اجتاحنى حزن جائر على رحيل شاعرثائر " فاجومى مصر العظيم " الذى مثل وحده قطعة من جسد مصر و روح مصر و احمد فؤاد نجم هو عندى احد ثلاثة اقطاب للشعر المرتبط بالثورة فى مصر و عندما اذكر الثورة فهى عندى يوليو العظيمة و قائدها العظيم و بقدر ما شكل الزعيم جمال عبد الناصر عندى قامة و هامة ثائرة بقدر ما تهتز السماء و تمر السنين و تثور الشعوب يبقى عندى جمال عبد الناصر هو الثائر الاكبر و الاخلص و الاشجع فى كل العصور و لو كره الخائفون و الخائنون و ثورة ناصر بقوتها و عنفوانها . ارتبطت و تفاعلت بكل مكونات البلد و الامة و العالم فى الصناعة و الزراعة فى الحلم و فى العلم فى ضمائر الشعوب و فى سرائر القلوب و كان الشعر اكبر تعبير و تعميد لتجربة الثورة و فعلها الخارق و كان الشعر فصحى و عامى و كان الشعراء كثر يمتدحون و ينتقدون و يدفعون و يشرحون كل على طريقته و بقدر ما فتح الله به عليه و الشعر العامى هو الاكثر تعبيرا عن الثورة سواء تم غنائه او لم يتم و سواء كان رسميا بدعم الدولة او كان شعبيا سريا خارج عن الدولة . و كانت ثورة يوليو و دولة يوليو ساحة مفتوحة للابداع و الصراع بين شعراء العامية المصرية و فتح لهم جمال الخيال ليخرجوا اجمل الاشعار و يلهبوا الجماهير و يشيعوا الحماس و لم تكن ثورة يوليو ثورة موظفين منتفعين او جبابرة مسيطرين و انما كانت ثورة شعب تجسدت ارادته و اجتمعت اماله و احلامه فى يد زعيم مهيب مطاع من الجميع تركت لها مصر فى يده امانة و على هذا فلم يكن الشعر العامى مصنوعا او مدفوعا و انما كان طبيعيا صادقا معبرا عن احوال و اهوال الثورة . و هنا يتحدد عندى و فى قلبى دائما ثلاثة شعراء عبروا عن الثورة من ثلاثة زوايا مختلقة تبرز و تؤكد ان الثورة كانت عمل ابداعى خلاق و لم تكن انقلابا عسكريا كما يشيع المجرمون الخائفون من كل حدب و صوب شكل العملاق الطفل صلاح جاهين مع الفاجومى احمد فؤاد نجم مع الخال عبد الرحمن الابنودى ثلاثيا مختلفا مع بعضه و لكنه مكملا لبعضه و اعطوا و غطوا او كشفوا الصورة كاملة عن ثورة يوليو فالشاعر العظيم صلاح جاهين كان هو اصدق الناس و اشعرهم فى التعبير عن يوليو من جبهة الابن المؤيد للثورة الدافع للجماهير دفعا فى صفوف العمل الوطنى و المد القومى للدرجة التى جعلت الكثيرين يتحدثون ان الرجل ينافق النظام و يلمعه و يرفع اسهمه فى مواجهة انظمة عربية رجعية و يرفع من معنويات الشعب فى ظل الصراع المفتوح مع قوى الهيمنة الغربية و اسرائيل . و كانت الحقيقة المؤكدة ان المبدع صلاح جاهين صادق فيما يقول مؤمن بما يكتبه مبهور بما يراه يجعل نفسه جنديا فى جيش الوطن و كان على الجانب الثانى يقف شاعر الطين و الطمى الخال عبد الرحمن الابنودى غير مرتاح لتوجهات النظام بالكامل و لديه الكثير من النقد و الغضب على سياسات و افعال نظام يوليو غير انه لما وقعت الواقعة فى 5 يونيو 1967 و سقطت الراية من الشاعر العملاق الطفل صلاح جاهين عندما اتت المعارك التى رحب بها على غير ما يشتهى الوطن و يأمل الناس كان الاحباط مسيطرا على النفوس ضاغطا على الرؤوس و تسائل الناس اين الصناعة الكبرى و الملاعب الخضرا و التماثيل الرخام على الكوبرى و الاوبرا و اين هى الامانة التى تركناها فى يد الرئيس عندما كتب جاهين للزعيم سيبنا فى ايدك مصر امانة و اين و اين انهزم الوطن و انسحب الجيش فانهزم الشاعر و انسحب الفنان صلاح جاهين من ساحة الصراع . و هنا تدخل القدر و القى الينا بالخال ليكتب و بلدنا ع الترعة بتغسل شعرها جانا نهار مقدرشى يدفع مهرها لم يكتب الابنودى قبلها مادحا النظام او شارحا لاهدافه و استراتيجياته كما فعل جاهين و لكنه كتب ما يعين على الصبر و الصمود و كتب لبيوت السويس واعدا اياه بأن يستشهد تحتها لتعيش هى و كتب ابنك يقولك يا بطل هاتلى نهار ابنك يقولك يا بطل هاتلى انتصار لم يتوقف المدد الثورى للثورة المجيدة بعد النكسة و لكنها كانت تجدد نفسها و تنبعث من جديد يسقط جيش و تنهزم امة فيعاد بناء الجيش و تهتف الامة هنحارب و تبقى الامال باصرة و الرؤوس مرفوعة سقطت الراية من يد جاهين فالتقطها الابنودى لتبقى الراية مرفوهة منتصبة منتصرة فى مسيرة طويلة من الثورة و النصر الذى تحقق فى اكتوبر تحت رايات الحرية و الاشتراكية و الوحدة و كتب الابنودى صباح الخير يا سينا كانت الثورة متصالحة مع الشعر و مع الشعراء . و كانت المفارقة ان الزعيم لم يكن طاغية و انما الشاعر كان هو الطاغية ... طغى على اليأس و الخوف و التردد فى جانب ثالث مظلم غير رسمى كانت الظاهرة الاهم و الاغرب ممثلة فى شعر الراحل العظيم و الفقيد الكريم احمد فؤاد نجم ذلك ان الفاجومى ظهر كشاعر معارض بقوة عقب النكسة مع انكسار الجيش و ردد الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا يا محلا رجعت ظباطنا من خط النار و كانت تلك البداية توحى بأن الشاعر معارض للنظام و لكن المدقق يرى انها صيحة المحب العاشق للوطن و الشعب و الزعيم و كانت كلمات نجم برغم قسوتها و شراستها هى تعبير عما يتناثر فى بعض شوارع و حوارى مصر العظيمة و استكمل الفاجومى هجومه و تم اعتقاله و عندما خرج السادات عن خط الثورة . وانقلب لم يجد الا كل ما توارثه الشعب المصرى من نقد و سخرية و كلام يلهب كالسياط يخرج من احشاء شاعرنا العظيم لعل السادات ينتهى عما يفعل فمرة يسميه شعبان البقال و مرة ثانية اوقة البرقوقة و مرة ثالثة شحاتة المعسل كان نجم و معه العبقرى الشيخ امام يعبران عن روح الشعب المصرى العظيم و عن روح ثورته العظيمة فى يوليو المجيدة التى اراد السادات ان يأخذ روحها حتى اخذه الله اخذ عزيز مقتدر و بعد عدة سنوات من الغربة عاد الفاجومى ليزور ضريح عبد الناصر شعرا فى اروع مرثية للقائد العظيم سيد الفقراء و امير الثائرين بعد ان مرت السنين ماذا حدث للثورة . و ماذا حدث للشعر كانت المسيرة متصلة شعرا و ثورة و تجلى هذا فى ميدان التحرير فى يناير 2011 فالشعب الثائر يغنى صورة صورة لصلاح جاهين و يغنى الجدع جدع لاحمد فؤاد نجم و يتلقى شعرا جديدا عبر قصيدة الميدان للابنودى يقول فيها لا الظلم هين يا ناس ولا الشباب قاصر مهما حاصرتوا الميدان عمروا ما يتحاصر فكرتنى يا الميدان بزمان وسحر زمان فكرتني بأغلى أيام فى زمن ناصر تعود الثورة الى بر مصر فيعود الشعر يلقى و يردد و يغنى و يعود ناصر من جديد فى قلب الميدان تعبيرا عن روح الشعب المصرى بينما كانت جماعات الظلام من الاخوان و السلفيين تلعب بمصير الثورة و لا تردد شعر و لا تعى ما ما فيه و اخذوا الثورة فى طريق اخر . فما كان من الشعر الا ان التحم مرة اخرى مع الشعب و الثورة فى 30 يونيو 2013 كانت ثورة يونيو حاضرة بينما كانت ثورة يوليو حاضنة بالشعر بصلاح جاهين و الابنودى و نجم و صور جمال تزين الميادين كان الشعر مازال متصالحا مع ثورة الشعب و معبرا عن مسيرة النضال الوطنى و ما اجتمع جاهين و الابنودى و نجم على باطل لقد احبوا الزعيم حيا و ميتا لقد خدموا يوليو مدحا او قدحا سرا و علانية لقد توحدوا فى يناير و يوليو بالصوت و الصورة و الكلمة ضد جيوش الظلام كانت الثورة حية فى النفوس و كان الشعر ينبض فى القلوب كان ناصر الذى سبنا فى ايده مصر امانة هو الذى لا يطاطيش للعدا مهما السهام صابت هو الذى إزاى ينسّينا الحاضر.. طعم الأصالة اللى فى صوته؟ يعيش جمال عبدالناصر يعيش جمال حتى فى موتُه .