تصوير.. ريم عطية هو "فاروق" في كتاباته، الشعر منها والمقال، لا تعرف المراءاه طريقاً لكلماته، وقور، مطلع، مثقف، مناضل في سبيل الحق، متابع، متطور، متفاني، مصري، هادئ لكنه حاد، حاسم كالسيف، خلوق، ذواق... والكثير من الصفات التي لا يوجد متسع من الوقت لسردها، فهو "فاروق جويدة" حينما دخلنا مكتبه، وبعد ترحابه المميز، اكتشفنا أنه يعرفنا جيدا عندما قال إنه متابع لكلمتنا، ومعجب جدا بحماس وجرأة وتلقائية وصدق الكلماوية وروحهم التي يشعر بها بين سطور موضوعاتهم، وتعليقه البسيط على عامية اللغة، وتبريرنا بأنها لغة الشباب لكي نصل إليهم دون أي معوقات، ولكن... ومن أجل إرضاء شاعرنا جويدة... ها نحن ذا نكتب عن زيارتنا له بالفصحى. هل كانت بداياتك الصحفية صعبة؟ كانت صعبة للغاية، وعموما فإن أي شيء في مصر مرتبط بالرأي والفكر يكون أمره صعبا... فقضايا الفكر في مصر قضايا شائكة، وحتى الآن كل أسبوع أكتب فيه مقالا، يمثل اختبارا جديدا لي. ما أولى المغامرات الصحفية التي قمت بها؟ كنت وأنا طالب في الكلية وعمري 19 عاما، أتدرب في "روزا اليوسف"، وقمت بتجميع أرقام المسئولين آنذاك، واتصلت بهم جميعا علّ أحدهم يجيب عليّ، فأجري معه حوارا صحفيا، وبالفعل توصلت لوزير التربية والتعليم "سيد يوسف"، وارتديت بدلة وكرافتة - لم تكن متناسقة مع ملابسي- وذهبت لإجراء الحوار، وعندما رآني مدير مكتب الوزير (استحقرني) بشدة، وكذلك عندما دخلت للوزير، نظر لي بتعجب لصغر سني، ولكني في النهاية أجريت معه الحوار ونشر على صفحات "روزا اليوسف"... ومرت السنون وانتقلت "للأهرام" وعملت بها، وتقابلت مع الوزير "سيد يوسف" في صالة الاستقبال في "الأهرام"... حينها أمسك بي وقال لي (تعال أنت في بالي منذ أجريت معي الحوار وأنا لا أصدق أنك صحفي)، فأخبرته قصتي وأنني بالفعل لم أكن صحفيا وكنت طالبا، ولكنني الآن صحفي في الأهرام، حينها أشاد الوزير بجرأتي الصحفية، وكانت هذه القصة أولى مغامراتي الصحفية. هل بدايات الشباب الصحفيين الآن صعبة مثلما كانت في الماضي؟ أنتم في ظرف نفسي وفكري وإعلامي وإنساني أفضل من جيلنا بكثير، وذلك على الرغم من أن ظرفكم الاقتصادي الحالي السيئ... فمن الممكن للصحفي الشاب اليوم أن يعمل في أكثر من مكان دون حصار، حيث إننا كنا محاصرين في المكان الواحد الذي نعمل به... ولكن الآن بإمكان الشاب أن يعمل في جريدة "المصري اليوم"، أو ينتقل لجريدة "الشروق"، أو يكتب في "كلمتنا"، أو يعد فقرة في برنامج في التلفزيون، وإذا فشل في هذا كله، ينضم إلى "كفاية" ويقف على سلم نقابة الصحفيين ويتظاهر... كل تلك الاختيارات لم تكن متاحة أمامنا - نحن الصحفيين- آنذاك. أنا متصور أنكم ستكونون جيلا بلا سقف، ولابد وأن تكونوا بلا سقف... وأعتقد أنني لو بدأت الصحافة اليوم، كنت سأكتب صواريخ صحفية، وكنت سأستخدم كل ما أمتلك من مقومات فكر وثقافة وجرأة لكتابة تلك الصواريخ. كيف ترى شباب هذا الجيل؟ أنا أرى أن جيل الشباب مثقف جدا وواعي ولديه القدرة على النقد بأدب وتحضر والاختلاف بموضوعية، وسيكون الجيل الجديد أكثر فاعلية حيث إن طموحه أكبر، فلم تعد هناك تلك العقبات التي كانت تقف أمام الشباب في الماضي، ومن يستطيع أن يتميز اليوم، فإنه يتميز بالفعل، وأنا شخصيا متفائل جدا بكم، وأراهن عليكم، وعلى ثقة أن التغيير الحقيقي في مصر سيكون من خلالكم، وسنكون نحن من مهد لكم الطريق. وفي خلال 5أو 6سنوات سيصبح جيلكم محترما جدا... حيث إن هناك نماذج موجودة من الشباب مميزة جدا، فقد أرسل لي مجموعة من الشباب - أقاموا تجمعا شبابيا على الفيس بوك- مجموعة من الأسئلة التي تنم عن أنهم جيل (أروبة) وليس جيلا (تافها)، وعموما فأنا أرى أننا عندما نصل إلى القاع، فلا يوجد شيء بعده، إلا الصعود مرة أخرى. وقضية هذا الجيل الجديد ليست الحرية لأن الحرية قضية لا نقاش حولها، لكن قضية العدالة الاجتماعية هي المعركة الحقيقية في مصر، ف"العدالة الاجتماعية" هي المعركة القادمة لكم كشباب وكجيل، فهي حق جميل وعظيم، الله هو من وضعه وشرعه. إذا قرأت شعرا، واستطعت أن تعرف الشاعر من أسلوبه... فهل يعد هذا عيبا أم ميزة للشاعر؟ بالطبع هو نجاح وتميز، فلكل شاعر ألفاظه، ويكون النجاح كبيرا عندما يتعرف القارئ على كاتب تلك الأبيات دون قراءة اسمه، وكل شاعر لديه قاموسه من الكلمات الخاصة به، وقد قاموا بالفعل بحساب قاموس كلمات "شكسبير"، وتوصلوا إلى أنها 10 آلاف كلمة تقريبا... فهذه الكلمات هي ثروة الشاعر، ولكنه يعيد استخدامها بأشكال مختلفة. هل هناك قصائد كتبها فاروق جويدة ولم تظهر للنور؟ نعم، هناك بعض القصائد، لكنها ليست كثيرة، فالقصائد التي كتبتها وأنا في فترة الجامعة لم أنشرها لأنني لم أكن راضيا عن مستواها، ولرغبتي في أن أبدأ بداية قوية، فاستبعدت كل ما كتبت لأسباب فنية وليس لأسباب سياسية، حيث لا يوجد سقف لقصائدي، فالسقف يكون في الصحافة فقط، وقد نشرت من نتاج القصائد التي كتبتها خلال فترة الجامعة 4 قصائد فقط، في ديوان "حبيبتي لا ترحلي" الذي كان من أوائل دواويني. لكن تلك الأشعار غير المنشورة موجودة في منزلي، ولا أستطيع أن أستغنى عنها، أو أتخلص منها، لأنها جزء من عمري، وقد أوصيت أولادي ألا يتنازلوا عنها أو يقوم أي ناشر بإقناعهم ويأخذها منهم بعد موتي. متى ندمت على نشر قصيدة من قصائدك؟ لم أندم أبدا على نشر أي قصيدة، قد أكون ندمت على كتابة ونشر بعض المقالات، عندما كنت أتصور أن أحد المسئولين جيد، حتى لو لم أقابله، فأكتب عنه مقالا، ثم يخذلني وأكتشف أنه (مقلب)، ولم يحدث هذا الأمر كثيرا. ما أصعب الإحباطات التي واجهتك في حياتك واستسلمت لها؟ عندما تعرضت للأزمة القلبية، ظللت لفترة غير قادر على تجاوزها، حيث إنني لم أكن مريضا بالقلب طوال عمري، ولكن تم التحقيق معي بسبب مقالي عن القضاء لمدة 6 ساعات، ودخولي المستشفى بعدها كان مؤلما بالنسبة لي، أخذت قرارا بالانسحاب، وعدم الكتابة مرة أخرى، ولكن بعض الأصدقاء ومنهم الأستاذ هيكل كانوا يزورونني وأقنعوني بالعودة... وكانت هذه لحظة فاصلة جدا في حياتي، وكانت أعلى انكسارة في حياتي الشخصية. ما أصعب تحدٍ واجهك في حياتك، واستطعت التغلب عليه؟ الكثير من الإغراءات، مثل المال والسلطة والوظيفة التي عُرضت عليّ مقابل أن أتنازل، أو أدخل في الصف، أو أغني مع السرب، ولكنني اخترت أن أبقى دائما خارج الصف، حتى لو كان هناك ثمن، وأهم شيء أنه عندما يأتي الليل وأنام، أشعر بأنني اخترت نفسي. ما رأيك في الحراك السياسي السائد حاليا؟ أنا متفائل بهذا الحراك، وقد كتبت مقالا (مصر تتغير... ولكن إلى أين؟)، وقلت إن أرض مصر تتحرك، ولكن إلى أين تذهب... الله أعلم، ولكن لا يوجد توقع حتى الآن لأنه لم يظهر شيء بعد، ولكن المهم أن هناك حركة وتغيّرا بالفعل. ما رأيك في الافلام التي تركزا على عشوائيات وسلبيات مصر؟ أنا معه في عرض فيلم واحد فقط، يتطرق فيه لتلك السلبيات والعشوائيات، ولكنني لست معه في التركيز على هذا الجانب فقط في سلسلة أفلام... فعليه أن يطرق الحديد لمرة واحدة فقط، ولكن الاستمرار في عرض هذه الأفلام يكون نشرا لتلك الصورة. إذن فما هو دور الفن؟ الفن ليس مطلوبا منه أن يُجمّل الواقع، وإنما أن يرفض الواقع بالفن... ولابد أن يقدم تصورا، ويجسد القبح لكي يصل للجمال، ولكن القبح في حد ذاته لا ينبغي أن يكون هدفا، فنحن نجسد الظلم لنصل للعدالة، وليس لكي يحب الناس الظلم! كيف ترى قضية بيع التراث الفني المصري دون أن يكون للتليفزيون المصري الحق في عرضها؟ هذه مصيبة... كيف نتنازل عن تراثنا الفني لشركات تحتكر بث هذا الفن المصري؟! والكارثة أن إحدى هذه الشركات العربية قامت بإمضاء عقد شراكة مع شركة يهودية... فلا عجب أن تبث إسرائيل أفلاما مصرية ليس من حق التلفزيون المصري أن يعرضها، ولابد من إيجاد حل لهذه الكارثة، سواء باسترداد ذلك التراث المبيع، أو الحصول على نسخ منه، لأنه بهذا الشكل سوف تصبح إسرائيل مركز الثقافة العربية، وبالفعل قد صدمت حينما سمعت معلومات عني، لا أعرفها، في برنامج على الإذاعة الإسرائيلية! في ظل الوضع الحالي هل أنت مع التطبيع مع إسرائيل؟ أنا ضد "كامب ديفيد" من البداية، فهي أخرجت مصر من العالم العربي، وجعلت إسرائيل تنفرد بالمنطقة دولة دولة... وليس معنى ذلك أنني كنت أرغب في الحرب، ولكن كان من الممكن وضع شروط أفضل بكثير من التي وضعناها... ولكن الظرف التاريخي فرض على الرئيس السادات حسابات معينة خاصة بسيناء والرقابة الدولية عليها. ما رأيك في وضع مصر الداخلي حاليا؟ نحن في محنة وظرف تاريخي لا نحسد عليه، ولكن مصر تعرضت للكثير من المحن والأزمات من قبل، ومن كان يراها آنذاك كان يعتقد أنها لن تمر... ولكنها مرّت، ولذلك أنا على يقين أن المحنة الحالية ستمر. لماذا دعوت إلى انتقال العاصمة إلى شرم الشيخ؟ هذه دعوة خبيثة لتعمير سيناء بالمصريين، فعندما يتم نقل المصالح الحكومية إلى سيناء وعلى حدود مصر وإسرائيل، سيتم تعميرها خلال عامين، فلا يجب علينا أن نترك سيناء التي يوجد بها ثلث مساحة مصر خالية.. تخيلوا معي لو ترك القاهرة حوالي 5مليون فرد فقط.. ماذا سيكون الوضع؟ ما رأيك في الأوضاع الفلسطينية الحالية؟ ما يحدث بين الفلسطينيين وفتح وحماس.. مأساة، وهو أكبر خسارة للقضية الفلسطينية وأكبر مكسب لإسرائيل... وهذه الخلافات التي تحدث بينهم انعكست على علاقتنا بالفلسطينيين. في النهاية نود معرفة رأيك في "كلمتنا"؟ كلمتنا.. تجربة شابة واعدة في دنيا "صاحبة الجلالة" أشعر معها بروح الشباب المتدفق حرية وانطلاقا وشباباً، وأتمنى لكم التوفيق حتى أرى هذه الكوكبة في يوم من الأيام، في صدارة الصحافة الجادة. انتهى الحوار... وفي نهايته شعرنا جميعا ان مدة لقائنا كانت قصيرة، ورغم هذا الشعور فقد استمتع كل منا استمتاعاً منفردا، ولكن اتفقنا جميعا على أن مصدر تلك المتعة هو "فاروق جويدة"... فنحن جلسنا معه ما يقرب من الساعة ونصف الساعة، ورغم شعورنا بقصر المدة، إلا اننا فيها حاورناه واستمعنا إلى آراءه وضحكنا جميعاً على "خفة ظله" و "قفشاته" وفي النهاية وعدنا أن يزورنا على أرض كلمتنا.. تحية إليك أيها المبدع الرائع. كلمتنا - إبريل 2010