كثير من الناس يتسائلون هل البلد تحتمل تطبيق الشريعة الآن أليس من الأولى أن ننظر إلا من يعانون الفقر والجوع وأن ننمي اقتصادنا أولا؟!! أليس من الأولى أن نحل مشكلة الأمية أولا حتى يدرك الناس معنى الشريعة وأحكامها؟!! وقد يقول آخر أليس من الأولى أن نحل مشكلة الانفلات الأمني؟!! وقد يتسائل آخرون وماذا سيفيدنا أو يفيد البلاد الآن تطبيق الشريعة؟!! والإجابة على هذه الأسئلة كلها في آية واحدة وهي قول الله تعالى: " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" فالله عز وجل هو الذي خلقنا وهو أعلم بما يصلح أحوالنا. نعم فالناس أكثرهم يعاني الفقر والحاجة لذلك فقد راعت الشريعة الإسلامية هذه الظروف فهي لا تقيم حدا على من لا يجد قوت يومه ولم يصل إلى حد الكفاف ووضعت حدا أدنى للسرقة التي يقام عليه الحد ولكنها في الوقت نفسه وضعت حدا رادعا لكل من تسول له نفسه أن يستغل هذا المجتمع الفقير ويفسده ويستغل حاجته ليحقق المكاسب العظيمة بقهرهم وبامتصاص دماءهم فهذا المفسد في الأرض الذي يعيش على أقوات الفقراء قد يجد في القوانين الوضعية التي صنعها البشر الثغرات ليستمر في جمع الثروات من أقواتهم
بل إنك تسمع اليوم ممن انغمس في هذه القوانين ينادي بالمصالحة معهم ليسترد ما سرقوه ثم يعيشوا حياة هانئة رغدة بعد ذلك يبحثون في بقعة أخرى عن دماء أخرى يمصونها .
. أما الإسلام فقد وضع حدا مرعبا لكل من تسول له نفسه أن يفسد في الأرض ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) ويدخل ضمن هذا أيضا حالة الانفلات الأمني وتخويف وإرهاب الآمنين التي نعاني منها اليوم، ألا نحتاج إلى حدود الشريعة الرادعة والتي سينزجر بها كل من تسول له نفسه أن يروع الآمنين؟!! ألا يحتاج اقتصادنا المهلهل إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لجمع أموال الزكاة بما يدر على الدولة ما يغنيها ويسد حاجتها بدلا من القروض الربوية المهلكة. وقد ثبت في دراسات كثيرة أن زكاة المال تدر على مصر مليارات الجنيهات سنويا. وماذا عن الضرائب التي أثقلت كاهل كل مصري والتي ما أنزل الله بها من سلطان في شريعته بل اتفق أهل العلم على حرمتها كما ورد في حديث المرأة الغامدية التي زنت وأقيم عليها الحد "مهلا يا خالد . . فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" والمكوس هي الضرائب. وكيف لا نحتاج إلى الشريعة ونحن أحوج ما نكون لها وقد ثبت للعالم أجمع أن الربا خراب لأي اقتصاد في أي بقعة من الأرض وليست وول ستريت منا ببعيد وقد وقف علماء الاقتصاد الغربيين ينادون بتطبيق الاقتصاد الإسلامي وشهادات علماء الاقتصاد الذين لا ينتمون للإسلام أكثر من أن تحصى في هذا الباب. هذا كله لو نظرنا للجانب المادي فما بالنا لو نظرنا للجانب الإيماني وبلغ اليقين مبلغه منا في قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" وكيف لا نحتاج إلى تطبيق الشريعة ولم يأت نظام بما جاءت به الشريعة الإسلامية في باب العدالة الاجتماعية فلا هي جارت على حق الفقير كما فعلت الأنظمة الرأسمالية ولا هدمت طموح الغني في الاستثمار والإنتاج كما فعلت الأنظمة الاشتراكية بل شجعت الغني على استثمار ماله ليربح وحفظت في الوقت ذاته حقا ثابتا للفقير في هذا المال.
وليس في مال الغني فقط بل ثروات الدولة كذلك أو ما يعرف بالركاز وهو ما يخرج من الأرض من ذهب ومعادن وبترول . . . الخ وهل رأيت مجتمعا يطبق الشريعة وفيه صاحب غنا فاحش وبجواره صاحب فقر مضجع !!! ألسنا نطالب اليوم بالحد الأدنى والأعلى للأجور فما بالنا والإسلام يلبي مطالبنا ونحن غافلون عنه!! وكيف لا نحتاج إلى تطبيق الشريعة ولم يعرف العالم ما جاءت به الشريعة الإسلامية في باب الحريات فلا هي كبتت الحريات ولا أطلقت اليد لها لتؤذي بها الآخر فباب الحريات في دولتها مقيد بقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" بل حتى في شرب الخمر فلو أراد أحد أن يشرب الخمر في عقر داره غالقا عليه بابه فحسابه عند ربه ولا دخل للحاكم ولا لقانون الدولة به ولا تقييد لحريته في ذلك أما أن يخرج ويؤذي بها من حوله فقد خرق بذلك باب الحريات الشخصية وتجاوز الحد.