من المشروعات الضخمة التي يريد أن يحققها الوزير النشيط طاهر أبو زيد تحويل منطقة استاد القاهرة إلي مدينة رياضية متكاملة لزيادة الاستثمارات.. ساعده علي هذا وجود واحد من أنشط من تولي رئاسة هيئة الاستاد ألا وهو الدكتور أشرف صبحي الذي يذكرني بحسن أمين أول رئيس للاستاد وخلفه المهندس مصطفي البحيري الذي كان المهندس المصري الوحيد الذي اشترك مع الشركة الألمانية التي تولت بناء الاستاد في نهاية الخمسينيات بأمر مباشر من جمال عبدالناصر الذي كان حريصا علي الانتهاء من بناء الاستاد في أسرع وقت ممكن.. في نفس وقت بناء مبني التليفزيون لأول مرة أيضا.. وكان عبدالناصر قد حدد افتتاح الاثنين معاً الاستاد والتليفزيون في يوليو ..1960 وقد كان.. حتي اننا اضطررنا أن نصعد إلي التليفزيون علي سقالات خشب فلم يكن قد تم تركيب سلالم جرانيت بعد.. وكان التليفزيون مجرد دورين فقط.. دور استديوهات الدراما ونصف دور فوقه لاستديو الهواء والنصف الثاني كان مكاتب.. البوفيه كان في الشارع بجوار المبني مباشرة!!!.. كان البوفيه مهماً جدا.. فعدد الذين درسوا كيفية الارسال التليفزيوني في موسكو يعدون علي أصابع اليدين!!! أشهرهم نور الدمرداش الذي سموه "ملك الفيديو" وصلاح زكي وتماضر توفيق.. وكانوا شبه مقيمين في ماسبيرو طوال اليوم فهم الوحيدون المؤهلون للعمل في المبني!! من هنا تأتي أهمية البوفيه. *** أعود إلي استاد القاهرة ففي هذا الأسبوع زار الوزير "الديناميكي" طاهر أبو زيد استاد القاهرة الذي طالما حقق فوقه انتصارات محلية وافريقية ودولية.. وبعد أن طاف بكل أرجاء الاستاد عرض رئيس الاستاد النشيط "استراتيجية جديدة" لاتمام المدينة الرياضية الكبري فالمساحات الخالية شاسعة.. عرضها علي الوزير الذي بدأ في دراستها.. *** وبهذه المناسبة هناك قصة قديمة هامة. في أواخر الثمانينيات.. تصوروا.. يعني منذ أكثر من ربع قرن من الزمان.. حينما كان يتم عرض حفلات الرقص علي الجليد في الصالة المغلقة الكبري رأي رئيس البعثة المصري الأمريكي ويدعي "آمال نديم" أن يتجول في أنحاء الاستاد.. فقد هاله الظلام الدامس الذي يخيم علي كل أرجاء الاستاد.. فوجد هذه المساحات الشاسعة في أرجاء الاستاد بلا أي ملاعب أو مبان أو أي نشاط.. بالصدفة المحضة "الدكتور آمال نديم" هو خال زوجة الصديق عشرة العمر إبراهيم شعراوي أمين عام مجلس الوزراء وفي لقاء عائلي تحدث الدكتور آمال نديم مع شعراوي عن عدم استغلال هذه المساحات الشاسعة حول ملاعب رائعة.. ومن بين ما قاله الدكتور نديم ان هذا المكان الخرافي وسط هذا الحي السكاني الضخم يمكن أن تستغله شركة "وولت ديزني" لبناء مدينة ترفيهية خرافية مع الملاعب الحديثة.. وهذا الظلام الدامس المخيف طول الليل يتحول إلي كتلة نور مبهرة تخطف الأبصار طوال الليل حتي الفجر.. ترفيه للشعب وإيرادات خرافية للدولة.. منظر حضاري عالمي.. مع تشجيع السياحة من كل الدول القريبة في الشرق الأوسط وأفريقيا بدلا من السفر إلي أمريكا حيث "وولت ديزني".. انبهر إبراهيم شعراوي من العرض.. واتصل بي وبالمرحوم المهندس مصطفي البحيري لكي نتناول طعام الغداء معه ومع المصري الأمريكي الدكتور آمال نديم ليعرض فكرته علينا ونتحرك من أجل هذا البلد الطيب والشعب المسكين في ظل مسئولين بلا ضمير.. اشترط مصطفي البحيري عرضاً رسميا من إدارة شركة "وولت ديزني" لعرضه علي الحكومة.. *** ولأن هناك بلاد تعمل بضمير وكفاءة ليل نهار.. فوجئت بمكالمة من الصديق إبراهيم شعراوي يخطرني بأن الدكتور نديم معه عرض رسمي من الشركة.. فهو عضو مجلس إدارة.. وفرقة الرقص علي الجليد التي تقدم عروضها في الصالة المغلقة كانت في الأصل متوجهة إلي الصين واليابان.. فوق باخرة ضخمة لتحمل أثقالا لا حد لها.. ماكينات ضخمة لصناعة الجليد والمحافظة علي درجة حرارته مع ديكورات كثيرة وملابس ثم عدد كبير من الراقصين والراقصات والإداريين والعمال وغيرهم.. لذا رأي الدكتور نديم أن يمر علي مصر من باب زيادة دخل الرحلة الطويلة وليكسب سوقاً جديدة.. * ** هنا فقط.. ظهرت جدية العرض.. فالرجل مسئول وعضو مجلس إدارة.. وله كلمة مسموعة.. وحينما قرر زيارة مصر في الطريق إلي الشرق الأقصي.. فلم يعترض أحد.. لذا طلب مصطفي البحيري صورة من العرض.. علي فكرة.. الشركة درست الموضوع كما صوره لها الدكتور نديم شفويا بالتليفون.. وبعد 48 ساعة كان الرد.. هكذا الدول المتقدمة تعمل وتجني ثمرة عملها الدءوب. رأت شركة "وولت ديزني" تأجير أو كما يقول رجال الأعمال "عقد احتكار الانتفاع"!!! لمدة لا تقل عن عشر سنوات.. مع زيادة قيمة العقد كل عام بنسبة 25%.. مع المحافظة علي كل العاملين بالاستاد مع زيادة مرتباتهم إلي الضعف في البداية ثم بعد ذلك العلاوات المعتادة كل عام.. طبعا نسيت الآن ما سماها الدكتور نديم بالشروط المبدئية.. وأرجأ كل ذلك إلي نهاية الأسبوع حيث سيحضر نائب رئيس مجلس إدارة الشركة ومعه بعض المهندسين والإداريين.. وبالفعل حضر وفد "وولت ديزني" وبعد دراسة علي الطبيعة.. تغيرت بعض بنود العقد.. فقد رأت الشركة انها لكي تحول هذه المنطقة إلي "وولت ديزني الشرق الأوسط" تحتاج لعقد تزيد مدته علي عشرين عاما.. فهي تري مثلا أن موقف السيارات شاسع المساحة يجب استغلاله في ملاهي معينة مع حفر جراج في نفس مساحته تحت الأرض.. مثلاً.. أسوار الاستاد علي شوارع آهلة بالسكان والعمارات العالية لابد من استغلال هذه الأسوار في بناء محال عبارة عن كافتيريات وألعاب تسلية للسائرين في الشوارع كما يحدث في أمريكا.. باختصار.. الشركة ستصرف أموالا ضخمة وكثيرة.. فلابد من عقد طويل الأجل لكي تستفيد الشركة من عائد كل ما أنشأته.. خلال الاجتماعات المكثفة مع المرحوم مصطفي البحيري.. قال لهم: ان هذه المنطقة تضم استاد الكرة الرئيسي الذي تقام عليه أهم وأخطر المباريات.. وتضم أيضا مقار الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية.. وبعد المعاينة علي الطبيعة رأي رجال "وولت ديزني" أن لا مانع قط من استمرار المباريات علي الاستاد والبقاء علي مباني اللجنة الأولمبية والاتحادات.. لم تتم اية معارضة لهذا الأمر.. بل كان الرد بأن الشركة مستعدة لبناء مقار أخري للجنة الأولمبية والاتحادات في طرف المدينة خلف محطة البنزين التي تطل علي شارع صلاح سالم. *** بعد حوالي عشرة أيام أو أكثر أو أقل وصل مصطفي البحيري بصفة شخصية لأنه كان قد ترك منصبه كرئيس للاستاد.. وصل مع رجال "وولت ديزني" لشبه اتفاق نهائي.. تم عرضه علي الدكتور عبدالأحد جمال الدين رئيس المجلس الأعلي للشباب والرياضة الذي كان يقضي آخر شهور له في المجلس في نفس الوقت كانت مصر علي وشك استضافة دورة الألعاب الافريقية.. يعني ما يقرب من لاعبي ولاعبات وإداريي ومدربي وأطباء ومدلكي حوالي عشرين لعبة تمثل أكثر من 45 دولة!! وليس عندنا قرية أولمبية ولا ملاعب كافية.. ولا صالة مغلقة في مصر كلها.. ونحن نحتاج لمجمع صالات لا صالة واحدة.. كان الدكتور عبدالأحد جمال الدين وهو رجل فاضل لأبعد الحدود ومخلص في عمله.. ولكنه كان في نفس هذا الوقت في دوامة ما يعلم بها إلا الله.. لذا لم يعط هذا العرض الخرافي ما يستحقه من اهتمام.. ثم هو سيترك كرسيه للدكتور عبدالمنعم عمارة بعد أسابيع.. فنام الموضوع في الأدراج.. لان الدكتور عبدالمنعم عمارة ورث المسئولية الضخمة بالإضافة إلي ضيق الوقت.. وهنا ظهرت مصر التي لا تعرف المستحيل.. كفي بأن المهندس صلاح حسب الله بني أجمل وأكبر مجمع صالات في وقت خرافي مكان السجن الحربي الذي قام بهدمه في يومين.. وكنا نضحك مع الأخ صلاح حسب الله ونقول له: لو حفرت في الأرض ستجد جثث المفكرين والليبراليين الذين قتلتهم ثورة يوليو!!! وكان يرد بأن الموت كان هنا.. ولكن الدفن كان في الواحات!!! رحم الله شهدي عطية...!!! *** المهم.. العرض الخرافي ضاع في هوجة دورة الألعاب الافريقية.. ولكن المرحوم إبراهيم شعراوي بعد فترة قال لنا أنا والمرحوم مصطفي البحيري بأنه مستعد أن يستدعي خال زوجته الدكتور آمال نديم إلي مصر كضيف عليه.. ونعمل محاولة أخري خصوصا أن المجلس الأعلي للشباب والرياضة أصبح وزارة تولاها الدكتور علي الدين هلال.. وهو علي صلة ما قرابة أو جار بالأخ فاروق يوسف.. ذهبنا فاروق وأنا للوزير وقدمنا له العرض.. فلم يبد أي استعداد.. لماذا؟؟.. لأن مصر سيئة الحظ.. كل مسئوليها لمدة ستين عاماً لم تكن تهمهم سوي مصالحهم الشخصية.. ولك الله يا مصر.