تؤكد اليونان التي ما زالت تسعى الى تشكيل حكومة، استعدادها لمراجعة التزاماتها حيال سياسة التقشف التي رفضتها اعداد كبيرة من الناخبين الاحد، الامر الذي يثير الذعر في الاسواق ويعيد طرح مسالة بقائها في منطقة اليورو. وفيما بدت اليونان التي يحكمها منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011 ائتلاف حكومي يؤيد سياسة التقشف، مقتنعة بالتضحيات والاصلاحات التي يتعين عليها القبول بها، فقد اعادت الانتخابات التشريعية خلط الاوراق. وقبل اسبوع بالتحديد، كان المحافظون في حزب الديموقراطية الجديدة والاشتراكيون في حزب باسوك الذين يتقاسمون السلطة منذ 38 عاما، يقولون انهم يضمنون بقاء البلاد في منطقة اليورو عبر التطبيق الدقيق لخارطة الطريق التي اعدتها الجهات الدائنة للبلاد، وهي الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي. لكن المسؤولين الاشتراكيين والمحافظين اعادوا النظر في مواقفهم فور صدور نتائج الانتخابات التي اكدت فوز الاحزاب الرافضة لالتزامات اليونان حيال دائنيها. فقد اعتبر انطونيس سماراس رئيس حزب الديموقراطية الجديدة مجددا الثلاثاء ان "اعادة التفاوض" حول الاتفاقيات من اجل "انعاش الاقتصاد" و"طمأنة المجتمع" امر "يتسم بالواقعية التامة". ووجه الرسالة نفسها منافسه الاشتراكي وزير المال السابق ايفانغيلوس فنيزيلوس الذي قال امس الثلاثاء ان احترام خيار الناخبين يعني "البحث عن افضل تعديل ممكن لبنود" برنامج التقشف "للمساعدة على صعيد التنمية (...) وحماية مستوى حياة المواطنين". وما زالت الاسواق تعاني الاربعاء من صدمة الانتخابات بعدما استبد بها الذعر امس. وفقدت بورصة باريس 1.07% بعد ظهر الاربعاء الى حد تسجيل ادنى مستوياتها خلال العام اثناء جلسة التداول. وفي اثينا، اقفلت البورصة على خسائر بنسبة 0,87%. ولا ينوي زعيم اليسار اليوناني الراديكالي (سيريزا) اليكسيس تسيبراس المساهمة في عودة الهدوء بعدما بعث الى الجهات الدائنة (صندوق النقد الدولي والمفوضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي) رسالة قال فيها ان قرار الشعب يجعل التزامات البلاد لاغية وكأنها لم تكن. وطلب مقابلة الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند مترجما بذلك الامل الذي اثاره في اليونان فوز المرشح الاشتراكي المؤيد لاعادة توجيه اوروبا نحو سياسة نمو. واذا توجه الى باريس، فان تسيبراس سيجري محادثات مع زعيم جبهة اليسار جان لوك ميلانشون الذي ايد هولاند للرئاسة الفرنسية. لكن الدعوات الى احترام اليونان للالتزامات ومواصلة سياسة التقشف تتكثف بدءا من برلين. وحذر وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبل اثناء منتدى في بروكسل قائلا "اذا ارادت اليونان ان تبقى، واذا ارادت الغالبية من اليونانيين ان يبقوا (داخل منطقة اليورو)، فما من طريق افضل من تلك التي اخترناها. لا يمكن ان نحصل على شق واحد (الانقاذ المالي) من دون الاخر". واعرب عن هذا التشدد ايضا البنك المركزي الاوروبي. وقال يورغ اسموسن عضو ادارة صحيفة هاندلشبلات اليومية الاقتصاية الالمانية "يجب ان يكون واضحا لليونان ان لا بديل من برنامج الاصلاح المتفق عليه اذا ما ارادت البقاء عضوا في منطقة اليورو". وفي باريس، رأى وزير الخارجية الفرنسي المنتهية ولايته الان جوبيه الاربعاء ان الوضع في اليونان "مثير للقلق الشديد"، موضحا ان "اعادة النظر في المعاهدات التي اتسمت المفاوضات في شأنها بصعوبة بالغة (...) قد تؤدي الى اضطرابات يصعب السيطرة عليها". وانهيار الحزبين التاريخيين المؤيدين لسياسة التقشف، بحصولهما على 32% من الاصوات التي حرمتهما من اي امل بتأمين اكثرية مطلقة، حمل اليسار اليوناني الراديكالي على ان يصبح القوة السياسية الثانية في البلاد. وتجمع الاحزاب الخمسة الاخرى التي دخلت البرلمان، والرافضة جميعا سياسة التقشف، اكثرية من 151 مقعدا من اصل 300، لكن من دون امكانية قيام تحالف. لكن حزبي باسوك والديموقراطية الجديدة لم يستسيغا رسالة اليكسيس تسيبراس. فمع الاعراب عن تأييدهما اعادة التفاوض، فانهما يشددان على ضرورة بقاء البلاد في منطقة اليورو، متهمين تسيبراس بانه يلعب بالنار. واكد فنيزيلوس استعداده للتعايش مع اليسار اليوناني الراديكالي في حكومة "وحدة وطنية"، لكنه طلب منه اعادة تأكيد موقفه المؤيد لاوروبا في الحكومة المقبلة. واعتبر سماراس ان مقترحات اليكسيس تسيبراس "تقود مباشرة الى الافلاس والخروج من اليورو". وسيلتقي تسيبراس (37 عاما) كلا من الرجلين لأنه المكلف حتى يوم الجمعة تشكيل حكومة. ومنذ الاثنين، انسحب سماراس الذي تصدر الانتخابات، فيما سيحل فنيزيلوس مكانه بموجب بنود الدستور بصفته زعيم الحزب الذي حل ثالثا. وسيقوم هذا الاخير بتنظيم جولة ثالثة واخيرة من المفاوضات قبل اجتماع اخير علني لكل الاحزاب مع رئيس الدولة. واذا لم يتم التوصل الى تشكيل حكومة، فان البلاد تتجه مجددا الى انتخابات جديدة. واقر غيكاس هاردوفيليس الذي كان مستشارا لرئيس الحكومة لوكاس باباديموس طوال سبعة اشهر، بان اليونان "تتمتع بهامش لاعادة التفاوض" حول مضمون التدابير التي ستتخذها حتى العام 2015. لكن هذا المصرفي السابق سارع الى القول "يجب الا نبالغ في اهمية الهامش ونعتقد ان شيئا ما قد تغير فجأة في اوروبا لأن الشعب هنا قال لا". واضاف "اذا قلنا لا لكل شيء، نخرج من منطقة اليورو"، مؤيدا بذلك هواجس شركاء اليونان. وعلى المدى القصير، يعرب المسؤولون اليونانيون عن قلقهم من الاستحقاقات المالية التي تنتظر اليونان قريبا، فيما تتوافر للبلاد "احتياطات حتى نهاية حزيران/يونيو"، كما يقول محلل محلي. وقال وزير المال المنتهية ولايته فيليبوس ساهينيدس "اذا ما رفضنا المذكرة، اتصور ان الجهات الدائنة ستعتبر انها غير مضطرة لمواصلة مد اليونان بالمبالغ المقررة في الاتفاقات". وحذر غيكاس هاردوفيليس من مغبة التخلف عن دفع مبلغ جديد قدره 5,2 مليارات يورو هذا الاسبوع من القروض الممنوحة من الاتحاد الاوروبي. وعلى الفور، اكدت بروكسل ان اليونان ستتسلم الخميس كما هو مقرر مبلغ 5,2 مليارات يورو من دائنيها، لأنه سبق وتمت الموافقة عليه. وحذر وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسلبورن في بروكسل من انه "لا يستطيع اي بلد في الاتحاد الاوروبي ان يفرج حتى عن جزء بسيط من ال130 مليار يورو التي وضعناها في تصرف اليونان اذا لم تتشكل حكومة ناشطة تحترم القواعد المعمول بها وتتولى ادارة الاموال المدفوعة".