في صحف الأربعاء نجول في عقل كاتب غربي يحذر من التدخل الخارجي في سوريا، ونرصد نزوح العمال السوريين في لبنان، وإلى السودان نمضي حيث صفقة أمريكية-صينية-عربية لتخفيف العقوبات عن تلك البلاد، ونتابع آخر فصول فضيحة ستاندرد تشارترد، وننهي الجولة بأخبار الأولمبياد. إن دعم الغرب وأنظمة الخليج للمقاتلين المتمردين لا يجلب الحرية للسوريين، بل يصعِّد الصراع الطائفي والحرب. وإذا ما تم تقسيم سوريا، فإن كامل نظام دول الشرق الأوسط والحدود (في المنطقة) سيلج عالم المجهول . هذه هي الخلاصة القاتمة التي يقودنا إليها مباشرة الكاتب الصحفي سيماس ميلن في مقاله المطوَّل المنشور على صفحات الرأي والتحليل في صحيفة الغارديان البريطانية الصادرة اليوم تحت عنوان: التدخل الخارجي يقود الآن السقوط السوري إلى الظلام . يبدأ الكاتب مقاله بالقول: إن دمار سوريا قد بلغ الآن أشدّّه. فما بدأ انتفاضة شعبية قبل نحو 17 شهرا قد ها هو اليوم قد أضحى حربا أهلية شاملة تغذي أوارها القوى الإقليمية والعالمية، الأمر وهي تنذر بالتوسع وبالامتداد لتشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها . فإلى جانب القتال الضاري الذي تشهده مدينة حلب بين القوات الحكومية ومناصريها من جهة، ومسلحي المعارضة من جهة أخرى، وتشجيع القوى الإقليمية والدولية على الانشقاقات في صفوف العسكريين والمدنيين في النظام السوري، وكان أبرز هؤلاء المنشقين رئيس الوزراء رياض حجاب يوم الاثنين الماضي، يرى الكاتب أن هنالك ثمة تطورات أخرى جديدة تنذر بتفاقم حدة الصراع واحتمال توسعه وانتقاله إلى خارج حدود البلاد، وفي أكثر من اتجاه. ويرى ميلن في اختطاف المعارضة السورية قبل أيام ل 48 شيعيا إيرانيا، تقول طهران إنهم كانوا في طريقهم إلى زيارة ضريح السيدة زينب بالقرب من العاصمة دمشق، وتقول المعارضة إنهم عناصر في الحرس الثوري الإيراني، أحد تلك التطورات الخطيرة التي قد تسهم بنقل الصراع إلى خارج الحدود السورية. أما التطور الخطير الآخر، يقول الكاتب، فهو تهديد الجيش التركي مؤخرا بالتوغل في عمق الأراضي السورية لمنع ما تقول أنقرة إنه انتشار لعناصر حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضروسا ضد القوات والمصالح التركية طمعا بانتزاع انفصال المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا وتكوين كيان كردي مستقل هناك. ويرى الكاتب أيضا أن هنالك ثمة تطورا ثالثا لا يقل خطورة عن العاملين السابقين، ويقصد هنا ما أطلق عليه حرفيا تدفق المقاتلين الجهاديين الإسلاميين إلى داخل الأراضي السورية وانضمامهم إلى المعارضة السورية المسلحة في سعيها للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. يقول ميلن: كل الفرص متاحة الآن لاحتمال انتشار الصراع وانتقاله إلى خارج سوريا. فلنأخذ تركيا مثلا، ففي تلك البلاد أقلية علوية كبيرة وأقلية كردية أيضا كبيرة وتعرضت للاضطهاد لزمن طويل. فقد هددت تركيا بممارسة حقها بالتدخل لملاحقة المتمردين الأكراد داخل سوريا بعد انسحاب القوات النظامية السورية من مناطقهم شمالي البلاد . وفي الجارة الصغيرة لبنان، يقول الكاتب، هنالك نار قد اندلعت بالفعل في شمال البلاد بعد أن كانت شرارتها الأولى قد انتقلت من الشقيقة الكبرى سوريا، وهي تنذر بالامتداد لتشمل كامل الأراضي اللبنانية. وقبل أن يختتم الكاتب مقاله يعود بنا للتشديد مرة أخرى على حقيقة أن التدخل الخارجي في سوريا في الواقع يطيل من عمر الصراع الدائر فيها، بدل أن يؤدي إلى إيجاد حل له أو أن يسدد ضربة قاضية للنظام الحاكم في دمشق . وفي الختام يقول: إن السبيل الوحيد الذي يتيح للسوريين الفرصة لتقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم بأنفسهم ومنع سقوط البلاد في بحر ومتاهات الظلام هو الضغط على الأطراف المعنية للتوصل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض والحوار، وهذا الشيء بالذات هو ما يعرقله الغرب وأصدقاؤه وبشدة . وعلى الوتر ذاته تعزف صحيفة الفايننشال تايمز التي تخصص افتتاحياتها الثانية للصراع الدائر في سوريا، إذ تعنون: إنقاذ المستقبل من وسط حطام ودمار سوريا . تبدأ الصحيفة افتتاحيتها بالقول: إن الدولة السورية التي تقبع تحت حكم آل الأسد منذ 40 عاما تتفتت الآن . تشدد الافتتاحية بداية على ما تصفه بالوهن والضعف الذي قد أصاب نظام الأسد، لا سيما بعد التفجير الذي أودى بحياة أربعة من أبرز أركان حكمه في الثامن عشر من الشهر الماضي وفرار رئيس حكومته يوم الاثنين الماضي، وتعتبر ذلك مؤشرا على احتمال سقوط النظام قريبا. إلا انها تحذر في الوقت ذاته من ان تلك الاغتيالات والانشقاقات قد أعطت النظام أيضا الضوء الأخضر والمبرر من وجهة نظره للمضى إلى أبعد نطاق في استهداف خصومه، بغض النظر عن عدد القتلى الذين يلتهمهم القتال من الطرفين، وعن مغبة ازدياد الصبغة الطائفية للصراع. وتمضي الصحيفة إلى القول: إن ما يحزن في الأمر هو أن الانقسام الطائفي يتعزز مع تورط اللاعبين الإقليميين في الصراع. فمن جهة، هنالك إيران الشيعية التي تصطف وراء نظام الأسد وتدعمه، ومن جهة أخرى هنالك دول الخليج السنية التي تضخ الدعم المالي والعسكري للمعارضة . ونظل مع الشأن السوري، ومع الفايننشال تايمز نفسها، ولكن إلى لبنان هذه المرة حيث تنشر الصحيفة تحقيقا لمراسلتها هناك، أبيغيل فيلدينغ-سميث، بعنوان العمال السوريون يفرون مع انتقال الصراع إلى شوارع بيروت . يقول التقرير إن المضايقات التي بات العمال السوريون يتعرضون لها في الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية من العاصمة اللبنانية بيروت تدفع بأولئك العاملين إلى البحث عن مأوى جديد لهم وعن لقمة عيشهم في ديار الله الواسعة بعيدا عن تلك المدينة. ويضيف: لقد أرغمت زيادة حدة التوتر خلال الأسابيع القليلة الماضية العمال السوريين إلى مغادرة الضاحية، تاركين وراءهم رجال أعمال لبنانيين مرغمين على تشغيل عمال لبنانيين مكانهم، ولكن برواتب وأجور مضاعفة . ويمضي التحقيق إلى القول إن الانتفاضة ضد النظام في سوريا قد أحدثت توترا شديدا في العلاقات بين العمال السوريين في لبنان وبين الأطراف والأحزاب الشيعية اللبنانية المختلفة التي ترمي بثقلها وراء نظام الأسد الذي تعتبره حليفها الاستراتيجي في المنطقة. وإلى شأن عربي آخر، ولكن نظل مع الفايننشال تايمز أيضا، حيث نطالع فيها تحقيقا بعنوان الولاياتالمتحدة تخفف العقوبات المفروضة على السودان لتمرير صفقة نفط بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكية . وفي التفاصيل نقرا أن واشنطن ترغب بقيام الصين ودول عربية بمساعدة إتمام صفقة بثلاثة مليارات دولار ترمي إلى استئناف عملية إنتاج النفط في جنوب السودان والعودة إلى مفاوضات السلام بين جوبا والخرطوم، وبالتالي التوصل إلى تصدير بترول الجنوب عبر الشمال في نهاية المطاف. تقول الصحيفة: إن الاتفاق النفطي الذي يجري العمل على إنجازه بين الطرفين سيكون جزءا من صفقة شاملة تشمل تسوية قضية منطقة أبيي المتنازع عليها، بالإضافة إلى قضايا الأمن والمواطنة، ومن ثم ضخ النفط .