تجري المستشارة الالمانية انغيلا ميركل محادثات الجمعة مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في برلين على خلفية توترات حول كيفية استعادة الاستقرار بمواجهة ازمة ديون أوروبا. وكانت ميركل وكاميرون، الذي يصل الى برلين بعد اجتماع مع قادة الاتحاد الاوروبي في بروكسل، قد تعارضا مؤخرا حول الكيفية التي يتعين بها ان تتحرك اوروبا قدما حيث تعاني القارة مما وصفته المستشارة الالمانية بربما اكثر اوقاتها العصيبة منذ الحرب العالمية الثانية. وبينما ترى ميركل الحل في المزيد من تركيز السلطات على الصعيد الاوروبي ككل بعيدا عن الحكومات الوطنية مع موافقة بلدان اعضاء في الاتحاد الاوروبي على التخلي عن المزيد من الصلاحيات السيادية فيما يتعلق بقضايا من قبيل السياسات المالية، يشكك كاميرون في قدرة المؤسسات الاوروبية، مركزا اكثر على صلاحيات الحكومات الوطنية وذلك تجاوبا مع ضغوط لديه في الداخل تدفعه بهذا الاتجاه. وقد انتقد كاميرون في كلمة القاها الاثنين ما وصفه ب"الخطط العملاقة والرؤى المثلى (اللاواقعية)" داعيا الى تحلي الاتحاد الاوروبي "بالمرونة كشبكة عمل وليس بتصلب كتلة واحدة"، متطرقا الى الازمة باعتبارها فرصة لاسترجاع حكومات الدول الاعضاء صلاحيات من المؤسسة المركزية الاوروبية. وسعى وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي لتهدئة المخاوف البريطانية من دعوة برلين لتغيير محدود في المعاهدات يسمح بتعزيز صلاحيات الرقابة المالية الاوروبية، وذلك خلال مقابلة نشرتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الجمعة. وقال الوزير الالماني انه لن يتم اللجوء الى اي تعديلات على المعاهدة الاوروبية، تقتصر على بلدان منطقة اليورو السبعة عشر، الا كملاذ اخير، مقللا بذلك ايضا من المخاوف من تحول الاتحاد الاوروبي الى تجمع طبقي يميز بين البلدان المتبنية لليورو على حساب بلدان الاتحاد التي لم تستبدل عملاتها بالعملة الاوروبية الموحدة ومن ثم تهمش الاخيرة. ومن جانبهم يشعر المعلقون الالمان بتوجس ازاء المزاج المعادي لاوروبا في لندن حيث قالوا انه يبدو وكأن كاميرون يبحث عن كبش فداء يحمله مسؤولية البيانات الاقتصادية السيئة التي وردت هذا الاسبوع ومنها مستوى قياسي من الشباب العاطل عن العمل بلغ مليونا في بلاده. وكتبت صحيفة زوديتشه تسايتونغ الالمانية ذات توجه يسار الوسط "ان الاجواء بين البلدين باتت في الوقت الراهن ملبدة اكثر منها منذ وقت طويل". واضافت ان "كاميرون بخطابه وضع نفسه بمواجهة ميركل الداعية الى المزيد من الصلاحيات لاوروبا، وهو التطور الذي ينظر اليه بعين القلق في اروقة برلين". واضافت مجلة دير شبيغل الاخبارية الاسبوعية في طبعتها على الانترنت قائلة "ان حكومة كاميرون تواجه معضلة.. فهي تريد النأي ما امكنها عن الازمة في القارة، ولكنها تريد ايضا ان يكون لها قول في الامور إذ تغير ذات الازمة طبيعة الاتحاد الاوروبي، وبريطانيا بين ثلاثة من كبار بلدانه". ويمكن ان تقود الاراء المتناقضة المعسكرين على مسار تصادمي قبيل قمة الاتحاد في التاسع من كانون الاول/ديسمبر بهدف إقرار تعديلات على القواعد المالية لبلدان الاتحاد السبعة والعشرين. وترغب ألمانيا في ان تبذل بريطانيا البلد غير العضو في منطقة اليورو مزيدا من الجهد على صعيد حل ازمة الديون من قبيل دعم اقرار ضريبة على التعاملات المالية، وهو ما تخشى الاوساط المالية والتجارية في لندن ان يؤدي إلى هروب الاستثمارات. ومع ذلك قبلت ميركل عن مضض تحرك برلين لاقرار الضريبة في بلدان اليورو السبعة عشر وحدها اذا لم يمكن غير ذلك. وفي تلك الاثناء اثار فولكر كاودر زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي لميركل والمعروف بعدم تردده في المواجهة، استياء هذا الاسبوع بدعوته بريطانيا "لكي تفعل ما يجب ان تفعله" لانقاذ اليورو، مؤكدا كذلك صدارة ألمانيا لاوروبا قائلا ان القارة باتت "تتحدث الالمانية" ما اثار صيحات الاستهجان بين أروقة الصحافة البريطانية. ومن جانبه حث كاميرون على اللجوء الى البنك المركزي الاوروبي ك"سلاح ماض" للدفاع عن اليورو عبر عملية شراء سندات ضخمة وإقراض البلدان الغارقة في الديون ان لم تجد من يقرضها -- وهي التصورات التي تعارضها برلين بشدة. وقد نحى الرئيس الجديد للبنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي جانبا الجمعة الضغوط السياسية قائلا ان جل اهتمام البنك هو الحفاظ على استقرار الاسعار، بينما حث حكومات الدول على ضبط اوضاعها المالية للخروج من الازمة. وفي ظل الاجواء الراهنة أشار دراغي الى "الاهمية الحيوية.. لاستمرارية ومصداقية وتوافقية" البنك الاوروبي وسياساته النقدية. وفي بروكسل لم يدل كاميرون بتصريحات عقب اجتماعه مع رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو ورئيس الاتحاد الاوروبي هيرمان فان رومبوي. غير ان بيانا صدر عن مكتب باروزو ذكر ان الزعماء اتفقوا على الحاجة الى اتخاذ فعل حاسم "لضمان استقرار نطاق اليورو والتسريع بإجراءات تنشيط النمو والتوظيف". وأضاف البيان انهم "شددوا على الاهمية المحورية للمزيد من الدفع باتجاه تطوير السوق الموحد".