''عمر.. استيقظ ياعمر!'' جاءني صوتها من الخارج مختلطاً بوقع خطواتها المتلاحقة العجلة.. أترنح مابين النوم واليقظة، الصور والأصوات تصلني مشوشة! ''عمر!'' هُيِّئ لي أنها نادتني باسم ''عمر''! ولم أفهم لماذا ''عمر'' بالذات!! رغم عدم وجود تشابه بين ''فايز'' و ''عمر''!!. نهضت متثاقلاً مشوشاً، سرت إلى الحمام في بطء.. في الطريق إليه ألقيت عليها تحية الصباح. عندما خرجت كانت قد رحلت، تناولت فطوري الذي أعدته قبل رحيلها.. نظرت إلي الساعة، كانت الثامنة، بقيت ساعتان على الموعد. كلما اقترب الموعد كلما زادت فرحتي! دخلت إلى غرفتي، ألقيت بنفسي على السرير، كالطفل الصغير، في سعادة، فاليوم سأتسلم الجائزة وسيصافحني عميد الكلية وسيهنئني ويصفق لي الجميع! لم تكن سعادتي الطاغية لحصولي على الجائزة فقط، ولكن لأن هذه هى أول مسابقة أدبية أشترك فيها.. وحصولي على الجائزة يمثل دفعة قوية لي و... دق جرس الهاتف لينتزعني من نشوتي.. انطلقت مسرعاً نحوه.. رفعت السماعة.. كان صوتاً أنثوياً: -''مرحباً عمر!'' -''عفواً! لايوجد أحد بهذا الاسم!'' وضعت السماعة ثانية، وقبل أن أتحرك خطوة تذكرت فجأة هذا الاسم ''عمر'' اعتقدت أنني سمعته حديثاً.. حاولت أن أتذكر متى وأين؟! ولم أفلح! كما أن الصوت الأنثوي الذي انبعث من الهاتف ليس غريباً على مسمعي! تناسيت الأمر واتجهت لارتداء ملابسي.. ألقيت نظرة أخيرة على نفسي في المرآة.. لحظات وكنت في الشارع.. أشرت إلى سيارة أجرة.. في طريقي إلى الجامعة تخيلت العميد يعلن حصول الطالب ''فايز رمزي'' على الجائزة ويدعوني لتسلمها وأنهض مخترقاً الصفوف.. بينما الجميع ينظرون إلىَّ بإعجاب ويصفقون بحرارة.. وأنا أضم الجائزة إلى صدري! -''أهلاً ..عمر!'' انتبهت فجأة على صوت أحد المارة.. وهو يلوح لي بيده.. إنه صديق قديم ولكنه يدعوني بذلك الاسم ''عمر''! إنها ثالث مرة أسمع فيها نفس الاسم.. لقد تذكرت الآن! البداية كانت عندما أيقظتني والدتي، وكنت أعتقد أني سمعت الاسم خطأ، ثم الثانية في التليفون، والصوت الأنثوي كان صوت صديقتي ''صفاء''، والثالثة من هذا الصديق القديم. إنهم جميعاً يدعونني ''عمر''، بينما اسمي هو ''فايز''! بالتأكيد هناك خطأ في الأمر! ولكن إذا كان هذا الصديق القديم قد أخطأ في تذكر اسمي.. فلن تخطئ ''صفاء'' التي أراها يومياً.. وإذا كنت أنا أخطأت في تقدير الصوت الأنثوي المنبعث من الهاتف.. فلن تخطئ والدتي في اسمي.. وإذا أخطأ الجميع فلن يتفقوا على اسم ''عمر''! فلماذا عمر بالذات؟! أيكون اسمي ''عمر'' حقاً؟! ولكنني بالأمس كنت ''فايز'' فكيف أنام وأستيقظ وأصبح ''عمر''؟! ''أستاذ عمر'' جاءت هذه المرة من السائق الذي يبدو أنه التقط الاسم من الصديق القديم، كان قد توقف أمام مبنى الكلية. خرجت من السيارة.. توجهت إلى المبنى، كانت أول من قابلتها صديقتي ''صفاء''التي كانت فيما يبدو- غاضبة: -''ألديك تفسير لما حدث هذا الصباح؟!'' أدركت مغزي سؤالها، بينت لها أنني اعتقدت أنها تريد شخصاً اسمه ''عمر''! نظرت إلىَّ مستنكرة: -''ومن تحسب نفسك إذن.. أيها العبقري؟!'' نظرت إليها في شك: -''أنا فايز!'' ضحكت فجأة هى وبقية أفراد المجموعة: -''يبدو أن عدم حصولك على الجائزة قد جعلك تتمنى أن تكون ''فايز''!'' ضحك الجميع مرة أخرى: - ''هاهو فايز قد حضر'' أشارت إحدى الفتيات إلى الشخص القادم، فانطلقوا جميعاً نحوه، بينما وقفت أنا في ذهول أتساءل: إذا كان هذا هو ''فايز''فمن أكون أنا؟! ماذا جرى لكل من حولي؟! ''صفاء''وصديقي القديم وزملائي، حتى والدتي؟! لماذا يدعونني ''عمر''؟! وكيف يصبح هذا الشخص هو ''فايز'' على الرغم من أن ''فايز'' هو أنا؟! بدأ الطلاب والطالبات يتوجهون إلى قاعة الحفل.. سرت وراءهم كمن يمشي وهو نائم وأنا حائر مما يحدث لي، أشارت لي صديقتي ''أحلام'' بالجلوس على المقعد المجاور لها ''جلست وأنا لا أشعر بما يدور حولي: - ''ماذا بك... يافايز؟!'' انتزعتني عبارتها من تشتتي.. أردت أن أقول لها شيئاً..ولكن الحفل كان قد بدأ، ولزم الجميع الصمت.. وقف العميد يعلن عن فوز الطالب ''فايز رمزي'' بالجائزة. ما إن سمعت الاسم حتى وقفت قبل أن يقف ''الآخر'' ، واتجهت صوب منصة التتويج، وسط همهمة الحاضرين وتعالي صيحات الاستنكار والدهشة! لم أبالِ وأخذت أتقدم نحو الجائزة بخطى مسرعة. تحرك رجال الأمن نحوي سريعاً.. منعوني من الوصول إلى المنصة وأخرجوني من القاعة.. وأنا أصرخ ''أنا فايز،لا هو!!'' وقفت في ساحة الكلية، مشتت الفكر، لا أعي ما يحدث حولي، والتساؤل يخط علامته على وجهي: ''هل من الممكن أن يحدث أن أتوهم أنني شخصية أخرى لمجرد شعوري بالنقص نحوها؟!'' تسمرت مكاني طويلاً.. لم أشعر بها وهى تقترب مني: - ''ما الذي حدث لك ياعمر!'' نظرت إليها والدموع تذرف من عيني: -''ولكن أحلام نادتني بفايز!'' نظرت ''صفاء'' إلىَّ نظرات الشفقة: - ''لقد قلتها بنفسك.. ياعمر!إنها أحلام التي نعرف عنها جميعاً أنها غير صادقة، إنها دائماً تتحدث بأشياء بعيدة عن الواقع، أنسيت أننا أطلقنا عليها ''أحلام كاذبة؟'' ابتعدت عنها بخطوات بطيئة متثاقلة. في الشارع تمنيت أن تدهسني سيارة طائشة أو أن تبتلعني بالوعة مجاري بفمها لتنقذني من تلك الحيرة! أشرت إلى سيارة أجرة، كالمنوم مغناطيسيا دخلت السيارة: -''فايز! انتظر يافايز!'' جاءني صوت ''أحلام الكاذبة'' من خلفي، أردت الرجوع إليها، لكن السائق كان قد انطلق بالسيارة. أدرت المفتاح في الباب.. دخلت غرفتي، استلقيت على سريري كالطائر الذبيح، لم أدر كم مر بي من وقت! دق جرس الباب.. اتجهت إليه.. فتحته.. كانت ''أحلام'' تحمل في يدها مظروفاً، أعطته لي: -''إنها الجائزة التي تستحقها أنت.. لا هو!'' اختطفت المظروف من يدها.. سألتها: كيف حصلت عليه؟!'' ضحكت: ''لا يوجد ماهو عسير على أحلام!'' شكرتها.. استأذنت لتنصرف.. توجهت إلى غرفتي في سعادة.. ضممت الجائزة إلى صدري.. استلقيت على سريري ورحت في نوم عميق! -''عمر! استيقظ ياعمر!'' جاءني صوتها وهى تهزني برفق بيديها الحانيتين.. نهضت مسرعاً.. أردت أن أقول لها إنني لست عمراً.. تراجعت.. توجهت إلى الحمام.. عندما خرجت كانت قد رحلت! تناولت فطوري.. أمسكت بسماعة الهاتف..اتصلت بصديقي ''فايز''.. هنأته على حصوله على الجائزة.. ارتديت ملابسي واتجهت إلى الحفل! كلمتنا - إبريل 2001