كان للمايسترو صالح سليم النجم الرياضي التاريخي والرئيس الأشهر للنادي الأهلي في عصره الذهبي مقولة تؤكد أن البصمات الفنية للمدرب لا تظهر بوضوح علي لاعبي فريق إلا بعد مضي ليس أقل من ستة أشهر من بداية توليه المهمة.. ومن ثم فهو لم يتخذ قراراً متسرعاً بتغيير أو إقالة مدرب مهما ساءت نتائجه إلا بعد التأكد من عدم أهليته وصلاحيته.. وفي بلاد العالم المحترمة يؤمنون بضرورة منح المدرب الفرصة كاملة للحكم عليه بل يقدسون مبدأ التخصص ويهتمون بضرورة حسن اختيار المتخصصين لشغل المناصب التخصصية ومنها منصب المدير الفني أو المدرب.. ولعلك عزيزي القارئ تتعجب عندما تعلم أن المدرب جراديولا طلب من إدارة نادي بايرن ميونخ الألماني مهلة ستة أشهر ليدرس إمكانات لاعبي فريقه ويتفهم قدراتهم ويصمم خططه وبرامجه قبل أن يتولي المهمة.. هكذا يفعلون المحترمون.. أندية ومسئولون ومدربون ولاعبون.. ولعلك تندهش عندما تقارن بين ما يحدث في الستة أشهر التي طلبها جراديولا ليدرس فريقه الذي يحتل القمة الألمانية دون منازع وبين ما يحدث عندنا في هذه الستة أشهر والتي قد تشهد تغيير جهاز فني لفريق واحد كالاتحاد السكندري عدة مرات من أحمد ساري لكليبر لمحمد عمر.. وكأن هؤلاء المدربين يمارسون لعبة الكراسي الموسيقية لا يفتأ أحدهم يجلس علي سدة الحكم إلا ويتم الاطاحة به والإزاحة عنه ليحتله مدرب آخر وقد تكون الإطاحة أيضاً برئيس النادي الذي يري ضرورة التغيير والتطوير كما حدث مع عفت السادات في زعيم الثغر. أقول في البلاد المحترمة لا يتم الاقتراب من المدرب إلا بعد التأكد من عدم صلاحيته.. ولا تكون سوء النتائج وتواضع العروض هما الفيصل بل المهم عندهم حسن الاختيار وإتاحة الفرصة الكاملة والدعم المادي والمعنوي والمتابعة الجيدة العلمية.. وربما كانت هذه المقومات هي التي ابقت رجلاً كالسير إليسك فيرجسون مديراً فنياً لأشهر الأندية الإنجليزية وهو مانشستر يونايتد لثلاثة عقود متصلة.. وهي نفسها التي مكنت الرجل الوقور الهادئ أرسون فينجر من تولي قيادة نادي الأرسنال لأكثر من 17 عاماً.. هي نفسها المقومات التي قصرت قائمة المدربين للمنتخب الألماني علي عدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد طوال أكثر من قرن من الزمان ومنذ تشكيله حتي الآن.. هكذا يحرص هؤلاء المحترمون علي التعامل مع الأمور الفنية بدقة وحنكة.. أما نحن فنفتقد لهذه المقومات المحترمة.. بل لعلنا لا نتحلي بالاحترام الواجب فنتسرع ونتعجل ونندفع ثم بعد ذلك نرتد ونتراجع وننكص ونتخاذل ونتخبط.. فتصدر قراراتنا خالية من الدقة خاوية من الخبرة طائشة مائجة.. وهكذا الفوارق الشاسعة بين كرتنا وكرتهم.. هم يتعاملون معها باحترام.. ونحن بعشوائية وارتجال.. فتخرج كرتهم سريعة إيجابية ممتعة رائعة.. وتأتي كرتنا هائجة بطيئة رتيبة مملة.. ولا وجه للمقارنة بين الكرتين.. هم يلعبون الكرة بحق وحقيقي.. ونحن نمارس لعبة قد تشبه نسبياً ما يمارسونه.. لكنها في النهاية مختلفة ومتخلفة ومتراجعة وهابطة ومتواضعة.. الست أبالغ أو اتشاءم لو أكدت أن حالنا من الهبوط سيستمر طويلاً طالما مسلسل الأداء غير العقلاني للمسئولين عن كرتنا المهيضة.. لك أن تتخيل أن الموسم العشوائي الحالي الذي لم يمض علي بدايته أكثر من ستة أشهر بقليل ثم يتم تغيير عشرة أجهزة فنية من ال18 نادياً الذين يشاركون في الدوري الممتاز.. بعضهم تمت إقالته بصورة متخلفة وأسباب غير ففنية كما حدث مع أنور سلامة في نادي الجونة الذي استعان بالألماني تسوبيل مستقدماً أياه من قهوة النشاط الألمانية التي ظل مرتاداً لها لأكثر من خمس سنوات بصفته خالي شغل وعواطلي.. أما الباقون فقد كانت النتائج هي السبب وكأن المدرب لديه خاتم سليمان أو المصباح السحري القادر علي إنارة بصيرة اللاعبين فلا تطيش كراتهم وتذهب لاحتضان الشباك.. ويستثني من هذا العدد النادي الأهلي الذي هجر مدربه القيادة الفنية خاضعاً لإغراءات وإغراءات المادة وشاكياً من عدم توفير القيادة للدعم المادي والبشري اللذين يحتاجهما الفريق.. الاتحاد السكندري كما قلت قام بتغيير الجهاز ثلاث مرات ثم يأتي بين القائمة المقاولون العرب ووادي دجلة والإنتاج الحربي وطلائع الجيش والمقاصة والإسماعيلي وبتروجت. ولابد من التأكيد علي أن بعض المسئولين عن الأندية ينظرون إلي الأمور الفنية بنظرة سطحية تبتعد تماماً عن الواقع والحقيقة بل لعلي لا أبالغ لو قلت إن بعض هؤلاء المسئولين لا يفرقون بين الكرة والبطيخ سوي بلونهما.. الأولي بيضاء ببقع سوداء والثانية خضراء.. البعض الآخر منهم يعتمدون علي مستشاري السوء الذين يبغون المصالح الشخصية ويفضلون التكسب من وراء مواقعهم علي المصالح العليا.. البعض الثالث يتصور أنه يعلم كل شيء ويفهم في كل الأمور ومن ثم فمن حقه التدخل الفوري كما لو كان جراحاً ماهراً وهو يجهل مجرد مسك مشرط الجراحة ولا يصلح لأن يكون مجرد "مزيناً" والنوعية الثالثة هي الأخطر لأن أعضائها يجهلون جهلاً مركباً فهم يتصورون أنهم عالمون بينما هم أبعد ما يكون عن العلمية والعلماء.. وقانا الله شر أنفسنا وشرور الآخرين.