اجتاح متمردون يقودهم رجال الطوارق بلدة اجويلهوك في شمال مالي بعد مهاجمتها الشهر الماضي بأسلحة ثقيلة من الترسانات المنهوبة من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وزاد المقاتلون الذين اكسبهم القتال في ليبيا صلابة اعداد المتمردين الصحراويين الذين طوقوا خلال هجومهم في 18 يناير كانون الثاني قاعدة الجيش المحلي بمركبات رباعية الدفع مثبت عليها اسلحة آلية. ودمروا منشات الاتصالات الخاصة بالجيش وكذلك ابراج الهاتف المحمول واطلقوا وابلا من قذائف المورتر. وبعد ان قطعوا امدادات المياه ونصبوا كمائن لقوافل الامدادات عادوا بعد اسبوع ليجتاحوا القاعدة. وقال جندي حكومي مالي شارك في القتال لرويترز شريطة عدم الكشف عن اسمه "يتميزون بأنهم اكثر عددا وافضل عتادا وامكانات تتعلق بالنقل والامداد والتموين بما في ذلك الهواتف المتصلة بالاقمار الصناعية. "انها حقيقة مرة." ومع اقتراب الذكرى السنوية الاولى للانتفاضة ضد القذافي تدفع مالي ودول اخرى الى الجنوب ثمن ثورة قام بها معارضون ليبيون بدعم من الغرب. ويزيد تدفق الاسلحة والمقاتلين من ليبيا من حالة عدم الاستقرار في انحاء غرب افريقيا التي نشأت من عدة مسببات ابتداء من اسلاميي بوكو حرام الذين يقفون وراء موجة من التفجيرات القاتلة في نيجيريا الى حلفاء تنظيم القاعدة الذين يستهدفون غربيين وقوات مسلحة في دول الساحل التي تمتمد شمالا حتى موريتانيا. وليس التمرد غريبا على مالي. فهذا هو رابع تمرد يقوده بدو الطوارق الذين يسكنون شمال البلاد منذ الانفصال عن فرنسا عام 1960 .ولم ينته اخر تمرد الا في 2008. لكن الجندي المالي يقول ان ترسانة المتمردين المعممين تضم هذه المرة صواريخ اس.ايه 7 و اس.ايه 24 ونظام صواريخ ميلان المحمولة. وبدلا من الاختفاء مرة اخرى في الصحراء بعد الهجوم شجعتهم قوة النيران الجديدة على مهاجمة الجيش على ثلاث جبهات ومقاومة طائرات الهليكوبتر الحربية. وقال مسؤول بوزارة الدفاع المالية طلب عدم نشر اسمه ان المتمردين مجهزون "مثل الجيش الليبي تماما" بعتاد مثل الرشاشات الثقيلة على المركبات رباعية الدفاع والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات بالاضافة الى الاسلحة الخفيفة. وقال جيريمي كينان وهو خبير في شؤون الصحراء يدرس الطوارق منذ فترة طويلة "في مرات التمرد الاخرى كانوا قليلي العتاد." وقال عن الحركة الوطنية لتحرير ازواد "هؤلاء الرجال العائدون من ليبيا معهم اسلحة ثقيلة ويعرفون كيف يستخدمونها." وازواد هو الاسم الذي يطلقه المتمردون على وطنهم الذين يريدون تأسيسه من ثلاثة اقاليم في شمال مالي. وهذا هو احدث تحد امني لحكومة مالية مقرها باماكو التي تبعد 1500 كيلومتر والتي فشلت بالفعل في منع حلفاء تنظيم القاعدة من زرع انفسهم في مناطق من الشمال النائي واستخدامه قاعدة لاحتجاز رهائن غربيين. ومنذ اندلاع القتال في مالي في منتصف يناير كانون الثاني ترد انباء عن مقتل عشرات الاشخاص من الجانبين وفر ما لا يقل عن 60 الف مدني من منازلهم في منطقة بالساحل تواجه بالفعل ازمة انسانية من احدث موجة جفاف تضربها. وتوقف التدريب على مكافحة الارهاب والتعاون بين الحكومة المالية وحلفاء رئيسيين مثل الولاياتالمتحدةوالجزائر. وقد يجبر القتال ايضا مالي على تأجيل انتخابات مقررة في 29 ابريل نيسان. وتتهم باماكو الجبهة الوطنية لتحرير ازواد بالانضمام الى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وهو جناح القاعدة في شمال افريقيا في هجوم اجويلهوك. وقال عدة جنود شاركوا في الهجوم انهم واجهوا جنودا ملتحين يرتدون زيا يشبه الزي الافغاني. وقال ساكن شارك في دفن الموتى ان اكثر من 115 جنديا قتلوا كان معظمهم موثق اليدين. وترفض الجبهة الوطنية لتحرير ازواد هذه الاتهامات وتتهم الحكومة بالسعي لافقادها مصداقيتها وترويع الغرب. وفي حين يعتمل الاحباط المستمر منذ عقود بشأن اتفاقات السلام التي لم تنفذ ونقص التنمية في شمال مالي فقد ادت تداعيات الحرب في ليبيا الى ظهور الجبهة التي يقدر دبلوماسيون ومحللون بأنها تتألف من الف مقاتل. وبعد ثلاثة اشهر من مقتل القذافي لا يزال حكام ليبيا الجدد يسعون جاهدين لبسط سلطتهم على البلاد ولا يفرضون سيطرة كاملة على حدودها التي يتسلل منها المقاتلون وتتدفق عبرها الاسلحة الى الدول المجاورة ناحية الجنوب. ومع انهيار نظام القذافي بدأ مئات الطوارق من مالي من المسلحين الذين كانوا مجندين في جيشه على مدى سنوات في العودة الى بلادهم حيث فرص العمل ضعيفة ولا تتمتع السلطة الوطنية بسيطرة تذكر. البعض سلم اسلحته الى السلطات المالية واصبحوا منذ ذلك الحين مدنيين او انضموا الى الجيش. ولم يفعل اخرون ذلك. وفي اكتوبر تشرين الاول تجمع هؤلاء المقاتلين في واحة زاكاك في التلال القريبة من الحدود مع الجزائر. وانضم اليهم متمردون ومنشقون عن الجيش المالي وشبان ونشطاء ماهرون في الانترنت في اجتماع سري اسفر عن مولد الجبهة الوطنية لتحرير ازواد. وأصبح بعض العائدين من ليبيا في الآونة الأخيرة قتلة مأجورين لكن كثيرين مثل الكولونيل محمد نجم الذي اصبح حاليا اكبر قائد عسكري بالجبهة الوطنية لتحرير ازواد هم مقاتلون مخضرمون خدموا في صفوف القذافي لسنوات. وانضم اليهم رجال قاتلوا تحت امرة زعيم المتمردين الراحل ابراهيم باهانجا الذي توفي في حادث سيارة العام الماضي بينما كان يضع الاساس للتمرد واعضاء من حركة ازواد الوطنية التي يقودها الشباب والتي ظهرت في 2010. وقال هاما سيد أحمد المسؤول الكبير بالجبهة الوطنية لتحرير ازواد والمقيم في فرنسا في اتصال هاتفي "لدينا جميع الاجيال هذا العام." ويقول مسؤولون ماليون ان جنود الطوارق الذين اندمجوا في الجيش المالي بعد التمرد الاخير ولديهم معرفة وثيقة بالتضاريس المحلية يزيدون من المصاعب التي تواجهها باماكو. ومع عودة هؤلاء المقاتلين جيدي التسليح الى بلادهم في اواخر العام الماضي ارسلت الحكومة وفودا في محاولة لتفادي المتاعب. ومضت الجماعة التي رفضت نداءات الحكومة تسليم اسلحتها في طريقها لتشكيل نواة التمرد. وشاهد صحفي من رويترز زار جماعة في مالي قررت تسليم اسلحتها مركبات رباعية الدفع مثبت عليها اسلحة الية وقاذفات صواريخ متعددة الفوهات. وقال الحاج بابا حيدرة النائب عن بلدة تمبكتو الشمالية والذي شارك في المحادثات "يشعرون بالقوة لان لديهم اسلحة وهم مستعدون لاستخدامها. "عندما سمعنا نبرتهم وشاهدناهم يغرسون علم (ازواد) اشرنا الى انه ينبغي (لباماكو) العمل سريعا لفتح المحادثات بل ايضا القيام باستعدادات عسكرية.. لكن الحكومة لم تكن سريعة بصورة كافية." ويقاوم بدو الطوارق الذين يجوبون مساحات صحراوية شاسعة بين مالي والنيجر والجزائر وليبيا وبوركينا فاسو السلطة المركزية منذ عهد الاستعمار. لكن في مرات التمرد السابقة سعى الطوارق للحصول على مزيد من الحكم الذاتي المحلي والى دمج مقاتليهم في الجيش بدلا من الحصول على الاستقلال التام لازواد. وأعلن موقع توماست برس المؤيد للطوارق على الانترنت في افتتاحية في ديسمبر كانون الاول على موقعه الالكتروني "اما الان او لا للابد" مستلهما مزاج التمرد الجديد ومستشهدا بانشاء دولة جنوب السودان العام الماضي. وقالت الافتتاحية ان الاسلحة القديمة الصدئة التي خذلت كاوسيني جيدا احد ابطال النضال ضد الاستعمار الفرنسي في اوائل القرن العشرين استبدلت بقاذفات صواريخ جراد واسلحة اخرى ثقيلة توجد الان في معسكرات صحراوية. ولدى الحركة آلة ماهرة للعلاقات العامة وموقع يجري تحديثه بانتظام ومتحدثون يعملون انطلاقا من اوروبا يسهل الاتصال بهم. وترفض مالي اجراء أي محادثات بشان دولة مستقلة. ويقول المتمردون الذين يمثلون بعض الطوارق ناهيك عن مجتمعات اخرى في الشمال انهم سيستهدفون البلدات واحدة تلو الاخرى الى ان ينشئوا وطنهم في الشمال في مناطق كيدال وكاو وتمبكتو. ومع ذلك تبدو فرص حصول قضيتهم على دعم واسع ضئيلة. ومن غير المرجح ان يحاكي حكام ليبيا الجدد المنشغلون في مشكلاتهم الخاصة القذافي في ولعه بالتدخل في شؤون الطوارق. وتتطلع الجزائر التي تحتفظ بنفوذ قوي في الدول الواقعة جنوبها الى تحسين التعاون مع مالي خاصة في قتالها ضد خلايا القاعدة المحلية. ولدى شركتها المحلية للطاقة سوناطراك اهتمام في القسم المالي من حوض تاوديني في الشمال رغم ان عمليات الاستكشاف لم تبدأ بعد. ويؤكد المسؤولون الجزائريون انهم يستضيفون محادثات بين الحكومة المالية وبعض زعماء الطوارق. لكن الجبهة الوطنية لتحرير ازواد تنفي ارسال اي من ممثليها الى الاجتماعات ولا تظهر بادرة تذكر على الاصغاء للمناشدات الدولية لوقف اطلاق النار. ومن غير المرجح ان يتمرد طوارق النيجر الذين سبق ان اقاموا في بعض الاحيان روابط مع طوارق مالي. فهم افضل تمثيلا في الحكومة المركزية ولم يتمكن سوى عدد قليل من طوارق النيجر العائدين من ليبيا من الاحتفاظ باسلحتهم. وقال دبلوماسي يتابع الصراع عن كثب "في النهاية هم محاطون بدول لا تؤيد ان حركة استقلال لذا فسيكون منتهى امالهم هو الحصول على حكم ذاتي اوسع وحزمة اجور لائقة لقادتها." لكن حتى اذا كان من غير المرجح ان ينجح التمرد في انشاء دولة جديدة للطوارق فانه يمثل تحديا مباشرا لكل من مالي والكفاح الدولي لخلايا القاعدة وعصابات تهريب المخدرات التي تتخذ من الشمال الصحراوي مكانا أثيرا لها. وادى انخراط الاسلاميين في اقتصاد بملايين الدولارات قائم على الفدى يغذيه خطف الغربيين وتهريب الكوكايين وسلع اخرى الى اقحام المنطقة على جدول الاعمال الامني للغرب. وقال دبلوماسي ثان ان الجيش المالي ربما يواجه تمردا أكثر قوة من ذي قبل لكن الاستقلال "هدف بعيد المنال" وانه يمكن القضاء على التمرد عن طريق حل سياسي. وأضاف الدبلوماسي "أكبر تهديد لوجود مالي هو تهديد تجارة المخدرات الدولية والارهاب." وتحاول واشنطن دعم الجيش المالي وقدمت له معونة عسكرية بقيمة 17 مليون دولار العام الماضي لتجهيز وتدريب القوات على كل شيء من حرب الصحراء الى الفوز بالقلوب والعقول. وتقدم الدول الاوروبية مساعدات ايضا. لكن كثيرا من هؤلاء الرجال واغلب هذا العتاد من المرجح ان يحول الان للتصدي للجبهة الوطنية لتحرير ازواد وليس الاسلاميين. وشاهد مراسل لرويترز كان مسافرا في الرابع من فبراير شباط على الطريق المتجه جنوبا من كيدال قوافل من الجنود الماليين المتجهين الى الشمال لتعزيز وحدات هناك وكان كثير منهم يستقل شاحنات كانت واشنطن قد قدمتها لمالي العام الماضي لاستخدامها في عمليات مكافحة الارهاب. وكان من المقرر ان تجرى العملية (فلينتلوك) وهي تدريب سنوي تديره الولاياتالمتحدة لمكافحة الارهاب في الصحراء الافريقية في مالي الشهر المقبل لكن ستؤجل بسبب التمرد. ويقول موقع مغربي على الانترنت وهو موقع شمال افريقي يرعاه الجيش الامريكي ان وحدة صغيرة من المدربين الجزائريين ارسلت الى شمال مالي لتدريب وتجهيز الوحدات المحلية اضطرت للمغادرة بسبب القتال. وقال الدبلوماسي الثاني "هذا نوع التنسيق والتحرك الذي يحوله (التمرد)." وبالنسبة لمن يخشى ان تفقد الحكومات الضعيفة في المنطقة السيطرة على مناطقها الصحراوية فان القضية هي اين سيكون موقع الجبهة الوطنية لتحرير ازواد بين شبكة الجماعات المعقدة ومن بينها خلايا القاعدة والمهربون الدوليون واللصوص وقطاع الطرق المحليون الذين ملاوا الفراغ البعيد عن متناول يد الحكومة المركزية التي تعمل في العاصمة البعيدة جدا عن هذه المناطق. ولا توجد روابط ايديولوجية بين الطوارق وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي. لكن الروابط العائلية والانتهازية المطلقة تعني صعوبة التمييز في منطقة يتداخل فيها بانتظام التمرد والجريمة والجهاد. ومن الأمثلة على ذلك اياد غالي وهو متمرد سابق عمل لفترة وجيزة قنصلا عاما لمالي في السعودية قبل ان يعود الى بلاده ليشارك في مفاوضات الرهائن في الشمال. وشكل غالي منذ ذلك الحين حركة اسلامية لكن دبلوماسيين يقولون إنه لا توجد صلات ملموسة بالقاعدة الا عن طريق قريب يعمل قائدا محليا. ويقول دبلوماسيون ومحللون ان بعض رجاله على الاقل يقاتلون فيما يبدو مع الجبهة الوطنية لتحرير ازواد في المعارك الأخيرة. ويقول المتمردون انهم جندوا عشرات من مسلحي الطوارق الذين سبق لهم العمل مع تنظيم القاعدة. وكثيرا ما تتبدل التحالفات والولاءات المحلية مثلما تتبدل رمال الصحراء الشاسعة. وقال حيدرة النائب البرلماني عن تمبكتو "اليوم لا احد يعرف حقا من يقف مع من." من ديفيد لويس واداما ديارا (شارك في التغطية تيموكو ديالو في باماكو والامين شيخي في الجزائر)