يعود تجار السلع بذاكرتهم لأبعد كثيرا من الكساد الأخير بحثا عن سابقة لتخفيضات الانتاج الكبيرة الدائمة التي يتعين على منتجي الالومنيوم فرضها لوضع حد أدنى للاسعار. فقبل ثلاث سنوات حينما كان الاقتصاد العالمي يمر بركود شديد بدأت المصاهر في شتى أنحاء العالم خفض الانتاج مؤقتا. ومع الانتعاش السريع للاسعار التي بلغت مثليها في غضون عام بادرت هذه الشركات برفع انتاج مصاهرها مجددا. ومع زيادة المعروض بسبب المخزونات المرتفعة وتراجع الاسعار 28 بالمئة منذ مايو أيار العام الماضي بدأت الشركات تستجيب مجددا فأعلنت الكوا الامريكية يوم الخميس أنها تعتزم وقف 12 بالمئة من طاقتها الانتاجية بعضها بشكل دائم. لكن ارضاء التجار ربما لا يكون بنفس سهولته قبل ثلاث سنوات. ويقول كثيرون ان اعادة التوازن للسوق ستتطلب تخفيضات أكبر ولفترات أطول. وقال محللون في داهلمان روز اند كو يوم الجمعة "نعتقد أن الصناعة تحتاج لتصرف منضبط لتقليل زيادة المعروض الحالية." وأضافوا أن اعلان ألكوا سيكون جرس التنبيه ومن المرجح أن يأتي مزيد من الخفض من منتجين أعلى تكلفة نسبيا في الصين والتي تسهم بنحو 40 بالمئة من الطاقة الانتاجية العالمية. والاجراء الذي اتخذته ألكوا خطوة في الاتجاه الصحيح فيما يبدو. وستوقف الشركة تماما طاقة انتاجية حجمها 291 ألف طن سنويا كانت قد أوقفتها في 2009 وهو ما يزيل خطر استئناف تشغيلها سريعا ما من شأنه أن يغرق السوق مرة أخرى. وستوقف الشركة طاقة انتاجية أخرى حجمها 240 ألف طن سنويا في مواقع لم تكشف عنها. ويعادل اجمالي الطاقة الانتاجية التي ستوقفها الشركة ما يزيد قليلا على واحد بالمئة من حجم السوق البالغ 46 مليون طن سنويا. وارتفعت أسعار الالومنيوم في بورصة لندن للمعادن عشرة دولارات فقط الى 2039 دولارا للطن يوم الجمعة وهو ما يشير الى أن انعاش سوق انخفضت أكثر من 25 بالمئة منذ مايو الماضي سيتطلب الكثير. وقال أحد التجار باحباط شديد انه ينبغي خفض الانتاج بأكثر مما تم في 2009 في أوج الازمة العالمية حينما هبط الانتاج أكثر قليلا من مليوني طن الى 37 مليونا وفق بيانات رويترز. وتدهور الوضع بالسوق خلال الاشهر الستة الماضية خاصة في أوروبا حيث توقف الطلب تماما نتيجة أزمة ديون منطقة اليورو كما تتزايد المخاوف من ضعف الطلب في الصين. وفي نوفمبر تشرين الثاني أعلنت ألكوا أنها ستجري صيانة طارئة لبعض المنشات في أمريكا الشمالية وأوروبا نتيجة تراجع كبير في الطلبيات. وقال متعامل في بورصة لندن للمعادن "النبأ الجيد الوحيد سيكون أن يدفع ذلك الاخرين لاتخاذ خطوة مشابهة .. أشبه بما حدث في 1994." ولا يبدو أن هناك اقبالا كبيرا على ذلك حتى الان. فقد أبلغت شركة نورسك هيدرو النرويجية رويترز يوم الجمعة أنها مستعدة لخفض الانتاج اذا ظلت الاسعار منخفضة لكن منتجين رئيسيين اخرين من بينهم روسال وريو تينتو وبي.اتش.بي بيليتون أحجموا عن التعليق. وتشغل كل من روسال في روسيا وريو تينتو الكان في كندا مصاهرها بالكهرباء المولدة بطاقة المياه وهي تقنية منخفضة التكلفة وهو ما يعطيهما القدرة على تحمل الاسعار المنخفضة لفترة أطول. ولعدة أسباب قد يتعين أن تكون تخفيضات الانتاج هذه المرة أكبر ولفترة أطول مما كانت عليه في 2008. فالتعافي السريع للالومنيوم في 2009 فاجأ السوق حيث قفزت الاسعار أكثر من 80 بالمئة في خلال عام من 1300 دولار للطن في مطلع 2009 الى 2400 دولار للطن وهو ما كان يرجع بنسبة كبيرة الى طلب صيني أقوى من المتوقع. لكن المعروض زاد هو الاخر وبحلول 2010 كان الانتاج العالمي قد ارتفع لمستوى جديد بلغ 40.7 مليون طن مدفوعا باستثمار الصين في مصاهرها الخاصة وبتوقعات لنمو الطلب على المدى البعيد. وقال مسؤول تنفيذي رفيع لدى مستهلك كبير "تعافي السعر كان أسرع من أن يتيح لاحد أخذ اجراء طويل الاجل. في 2010 بدا الامر كما لو كنا نحتاج مزيدا من المعدن من أجل اسيا." كما كان لاسعار الفائدة المنخفضة دور في تراكم مخزونات ضخمة تؤدي لتخمة المعروض بالسوق في ظل وجود نحو خمسة ملايين طن في مخازن بورصة لندن للمعادن وكمية مماثلة وفق تقديرات المتعاملين في مخازن أخرى وهو ما يكفي لتغطية الطلب العالمي ثلاثة أشهر. وأعطت المحفزات التي تعرضها شركات التخزين لاجتذاب الشركات لاستخدام مخازنها التجار سببا للتخلص من المعدن غير المطلوب وادخاله في صفقات تمويل والتكسب من هامش العائد وهو ما لا يمنح المنتجين سببا لخفض الانتاج. وقال تاجر أوروبي حانق بسبب حجم المخزونات في مستودعات بورصة لندن للمعادن وبخاصة في ديترويت وفليسنجن "السوق كانت متخمة بالامدادات حتى في 2008. وكانت الصناعة تكون مخزونات أيضا لكن بمعدل ابطأ." مازالت ذكريات 2008 أليمة لكن من يعمل بالقطاع منذ فترة طويلة يتذكر أيضا اضطرابات أوائل التسعينيات حينما أغرق الاتحاد السوفيتي السابق السوق بالمعدن عقب انهيار سور برلين. وبحلول 1993 كانت القفزة في المعروض قد دفعت الاسعار للهبوط مقتربة من ألف دولار للطن وهو ما أثر سلبا على القطاع الذي كانت تهيمن عليه أوروبا وكندا في ذلك الوقت. وفي خطوة غير مسبوقة وقعت حكومات الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدةوروسيا والنرويج واستراليا وكندا وجميعها من كبار المنتجين اتفاقية طوعية عرفت باسم مذكرة التفاهم في أوائل عام 1994 في محاولة لانعاش قطاعات الصناعات التحويلية في هذه الدول. وتوصلت الحكومات لتفاهم على خفض طاقتها الانتاجية. ووافقت روسيا على خفض 500 ألف طن وبلغ اجمالي تخفيضات الانتاج في هذا العام حوالي 1.2 مليون طن وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الامريكية. وعادل ذلك نحو ستة بالمئة من الانتاج العالمي الاجمالي. وغيرت نتيجة الاتفاق حظوظ الصناعة في فترة قصيرة جدا. وقال مسؤول رفيع كان يعمل في ألكان في ذلك الوقت متذكرا الصفقة "تواطأ المنتجون من خلال حكوماتهم ... كان السعر 1072 دولارا في نوفمبر 1993 وبلغ ذروته عند 1295 دولارا في يناير 1995." ربما لا تكون مثل هذه الخطوة الجريئة ممكنة في 2012 في ظل قوانين مكافحة الاحتكار وهيمنة الصين على صناعة الالومنيوم لكن البعض يقولون ان القطاع قد يتعلم الدرس من الاسباب الرئيسية وراء مذكرة التفاهم لخطوة تشمل كل اطراف الصناعة. لكن في ضوء تقديرات ليبرم كابيتال بأن نحو ثلث طاقة المصاهر الاساسية في العالم تتكبد خسائر قدرها ألفا دولار للطن فان اغلاق مزيد من الطاقة الانتاجية يبدو محتملا. وقال اندرو كين مدير أبحاث المعادن والتنقيب في اتش.اس.بي.سي "ما أن ترى المنتجين ينزفون تعرف أنك تقترب من دعم أساسي ... الناس لا ينتجون بدون مقابل. أتصور أن كثيرا من المنتجين يفكرون مليا في الوقت الحالي ليروا ان كان عليهم الاغلاق." من جوزفين ميسون وكارين نورتون