مدينة الفاتيكان (رويترز) - ذكر القاصد الرسولي لدى بيروت جابريال كاتشيا يوم الاثنين أن الحرب الأهلية في سوريا ستلقي بظلالها على زيارة البابا بنديكت السادس عشر إلى لبنان المجاورة مطلع الأسبوع المقبل لكنه أشار إلى أن الفاتيكان "مطمئن" على أمن البابا بعد تلقيه ضمانات من الجماعات الدينية. وقال كاتشيا لرويترز إنه يأمل ألا يطغى الوضع في سوريا على الهدف الأساسي من الزيارة الذي يتمثل في تسليط الضوء على مشكلات وتطلعات منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وقال القاصد الرسولي في مقابلة عبر الهاتف من بيروت "لا يمكن بالتأكيد غض الطرف عن وضع زاخر بأعمال العنف. صحيح أن المأساة التي تشهدها سوريا تلقي بظلالها على هذه الزيارة ولكن هناك أيضا الإطار الأوسع نطاقا المتمثل في الشرق الأوسط. "القضية السورية تحظى بأولوية نظرا لأنها مسألة عاجلة ولكن لا يمكن قصر الزيارة كلها على مسألة سياسية تتعلق بسوريا." ثمة مخاوف من أن يمتد الصراع السوري إلى لبنان ويشعل من جديد حربا أهلية بين الجماعات الدينية المتناحرة في البلاد. ويشكل المسلمون 60 بالمئة من سكان لبنان بينما يمثل المسيحيون باقي السكان تقريبا. وفي حين أن هناك مخاوف في بعض المناطق من أن تكون زيارة البابا غاية في الخطورة قال كاتشيا "إنني مطمئن بأقصى قدر يمكن أن يطمئن به قلب إنسان" لافتا إلى أن الكنيسة حصلت على "ضمانات معقولة" على عدم إفساد الزيارة. وقال "من المؤكد أن قوات الأمن على أهبة الاستعداد. فالأمن دائما يمثل أولولية أثناء زيارات البابا خاصة في هذا السياق (الإقليمي) الساخن. "ولكن الأمانة تحتم علي أن أقول إنه فيما يتعلق بمكونات الطيف اللبناني لم يعبر أي قطاع عن معارضته لهذه الزيارة. فجميع الطوائف - المسيحيون والمسلمون والسنة والشيعة والدروز والعلويون - أبدت ردود فعل إيجابية حيال الزيارة." كان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي قال في مقابلة مع رويترز الأسبوع الماضي "إذا أتت الأزمة إلى لبنان فإن الخطر لن يستثني أحدا. لا أحد يظن نفسه أنه سيستفيد والثاني في خطر... كلنا في باخرة واحدة هذه الباخرة إذا دخل عليها ماء من هذه العاصفة القوية التي تهب في المنطقة يمكن أن تغرقنا." ويدعم العديد من السنة في لبنان الانتفاضة السورية التي يقودها السنة ضد الرئيس السوري بشار الأسد المنتمي إلى الأقلية العلوية. أما اللبنانيون الشيعة ومن بينهم حزب الله فمعظمهم يؤيد الأسد. وقال كاتشيا إن وفدا من حزب الله زار البطريركية المارونية في لبنان مؤخرا و"عبر عن سعادته" بزيارة البابا. وأضاف "كانت هناك اتصالات في شتى الاتجاهات منذ البداية. يتعين علينا دائما توخي الحذر لأن المخططات الإرهابية تشكل خطرا على مختلف المجتمعات والعالم أجمع. ولكن يبدو أن السياق الحالي يعطينا ضمانات معقولة وإلا لما تمت هذه الزيارة." تسبب القتال في مدينة طرابلس بشمال لبنان بين أقلية علوية وأغلبية سنية في إثارة المخاوف من تجدد الصراع الطائفي في لبنان الذي عانى من حرب أهلية دامية في الفترة بين عامي 1975 و1990. ويعتزم بنديكت القيام بهذه الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام وهي الزيارة الرابعة والعشرين له خارج إيطاليا منذ انتخابه في عام 2005 لإصدار وثيقة تعرف باسم "الإرشاد الرسولي" والتي تستند إلى النتائج التي خلص إليها مجمع للأساقفة الكاثوليك حول الشرق الأوسط في عام 2010. تناول المجمع موضوعات مثل الأمن الإقليمي وهجرة المسيحيين من المنطقة والحاجة إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وهي جميعها موضوعات يتوقع أن تتناولها الوثيقة البابوية ويتطرق إليها البابا في خطاباته. ومن المتوقع أن يجدد البابا خلال الزيارة دعواته إلى إيجاد حل دولي للصراع في سوريا حيث تقول جماعات معارضة إن أكثر من 27 ألف شخص لقوا حتفهم في الانتفاضة التي اندلعت منذ أكثر من 17 شهرا. وقال القاصد الرسولي في لبنان "نعلم أنه ليس مجرد صراع داخلي. ثمة لعبة جيوسياسية تشارك فيها قوى عالمية كبرى تمارس في ضوء الوضع السوري ومن ثم يصعب تصور حل محلي محض." وأضاف "لا يمكننا الجلوس ومراقبة ما يحدث فقط دون محاولة إيقاف أعمال العنف والمذابح والمآسي الإنسانية عديمة الجدوى والتي ستتسبب في المزيد من الصعوبات في المستقبل." وأشار كاتشيا إلى أن البابا سيشجع الروح الإصلاحية التي اتسمت بها حركة "الربيع العربي" لكنه سيشدد على أنه يجب ألا تقوم على العنف. وتابع "هذه مجرد بداية لرياح الربيع. ستكون عملية طويلة للغاية ولا نعلم كيف ستنتهي ولكن تحركها بالفعل أفكار متأصلة لا يمكن لإنسان أن ينكرها كالحرية والعدالة والتضامن مع الآخرين واحترام التنوع." ومن المتوقع أيضا أن يتطرق البابا إلى مخاوف الفاتيكان من هجرة المسيحيين الذين يفرون من الشرق الأوسط بسبب الحرب وعدم الاستقرار ونقص الفرص الاقتصادية. وقال كاتشيا "المسيحيون موجودون في الشرق الأوسط ليس لأنهم وصلوا مع امبراطورية استعمارية. بل إنهم جزء أصيل من المشهد وهم مواطنو هذه الأراضي ولهم جذور في هذه الأرض ولديهم الحق في العيش بالمكان الذي ولدوا فيه." (اعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)