القلب مصدر السعادة والشقاء للإنسان، فإن احتوى على نفس مطمئة ومؤمنة بلقاء الله وبجنته وناره فصاحبه من السعداء، وإن احتوى على نفس أمارة بالسوء وتدفع للمعاصي والذنوب والفواحش فصاحبه من الأشقياء عياذاً بالله من ذلك فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد واستبشر صاحبه بالخير والنور، وكان من أهل الخير والسرور فهو في الدنيا بصير العين والقلب، ذو بصيرة ونضر ثاقب، يراقب الله - عز وجل - في السر والعلانية، يرجو رحمة الله، ويخشى عذابه، تتوق نفسه للقاء الله - عز وجل -، ليجد ما أعد الله له من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، فهو من السعداء في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، علم حدود الله فوقف عندها ولم يتعداها ويتخطاها إلى ما حرم الله بل التزم بما أمر الله به ورسوله - عليه الصلاة والسلام - فهو وقّاف عند حدود الله و محارمه يقوم بأوامر الله، ويجتنب نواهيه، فهنيئاً لهذا القلب المطمئن هنيئاً له بما أعد الله له من نعم لا تعد ولا تحصى، وهذا هو القلب السليم، أما القلب الأخر وهو القلب السقيم المريض فإنه قلب فاسد، وسيفسد سائر الجسد، فصاحبه ذو قلب مكبوب منكوس تغيرت فيه ملامح الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فهو يدعو صاحبه إلى فعل الفواحش الظاهرة والباطنة لا يقف عند حدود الله، عرف محارم الله فارتكبها، واستوعب أوامر الله فتركها وانصرف عنها، استوثق بقفل الذنوب والمعاصي، وأغلق عليه وأحكم الغطاء، فهذا الجسد الذي احتوى هذا القلب فهو كالبيت الخرب، دمار ظاهره وباطنه، فصاحبه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، انكب على الشهوات والهوى، أعمى البصر والبصيرة، مطموس الفطرة والخلقة، اجترأ صاحبه على فعل كل فاحشه ورذيلة، وارتكاب كل معصية وخطيئة، لا يردعه رادع، ولا يمنعه مانع، فهو لم يطع الخالق - سبحانه -، بل تعدى حدوده، قال - تعالى -: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء 14)، لا يمل ولا يفتر عن مشاهدة الأفلام الخليعة وسماع الأغاني الماجنة، لا يمل ولا يكل من العكوف على الدشوش وما فيها من هرج ومرج، وما فيها من بعد عن الله وأوامره، يفعل الفواحش غير آبه بما أعد الله له من العذاب والسعير في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة فكيف بصاحب هذا القلب إذا احتوشته ملائكة العذاب، سود الوجوه أصواتهم كالرعد القاصف، كيف بهذا المسكين عندما يوضع في قبره ليس معه أنيس ولا جليس إلا عمله القبيح، كيف به في وحشة القبور والعذاب يأتيه من كل مكان فإنا لله وإنا إليه راجعون، كيف بهذا المخلوق إذا تشققت السماء بالغمام وتنزلت الملائكة الكرام وتطايرت الصحف فآخذ صحيفته باليمين وآخذ صحيفته بالشمال أو من وراء ظهره، كيف بهذا المسكين إذا قيل له {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء14)، ماذا تفعل يا مسكين إذا ناداك الملائكة للحساب والعتاب، إذا نوديت أين فلان بن فلان تقدم للحساب؟ كيف ستقابل جبار السماوات والأرض وكل شيء محصى عنده {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} (طه52)، كيف بك أيها الغافل عندما تنطق وتشهد عليك جوارحك بكل ما فعلته وقلته، يقول- تبارك وتعالى -: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور24)، وقال - تعالى -: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جاءُوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} (فصلت 19/20)، فأين المفر؟ وأين الملجأ؟ وأين المهرب؟ قال - تعالى -: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات 50)، ماذا ستقول للخالق - سبحانه -؟ ماذا ستقول لعالم الخفيات، قال - تعالى -: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} (الحاقة 18)، هذا القلب هو القلب المطموس بصيرته، المريض سريرته. قيل أن لقمان دفع إليه سيده بشاة وقال اذبحها وائتني بأطيب ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، ثم بعد أيام أتاه بشاة أخرى وقال له اذبحها وائتني بأخبث ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، فسأله سيده عن ذلك، فقال: ما أطيبهما إذا طابا، وما أخبثهما إذا خبثا. أسباب صلاح القلب: 1 قراءة القران بالتدبر والتفكر فيه، وفيما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 2 تقليل الأكل. 3 قيام الليل وإحياؤه بالعبادة. 4 الدعاء واغتنام أوقات الإجابة. 5 مجالسة الصالحين. 6 الصمت عما لا يعني. 7 الابتعاد عن أهل الفسق والمعاصي. 8 أكل الحلال والابتعاد عن أكل الحرام والمشتبه. 9 اجتناب المنكرات والملاهي. 10 اغتنام الأوقات بالنافع من الأقوال والأعمال. 11 الإكثار من الصيام، والتتابع بين الحج والعمرة. 12 الخلوة بالنفس ومحاسبتها. 13 العلم بأن الله مطلع على الأقوال والأعمال. 14 بر الوالدين. 15 زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة. 16 الصدقة، وتفقد الفقراء والمساكين ومعرفة أحوالهم. 17 زيارة المرضى، ومن يعانون سكرات الموت. 18 المحافظة على الصلوات جمعة وجماعات. 19 التفكر في مخلوقات الله - تعالى -. 20 النظر في عواقب الظلمة والطغاة والمفسدين الذين قصهم القرآن، أو من نسمع عنهم في هذه الأزمان. أسباب مرض القلب: 1 البعد عن الحق بعد معرفته، قال - تعالى -: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} (الصف5). 2 أكل الحرام، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - [الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنا يستجاب لذلك] (مسلم). 3 فعل المعاصي، فإن المعاصي تؤثر في القلوب، قال - تعالى -: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} (المطففين14). 4 استماع المحرم من الكلام مثل الغناء وغيره، فالغناء صوت الشيطان، قال - تعالى -: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} (الإسراء64). 5 النظر المحرم، ومشاهدة الصور والأفلام الخليعة، والجلوس أمام الدشوش بالساعات الطويلة، لمشاهدة أفلام الرذيلة والله عزوجل يقول: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} (النور30/31). 6 أصدقاء السوء، قال - تعالى -: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف67). 7- الانجراف في تيار الحياة الغادرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً] (الترمذي وهو حديث حسن). وقال - عليه الصلاة والسلام -: [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء] (الترمذي وقال حسن صحيح).