إذا كنا نختلف علي الأمور المحددة ذات الأبعاد والمعالم المؤكدة والدلالات والمؤشرات الواضحة.. فإننا من البديهي أن نختلف علي الأمور الافتراضية التي تقبل بالاحتمالات المختلفة وتخضع للخلفيات والموروثات المتباينة ولذلك فمن الطبيعي ألا نتفق علي معني عبارة رد الاعتبار الذي كنا نتمناه وننشده في مباراتنا مع المنتخب الغاني في اللقاء الفاصل الذي جري يوم الثلاثاء الماضي.. ولعلي أعترف أن عدم الاتفاق كان السمة الرئيسية التي غشيت الساحة الرياضية بكل فئاتها وأطيافها حتي بين الخبراء المتخصصين في عالم كرة القدم.. البعض ترجم عبارة رد الاعتبار بالعمومية والشمولية والتي ترفض أن تتدني لتحديد نتائج بعينها أو تحقيق مكاسب محددة أو بلوغ غاية واحدة.. هذا البعض كان يرفض أن يربط مسألة رد الاعتبار بالتأهل إلي كأس العالم بالبرازيل والفوز بخمسة أهداف نظيفة بل كان يرفض حتي الربط بين رد الاعتبار وتحقيق الفوز بأية نتيجة.. كان هذا البعض ينظر إلي الأمر علي أنه مباراة بين متنافسين تخضع لاعتبارات عديدة منها الفنية والبدنية والخططية والإعدادية ويدخل في حساباتها أيضاً العوامل غير الإرادية كالتوفيق والحظ والإرادية كالعزيمة والإصرار وحتي التحكيم.. فإذا تفوق المنتخب المصري في معظم هذه العوامل ورجحت كفته في هذه العناصر كان ذلك بمثابة رد الاعتبار للكرة المصرية من قرينتها الغانية حتي وإن انتهت المباراة بالفوز بهدف وحيد أو أن التعادل كان هو النهاية الإجبارية.. المهم أن تكون الندية قد تحققت.. المهم أن يكون التكافؤ هو السمة الغالبة علي المباراة وذلك لأن هذه الندية وذاك التكافؤ لم يعرفا طريقهما إلي اللقاء الأول الذي تسيد فيه لاعبو غانا اللقاء منذ بدايته وأمطروا الشباك المصرية بأهداف ستة ووقفت السماء إلي جانب الضيوف وحرمت أصحاب الأرض من مواصلة ترجمة سيطرتهم إلي هداف من خلال بعض الفرص المحققة.. أما البعض الآخر وقد يكون له الغلبة فيتصور أن رد الاعتبار لا يتحقق إلا بالتأهل والذي لن يأتي إلا من خلال فوز عزيز وليس بأقل من خمسة أهداف نظيفة.. صحيح الرياضة لا تعترف بكلمات الثأر والانتقام التي لا يتم تداولها إلا في بعض صعيد مصر الآن.. لكن العين بالعين.. والفوز بالفوز.. فمنتخب غانا فاز علينا 6/1 وحطم معنوياتنا ودمر ثقتنا في أنفسنا وفي أجهزتنا.. فليس أقل من مبادلته فوزاً بفوز وتحطيماً للمعنويات بتحطيم مماثل وإضعافاً لثقة بإضعاف مشابه.. الفوز بخماسية نظيفة هو المطلب الوحيد وهو الطريق الذي ليس له بديل لنصل إلي غاية رد الاعتبار.. ولعلي هنا أقدر تماماً رأي الفريقين ولا أضع نفسي كمشتغل بالأمور الرياضية حكماً بينهما بل اعترف أنني متورط تماماً في المشكلة وأشعر أحياناً أنني أنتمي للفصيل الأول وهذا لا يحرمني أو يمنعني من التعاطف مع الفصيل الثاني الذي قد يطلب المستحيل ويعتمد في مطلبه علي أن الرياضة وكرة القدم تقبل بنظرية الاحتمالات ولا تعرف المستحيل ولا تستسلم لجهة بأن تنحاز لأخري إلا خضوعاً للجهد والعرق والكفاح.. وفي النهاية دعونا نعترف أن التجربة التي خضناها بكل أتراحها وأفراحها كانت ثرية ومفيدة.. المهم أن نتعظ منها ونستفيد من مآثرها وأن نتجنب الوقوع في براثن الأخطاء التي واكبتها وأن نعظم ونعمق أسباب ومخايل القوة والقدرة التي تخللتها.. ولا شك أن الدرس الأهم والأول الذي لابد أن يأتي علي قائمة أولوياتنا هو ألا نترك الأمور تستفحل والأحوال تتدني والهبوط يتعمق للدرجة الكارثية التي يصعب معها التعويض ويستحيل فيها التخليص.. وندعو الله أن يعيننا علي أنفسنا ويمكننا من مواجهة الظروف الصعبة التي تحيط بنا في معظم جوانبنا ومختلف اتجاهاتنا حتي نعود إلي سابق عهدنا يوم أن كنا زعماء القارة السمراء في الرياضة واحتللنا القمة واعتلينا المقدمة حقبا زمنية طويلة ومتتالية.