألة الضوابط لم توضَّح لنا بما يقطع الشك باليقين عندما طرحنا تساؤلا حول ما الذي يمنع حركة متمرّسة وشديدة التنظيم مثل الإخوان المسلمين من تطعيم المنظمات الأخرى بمؤيديها ومناصريها حتى تحقق من خلال أصواتهم أكثرية عددية تزيد من نفوذها داخل المجلس. واستدعت المبادرة الوطنية التي طرحها رجل الأعمال السوري المعارض رياض سيف ردود فعل في صفوف أركان المجلس أجمعت على التشكيك بفوائدها. إذ اعتبر المجلس الوطني أن أي حديث عن تجاوز المجلس الوطني أو تكوين أطر أخرى بديلة محاولة لإيذاء الثورة السورية، وزرع بذور الفرقة والاختلاف، مؤشر على عدم جدية قوى يفترض أن تكون داعمة للشعب السوري في مواجهة نظام القتل والإجرام، ونأي عن القيام بواجب حماية المدنيين الذين تقصفهم آلة الموت في كل لحظة . من ناحيتهم اشترط الإخوان المسلمون الحفاظ على كيان المجلس الوطني مطالبين بجملة نقاط أبرزها: 1- تمثيل القيادة المشتركة للمجالس العسكرية، والمجالس الثورية في هذه الهيئة بشكل مناسب. 2 - إعادة النظر في تمثيل المحافظات السورية ليكون متوازنا ومتناسبا مع عدد سكان كل محافظة. 3 - تمثيل الشباب، والمرأة المسلمة الملتزمة. 4 - تمثيل جبهة العمل الوطني الكردي، وأن لا يقتصر تمثيل الإخوة الكرد على الأحزاب العلمانية. 5 - تمثيل التركمان وباقي مكونات المجتمع السوري، التي لا يوجد لها تمثيل في قائمة الأسماء المرشحة. 6 - ضمان التزام الدول الداعمة للمبادرة بتعهداتها ودعمها للثورة بكل احتياجاتها، لتحقيق هدفها في إسقاط النظام. واقرّ الدكتور برهان غليون الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري في ردّه أن المجلس الوطني لم يرتق في عمله وانجازه إلى مستوى تطلعات الشعب السوري، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الإغاثي، بالرغم من توفر الموارد المالية في الاشهر القليلة الماضية. ?لكن في الوقت نفسه لا أعتقد أن الاستعجال الذي نلاحظه اليوم في مسألة تشكيل هيئة جديدة بديل للمجلس الوطني نابع من ولادة إرادة جديدة عند الدول الصديقة لسورية، والتي ساهم بعضها مساهمة كبيرة في تشجيع قيادة المجلس على الانغلاق وعدم ايلاء قيمة أو أهمية للآخرين، في الانخراط بشكل اكبر من قبل في معركة الشعب السوري، ولا بالضرورة في سعيها إلى توفير جهاز أكثر فاعلية في تقديم المساعدات. ورفضت كتلة إعلان دمشق أي هيئة أو تشكيل سياسي فوق المجلس ، وطالبت المجلس في المقابل بألا يخدع نفسه ويزعم انه قادر على الاحتفاظ بدوره مع قيام مثل هكذا تشكيل في نفس الوقت، فالأمران لا يجتمعان. ?مبادرة سيف إذن ولدت ميتة بالنسبة إلى أعضاء المجلس ومؤيديه حتى قبل أن تناقش داخل جلساته. وعلى أنقاضها برزت أفكار جديدة بدأ يتشكل الحديث عنها بمبادرة من الدكتور رضوان زيادة مدير مكتب العلاقات الخارجية في المجلس. قال زيادة في دردشة مع بي بي سي إن المبادرة ليست ملكه بل هي نتيجة توافق أنتجه المؤتمر الأول الذي نظمه المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في اسطنبول منذ أيام تحت عنوان إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا . وقد شارك فيه أكثر من ثمانين من تنظيمات الحراك الشعبي والتنسيقيات المحلية في الداخل. تنص المبادرة على تشكيل لجنة تحضيرية قوامها ثلاثون شخصا لدعوة ثلاثمئة شخص من مختلف المناطق السورية إلى مؤتمر وطني ينعقد في منطقة اعزاز التي تسيطر عليها مجموعات المعارضة. ويتوزع تشكيل اللجنة التحضيرية بالتساوي بين المجلس الوطني والجيش الحر والمجالس المحلية والتكنوقراط (وخصوصا من منظمات المجتمع المدني). أما المهمة المتوقعة من المؤتمر المذكور (إذا لاقى الاقتراح استحسانا) فهي التحضير لتشكيل حكومة انتقالية. هكذا يكون القرار وفقا للدكتور زيادة قد أنتج من القاعدة نحو القمة بدلا من الوضع الحالي من وجهة نظره والتي تُنزل القرار بالاتجاه المعاكس. كل ما يشاع عن دعم دولي لهذ المبادرة أو تلك يبقى رهنا بالاجتماع المصغّر لنواة دول اصدقاء سوريا (وهنا من يطبق عليهم تندرا لقب أعزّ أصدقاء سوريا ) غدا في الدوحة. هذا اللقاء الذي لم يعلن عنه من قبل تشارك فيه الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا والمملكة العربية السعودية إضافة إلى قطر لاتخاذ موقف من التطورات السياسية والعسكرية في سوريا، والاطّلاع عن كثب على مجريات اجتماعات المعارضة في الدوحة.