منذ عدة قرون وإهتم السياسيون وزعماء العالم والمناضلين الثوريين بالخطاب السياسي سواء إنتخابياً أو رئاسياً أو دفاعاً عن قضية ما ، ف مازال العالم يذكر الخطاب التاريخي لزعيم الثورة السوداء مارتن لوثر كينج في مواجهة العنصرية ضد الزنوج في الولاياتالمتحدة والعالم ، وكذلك تلك الكلمات التي وجهها المهاتما إلي الشعب الهندي وعلى الرغم من إختلاف دياناته و لغاته إلا إنه إستطاع أن يجمعهم تحت لواء الحرية ، وليس ببعيد كان خطاب السيدة تاتشر رئيسة وزراء إنجلترا إبان الأزمة الإقتصادية حيث قالت جملة بالغة فى التحفيز ( يمكنك أن تستسلم إذا كنت تريد أن تدير ظهرك .. فأنا المرأة لن أستسلم و لن أدير ظهرى ) ، بكلمات قليلة يمكنك أن تؤثر على مشاعر الملايين وهذا ما يصبو إليه الزعماء والسياسيون في العالم ، وبعد قرون عديدة ومصر تدخل أول تجربة ديمقراطية في تاريخها تتمثل في الإنتخابات الرئاسية أظهرت فقر السياسين والمرشحين لتولي القيادة لفنون الخطاب السياسي بكل أشكاله . فالخطاب الإنتخابي و الرئاسي هو أحد الطرق التي يعمد إليها الرئيس أو المرشح للرئاسة لنيل ثقة الناس وجذبهم اليه عن طريق ما يقوله وما يصرحه به من وعود ورؤى وخطط إصلاحية ، وهو أحد العوامل التي من شأنها أن ترفع أسهم مرشح ما للسماء ، وتهبط بأسهم أخر للأرض لما له من دلالات كثيرة أهمها أن ذلك الخطاب يعكس ما يفكر به ذلك المرشح أو الرئيس ومدى مصادقية ما يقوله ويصرح به مع ما تعهد بإنجازه ، وكذلك أسلوبه وطريقة إلقائه وما فيها من لباقة و حسن صياغة وثبات إنفعالي .. وغيرها ، فالخطاب الإنتخابي أو الرئاسي هو أيقونة الكاريزما ، ذلك الأمر الذي يفسر ضرورة لجوء معظم المرشحين للرئاسة ورؤساء الدول فيما بعد إن لم يكن جميعهم لخبراء ومختصين في الخطابات السياسية لكتابة تلك الخطابات التي نسمعها من حين لأخر ، لما له من أهمية كبيرة في التأثير على الناس وتغيير المواقف من ساعة لأخرى . وذلك ما شهدته الإنتخابات الرئاسية المصرية منذ عدة أيام . فالمرشحين لمنصب الرئاسة في مصر تباروا على مدار أيام في إبراز أنفسهم أمام الرأي العام والشعب المصري عن طريق خطاباتهم التي وإن لم يكن بعضها خطابات صريحة ، فكانت ضمن مؤتمر أو مناظرة أو برنامج ، حيث قام كل مرشح بإلقاء ما لديه في خطاباته رغبةً في جذب المصوتين من الناس إليه ونيل ثقتهم ، وهو ما أكاد أجزم بفشل أغلب المرشحين فيه إن لم يكن جميعهم – ليس من قبل الفذلكة ولكن من أراء من لهم باع في ذلك المجال - فلم تكن خطابات المرشحين لمنصب الرئاسة المصرية على قدر كبير من الذكاء السياسي والحنكة اللازمة في تلك الأوقات المهمة من عمر المارثون الرئاسي ، بل إتسم بعضها بالعنجهية والعصبية وإتسم بعضها الأخر بالسطحية وعدم الإكتراث بأهمية المرحلة والهجوم علي البعض . فجاءات مناظرة السيد عمرو موسي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مناظرة شخصية بحتة إتستمت أغلبها بالمبارزة الشخصية والمعايرة ، وتبارى كل طرف في إبراز مساوئ الأخر دون الإهتمام بإلقاء الضوء على ما لديه من روئ وخطط مستقبلية ، وإن كان كلاهما يملك تلك الروئ والخطط إلا أنهم يفتقدوا للخطاب الإنتخابي والنقاط الواجب إتباعها في مثل تلك المواقف ، وكانت تلك المناظرة من أهم الأسباب التي أضعفت شعبية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وإيقاف الزحف التصويتي له ، ونفور مؤيدي السيد عمرو موسي لمرشحين أخرين لما رأوه من سطحية وشخصنة للمواقف بين كلا المرشحين . لما يختلف خطاب الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين كثيراً عن ناظريه السابقين ، فإنه وإن غاب علينا طوال أيام ترشيحه بحضور البرامج والمناظرات وحضور مؤتمرات يتكلم فيها المقدمون له أكثر مما يتكلم هو ، وبعد حصوله على المركز الأول في الجولة الأولى وضمان خوض جولة الإعادة ، أطل علينا بخطاب كاد أن يشبه خطابات النظار في المدارس الذي سوف يعاقب كل من لم يكتب الواجب ولكن هذه المرة سحقاً بالأقدام ، فبعض النظر عن الطريقة البدائية التي تحدث بها السيد مرسي وما تضمنته من عدم لباقة ولجلجة شديدة ، هدد السيد مرسي كل ما صوت للنظام القديم متمثلاً في الفريق أحمد شفيق والسيد عمرو موسى بالوعيد والسحق بالأقدام ، فقد كان بالأحرى بعد أن يوجه كلمة شكر لمؤيديه ثم يوجه كلمته للذين لم يؤيده ويخاطبهم بلغة لينة ومطمئنة ويجذبهم إلى صفوفه بدلاً من إخافة بعضهم وإرهاب البعض الأخر وهو ما لاقى إستهجان الكثيرين من لم يؤيده وعلامات إستفام كثيرة من الذين أيدوه . لم ينأي السيد حمدين صباحي بعيداً عن الوقوع في فخ الخطاب الإنتخابي ، فبعد ساعات قليلة من إعلان نتيجة الجولة الأولى وتأكد خروجه من الإنتخابات ، خرج السيد صباحي بخطاب حماسي شديد اللهجة تملئه عبارات الهجوم والسخط الشديدين ، وكأنه متفاجئ ومندهش من عدم حصوله على المركز الأول في إنتخابات إندهش فيها الجميع من حصوله على المركز الثالث وإعتبره البعض إنجاز ، فتعالى صوت السيد صباحي بالإتهامات والتي وإن كان بعضها صحيح بعد أن نجح في جمع أصوات أكثر من المتوقع إلا أنه لم ينجح تماماً في تلك المرة بما تفوه به من كلمات أظهرت كثيراً مما يخفيه السيد حمدين صباحي أثارت حوله العديد من التساؤلات ، وجاء ذلك الخطاب على عكس ما صرح به السيد حمدين صباحي طول فترة الدعاية الإنتخابية في البرامج والمؤتمرات حيث كان حديثه متوازن وعقلاني وجيد للغاية ومثل المرشح الوسطي الذي يبحث عنه غالبية الشعب المصري . السيد أحمد شفيق هو الأخر كان له نصيب من التخبط في الخطاب الإنتخابي ، ظهر ذلك جلياً طوال أيام الدعاية الإنتخابية حيث تضمنت خطابات السيد شفيق لعبارات وتصريحات قاتلة كان يجب أن لا يصرح بها أو حتى يقترب من الحديث فيها ، فما بين الأسف على نجاح الثورة والتجهيز لعقاب المتظاهرين المعترضين ، جاءت تصريحات السيد شفيق والتي مازالت تحسب عليه حتى الأن وتستخدم في الدعاية المضادة له ، ولكن خبرة السيد شفيق وإتباعه للأنظمة المعمول بها في كتابة الخطابات الإنتخابية ظهرت من خلال الخطاب الذي ألقاء بعد إعلان نتيجة الجولة الأولى من الإنتخابات وضمانه خوض جولة الإعادة ، فجاء حديث السيد شفيق في عبارات واضحة وصريحة ولكل الأطياف من أيدوه ومن لم يؤيدوه على حدٍ سواء على عكس ما كان متوقع تماماً . فالفترة السابقة أظهرت أن هناك مشكلة كبيرة في الخطاب الإنتخابي للمرشحين وأن أغلبهم لا يجيد فن الحديث أو التعبير عما يريد التصريح به ، فيقع بعضهم في أخطاء فادحة والبعض الأخر يظهر بشكل غير لائق ، فلابد للمرشحين الأخد بعين الإعتبار أهمية الخطاب الإنتخابي وما له من تأثير على الناخبين ، فبعد كل هذا الزخم والرهرطة الإنتخابية مازال مرشحونا يفتقدون إلى ما يسمي ب فن الخطاب الإنتخابي . قد يرى البعض ما أقوله شئ تافه لا أهمية له ، وقد يراه البعض هجوماً على المرشحين ، وهذا ليس بغريب علينا ، ولكن ما هو إلا ملاحظة بسيطة أثارت إنتباه المتابعين لخطابات المرشحين على حدٍ سواء ، وما نتخيله تافهاً في مجتمعنا يعتبره الأخر جزء من البرنامج الإنتخابي يؤثر بالسلب والإيجاب عليهم ، وكذلك ليس بهجوم على أحد بقدر ما هو إنتقاد بسيط لا قيمة له ، ولكن من لا يجيد فن الحديث مرشحاً اليوم لن يجيد فن الحديث رئيساً غداً.