وضعت السلطات اللبنانية كل اجهزتها الامنية في حالة من الاستنفار تمهيدا لزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للبنان التي تاتي في ظل مخاوف من تداعيات الازمة السورية على هذا البلد. وقال وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في مقابلة مع وكالة فرانس برس الجمعة ان "الاجهزة الامنية مستنفرة واجهزة البلديات مستنفرة والكل مستنفرون لزيارة البابا والتي ستكون واحدة من انجح الزيارات في تاريخ لبنان الحديث". واضاف "لا شك اننا نعيش في لبنان اجواء صعبة الى حد ما نتيجة ما يجري في سوريا وما يجري حولنا، لكن الوضع مرتاح (...) ولبنان بلد مستقر، ربما تحدث امور في مناطق معينة ولكن الامور تبقى تحت السيطرة". ويستعد لبنان الذي يشكل المسيحيون 35 بالمئة من عدد سكانه (اربعة ملايين نسمة) لاستقبال البابا بين 14 و16 ايلول/سبتمبر. وتاتي هذه الزيارة في وقت تشهد سوريا المجاورة نزاعا داميا قتل فيه اكثر من 26 الف شخص بحسب ارقام المرصد السوري لحقوق الانسان منذ انطلاق حركة احتجاجية فيها منتصف اذار/مارس 2011 تعرضت للقمع على ايدي السلطات. وعلى مدى الاشهر الاخيرة، شهد لبنان المنقسم بين مؤيدي ومعارضي النظام السوري سلسلة احداث امنية بينها اشتباكات مسلحة في الشمال وعمليات خطف، ما اثار مخاوف من امكانية تدهور الاوضاع في هذا البلد على خلفية احداث سوريا. وكان الكاهن اليسوعي الاب باولو دالوليو الذي اجبر على مغادرة سوريا في حزيران/يونيو اعتبر ان زيارة البابا ستكون "خطيرة جدا" بسبب تداعيات النزاع السوري. وراى الاب الذي اسس قبل ثلاثين عاما دير مار موسى الحبشي على بعد 80 كلم شمال دمشق وجعله مركز حوار بين المسيحيين والمسلمين ان "الحكومة اللبنانية الحالية قريبة في الاساس من سوريا الرئيس بشار الاسد". الا ان الفاتيكان شدد في اب/اغسطس على ان تبعات الازمة السورية وما ترتب عليها من عمليات خطف في لبنان لن تؤثر على زيارة البابا، وهي الزيارة ال24 التي يقوم بها الى الخارج منذ توليه السدة البابوية العام 2005. وقال شربل انه "سيكون لكل جهاز امني دورا ينفذه" معددا "الجيش والامن الداخلي وجهاز الاستقصاء والتحري والامن العام وامن الدولة" التي ستتولى حماية الزيارة الاولى من نوعها منذ زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الى لبنان عام 1997. واشار الى ان السلطات اللبنانية تعمل على خطة امنية خاصة "بزيارة البابا التاريخية منذ ثلاثة اسابيع، وهي خطة باتت جاهزة بعدما وضعت اللمسات الاخيرة عليها"، رافضا تحديد عدد العناصر التي ستشترك في هذه الخطة. واعلن الوزير ان "استخبارات وعناصر امنية جاءت من ايطاليا حتى ننسق بين بعضنا البعض وتاخذ فكرة عن الاحتياطات التي اتخذناها"، مشددا على ان "الاجهزة الامنية ستتولى الامن بالتنسيق مع اجهزة الامن الخاصة بقداسة البابا". ويبدا البابا زيارته الى لبنان الجمعة بحفل استقبال في مطار رفيق الحريري الدولي ثم يتوجه الى حريصا (29 كلم شمال شرق بيروت) ليزور بازيليك القديس بولس على ان يجري توقيع الارشد الرسولي للسينودوس الخاص لمجمع الاساقفة من اجل الشرق الاوسط. ويشارك البابا السبت في قداس يلتقي بعده الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم رؤساء الطوائف الاسلامية، واعضاء الحكومة ومؤؤسات الدولة والهيئات الدبلوماسية ومنظمات شبابية. ويغادر البابا لبنان الاحد بعد قداس عند الواجهة البحرية لبيروت. وفيما قال شربل ان "الطرقات التي سيسلكها البابا ستكون مغلقة امام السيارات"، اعلن الجيش اللبناني في بيان "عدم السماح ما بين 7 ايلول/سبتمبر 2012 و17 ايلول/سبتمبر 2012 ضمنا للطيران الشراعي بالتحليق في منطقة جونيه ومحيط مقر اقامة البابا في السفارة البابوية - حريصا". واكد البيان ايضا "التشدد في تطبيق قرار (...) وقف العمل بجميع تراخيص الاسلحة حمل الاسلحة في مختلف المناطق اللبنانية باستنثاء مرافقي" شخصيات سياسية ودينية. وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي قال في مقابلة مع فرانس برس الخميس الماضي "ليست فقط الدولة اللبنانية بل الامن العالمي، فالمخابرات اللبنانية والمخابرات العالمية تتعاون مع بعضها البعض، وتحاول تامين اكثر ما يمكن تامينه كي لا يحصل اعتداء". وقبل ذلك، قال المنسق الاعلامي للزيارة الاب عبدو ابو كسم ان "هناك تدابير امنية مشددة اتخذت لحماية الزيارة ونحن لنا ثقة بالامن اللبناني وبلواء الحرس الجمهوري الذي يتولى عملية حماية قداسة البابا، بالاضافة الى الجهاز الامني الخاص للبابا الذي هو على تنسيق دائم مع السلطات اللبنانية". واعتبر ان "اوضاع المنطقة تحفز البابا بشكل اكبر على المجيء اليها لانه رسول سلام ومحبة ولا يحمل اي مشروع سياسي"، مشيرا الى ان "كل الطوائف" ترحب بزيارة البابا. واستقبل نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الخميس الماضي وفد اللجنة المنظمة لزيارة البابا مؤكدا ترحيبه بهذه الزيارة، ومشاركة حزب الله في أنشطة الاستقبال واللقاءات المختلفة. وتمنى قاسم "ان تحقق رسالته إلى اللبنانيين أهدافها، خاصة أن الإرشاد الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني رسم طريقا لتعاون جميع الأطراف لمصلحة الانسان في هذه المنطقة، وخالفها البعض بحجج مختلفة، لكن الموقف الحق يبقى راسخا ومؤثرا".