رحم الله عمّنا جلال عامر، عاش زاهدا ومات فجأة. كان يقول عن نفسه: اسمى «جلال» وفى البيت «المخفى».. وأنا أول مواطن يدخل قسم الشرطة ويخرج حيا.. وأنا المصرى الوحيد الذى كتبت فى إقرار ذمتى المالية أن عندى «حصوة»، فأنا لا أمتلك «سلسلة مطاعم» بل فقط «سلسلة ظهرى»، وسلسلة كتب. إنه عمنا الذى اكتشفناه متأخرا جدا الساخر العظيم جلال عامر، الذى شاءت الأقدار أن نلتقيه قبل يومين فقط من دخوله المستشفى، وكان كعادته مبتسما بشوشا مرحا يستقبلنا بترحاب شديد ويخفى عنا آلامه. ذهبنا إليه وجلسنا معه فى الإسكندرية، وأقنعناه بأن يكون رئيسا للجمهورية طوال حوارنا معه، ووافق. وإلى نص الحوار: ■ كيف يمكن أن يتقدم الشعب المصرى؟ - الشعوب لا تتقدم بالموظفين بل بالمجانين، لأنهم يقال عنهم مجانين فى وقتها، ولكنهم فى المستقبل يقودون الشعوب إلى التغيير، لكن الشخص الموظف لا يضيف، فهو عبارة عن قطعة شطرنج جامدة لا تقوم بأى تغيير، فمن الصعب تحقيق التقدم والتطوير على يد الموظفين ولكنه يتم بالمجانين. ■ متى يمكن أن نرى رئيسا مجنونا لمصر؟ - المرشحون الحاليون موظفون، واحنا فى زمن «عمرو»، فكل من اسمه «عمرو» يتصدر المشهد، بداية من عمرو موسى ومرورا بعمرو الليثى وعمرو حمزاوى وعمرو الشوبكى وحتى عمرو دياب. ■ من سيكون مطرب دعاية الحملة الخاص بك؟ - تسجيلات عبد الحليم حافظ الله يرحمه.. أنا أسمع لبعض مطربى الأجيال الجديدة مثل إيهاب توفيق وبهاء سلطان ومحمد منير وشيرين، وهناك مطربون كثيرون حاولوا تقليد عبد الحليم، لكن «ماخدوش منه غير البلهارسيا». سألناه: ماذا لو أصبحت رئيسا للجمهورية؟ أجاب: هطوّر التعليم.. وهعمل وزارة للحب.. و«هصدَّر الطرشه» أتمنى أن أهاجر إلى جزيرة «تاهيتى» لكن مشكلتى فى جواز السفر آخر حوار للساخر الكبير جلال عامر قبل وفاته إحنا فى زمن «عمرو».. والمرشحون الحاليون للرئاسة موظفون ■ هل ستعيِّن نائبا لك؟ - الدستور لا ينص على ضرورة وجود نائب أو عدة نواب لرئيس الجمهورية، لكن لا بد أن يحدث نوع من التغيير، فيمكن أن يكون النائب قبطيا أو امرأة، لأننا يجب أن نرى فستانا أو صليباً بجوار الرئيس. ■ من أين ستلقى خطابك الرئاسى الأول؟ - هما باعوا كل حاجة ف مصر، القصور والسدود والمبانى، فأظن أنى سألقى خطابى الأول من عند حماتى. ■ أين سيكون قصرك الجمهورى؟ - عند حماتى برضه، وستكون امرأة مصر الثانية. صحيح بعض المرشحين لديهم ثلاث وأربع زوجات، وبالتالى فهم يحتارون فى اختيار السيدة الأولى، لكن غالبا ممكن يقسموها كل واحدة ثلاثة أشهر ويكتبون «السيدة الأولى عن شهر مارس». ■ ماذا ستكون عاصمة مصر؟ - إسكندرية طول عمرها عاصمة مصر، وهى سبب غيرة أهل القاهرة مننا، ولما حد مننا بيروح هناك بيحاربوه، وعندنا مثال على ذلك، الست بدرية، اللى قعدت تغنى 40 سنة «طلعت فوق السطوح أنده على طيرى»، فضلت تنده على طيرها 40 سنة ماحدش سمعها، لأنها إسكندرانية. ■ هل يمكن أن تنشئ وزارة للأنابيب؟ - الأنبوبة هى الوحيدة التى تستحق أن تُحمَل على الأكتاف لتكريمها. ■ ما فكرتك الرئيسية للنهوض بالمواطن المصرى؟ - لا بد أن تكون البداية بحل مشكلة التعليم، لأن مناهجنا التعليمية تحتاج إلى تغيير فى طريقة أداء المدرسين والعلاقات الهيكلية داخل المدرسة ما بين الناظر والمشرفين على التعليم، فمشكلة التعليم هى أم المشكلات بالنسبة إلينا. ■ ما أول قرار ستتخذه بعد الرئاسة؟ - سأوقف أى قرارات تتناقض مع خطة تطوير التعليم، لأن البلاوى اللى بنشوفها كلها سببها عدم تنمية البشر، يعنى الجهل هو اللى بيقوم بالانتخاب، هو للى بيعمل مشاكل وشرور، هو اللى بيسرق... أنا اتعلمت فى قسم الفلسفة إن الجهل هو أبو الشرور، فأى شىء يتناقض مع خطة التعليم أوقفه لتنفيذ خطة يضعها خبراء فى سبيل تطوير التعليم فى البلد، هو دا أول قرار هاقوم بيه علشان نخلص من المشاكل الفلكلورية الموجودة، عندنا مشاكل تحولت إلى فلكلور، وآثار البلهارسيا بقالها 200 سنة ومش عارفين نقضى عليها، الأمية بقالها مئات السنين ومش عارفين نقضى عليها. ■ ما الذى أدى إلى تدهور التعليم بهذه الصورة؟ - هذه المشكلة من سنة 1517، وأنا أقول إنها سنة فاصلة فى التاريخ، لأن فيها تم تعليق الاحتجاج على كنيسة فتيمبيرج فى ألمانيا لفصل الدين عن السياسة، وفى نفس السنة قام العثمانيون بإدماج الدين مع السياسة، وأصبحت أوروبا تسير إلى الأمام ونحن نسير إلى الخلف، وفى هذا العام تم فصل الجنوب عن الشمال، وفى هذا العام بدأ يظهر الفاصل الكبير بيننا وبين أوروبا. ■ ما الحقيبة الوزارية التى يمكن أن تضيفها؟ - نفسى أنشئ «وزارة الحب»، فمنذ منتصف السبعينيات بدأ شحن الكراهية، كراهية المسيحى والأهلاوى والصعيدى، حتى أصبحت الكراهية جزء مننا، بنتنفسها، وكلمة «حب» أصبحت حرام لأنها ارتبطت بالجنس، كأنه ليس ممكنا أن يحب الإنسان شجرة أو كتاب أو حتى أمه. كلمة الحب شوّهناها، ماعندناش حاجة اسمها تسامح، بقى فقط الحقد والغل والكراهية ضد كل شىء جميل. ■ ما الذى نحتاج إليه لنعيد الحب والتسامح بين المصريين؟ - يقول العلماء إننا محتاجين من 15إلى 20 سنة من العمل الدؤوب، ونحن لم نبدأ بعد. ■ ماذا سيكون منصب «الباتعة كيكى» فى فترة حكمك للجمهورية؟ - أنا همسّكها رئيسة ديوان المظالم، أى حد عنده مشكلة يروح لها وهى تتصرف، وهاسيبها تأدب البلطجية. كانت ست شديدة، كانت بتعمل شوية عمايل فى بحرى! هى مثال للست التى بتجيب حقوقها وحقوق الآخرين، الباتعة كيكى هى الفكرة البلدى للساموراى الذى يقوم بحماية الآخرين. صحيح عندها شىء من الجهل وادّعاء المعرفة، ولكن طبيعتها نقية. ■ الإخوان مصدر تهديد لك، ماذا سيحدث معهم فى حال توليك الحكم؟ - ولا حاجة.. ومش باتهدد أنا لوحدى، أنا وكل الكتاب إلى بيدعوا للدولة المدنية. أنا باخاطب الناس من باب الاستنارة، ولن ألجأ إلى الإقصاء أو الاعتقال أو التعذيب أو الحاجات دى لأنها أفعال غير إنسانية، ولكن كله هيبقى بالقانون، وأتمنى عند إصلاح حال التعليم يكون حالهم أفضل، وعلى فكرة، عندهم شباب كويس وبعضهم شديد الإعجاب بيا وبكتاباتى. الشباب دا خامة طيبة من الممكن يكونوا سبب فى تغييرهم مستقبلا. ■ ما رأيك فى الإخوان والسلفيين؟ - ماينفعش نقول إنهم دخلوا عن طريق الشباك، هما دخلوا من الباب «الاقتراع»، بس غشّوا أهل العروسة، يعنى ماينفعش أقول أنا مهندس وانا معايا دبلوم صنايع، أو أنا هادخلك الجنة، دا موضوع مش فى إيدك دا ف أيد ربنا. ■ هتعمل إيه فى حزب الكنبة؟ - إحنا بنقول كنبة تجمُّلا لكن الناس كلها باعت الكنب وبتقعد ع الحصر والأرض، وبمناسبة الحصر عندنا واحد فى بحرى اسمه «محمد بوبة»، عندنا زاوية فى ضهر أبو العباس، الراجل كتر خيره بيّضها ومحّرها وجاب لها حُصر وكتب على الباب «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر» وجنبها «بوبة». ■ كيف ستحد من ظاهرة الاستغلال الدينى؟ - للأسف احنا فى عصر الاستغلال الدينى، يعنى أمهاتنا إللى فى حفلات أم كلثوم إلى بتيجى على «روتانا زمان» ولا واحدة فيهم محجبة، معنى كده إنهم عاهرات؟ أكيد لا طبعا، مش منطق، فى الأول شدوا الحزام، وبعدين خلوه نقاب، المفروض إن اسمه «قناع»، يختار لك هو اسم ويقول لك عليه «نقاب»، فتيجى تقول منقبة، اسم مخيف، يروح يقول لك لا قول «منتقبة»، الفكرة هنا فى اختيار لفظ سهل زى مثلا زمان كان يقولك تطرُّف رغم إنها كلمة ثقيلة، لحد ما حوّلوها ل«إرهاب». أنا دلوقتى بقيت باشوف الحاج سعيد بتاع شَربة الدود إللى بتشفى من كل حاجة بسبب إللى بنشوفه الأيام دى، زى اللاصقة اللى بتشفى الرمد والعظام والروماتيزم. ■ وماذا عن ماسبيرو؟ - ماسبيرو به أكثر من 50 ألف موظف «فارشين حصر» فى المبنى و«حاطين قلل»، ومثال غير مشرف للإعلام، وف مرة رحت مبنى «الأهرام» لقيتهم على الساعة 12 بيجروا بالقباقيب، ويا ريتها صلاة الظهر، ولكنها كانت صلاة كسوف الشمس! هذه ليست استنارة، الاستنارة الحقيقية عدم استغلال واحترام وقت غيرك، بمعنى لو شخص محتاج إمضاء على ورقة، ليه تعطله وتقول له بكرة، وانت رايح تصلى صلاة الكسوف؟ علشان نطهّر ماسبيرو لازم نقلل العدد الموجود للتلت، وطبعا لازم نديهم حقوقهم كاملة، وكمان هانقل المبنى لمدينة الإنتاج. ■ كيف ستقوم بحل أزمة المواصلات؟ - ممكن نقسم أيام الأسبوع، تلاتة للعربيات صاحبة الأرقام الزوجية، وتلاتة لصاحبة الأرقام الفردية، ويوم مشترك زى دول جنوب شرق آسيا، ولا بد أن يكون هنالك احترام للمرور، وتوسعة للطرق، لأننا بنشترى طيارات أكتر ما بنوسع الطرق. ■ ماذا عن العشوائيات؟ - إحنا لازم ناخد بالنا من العشوائيات لأن البطون الخاوية تجعل الميادين ممتلئة، ممكن أفرض ضريبة إجبارية باسم العشوائيات، وتطبق على من يستحق، بحيث يتم التخلص من هذه المشكلة بعد 20 سنة، ودا بعد العمل المخلص وتغيير وجهات نظر المجتمع. ■ ماذا سوف تصدر وتستورد؟ - أستورد ما يحتاج إليه الوطن من أساسيات، وأستبعد الكماليات، زى ما كان عبد الناصر بيعمل، أما لو هاصدّر فهاصدّر الطرشا. ■ هل سنعتمد أيضا على الصين فى الاستيراد؟ - الصين، رغم قوتها الاقتصادية، هتنهار، لأنها خالية من الحرية، زى تجربة الاتحاد السوفييتى الذى ركع أمام إرادة الشعوب لأنها غير قائمة على الاقتناع والمحبة والحريات. الصين عاملة زى جوازة الغصب، هييجى عليها يوم وتنهار. تجربة الصين دلوقتى مزدهرة، وباقول إنها هتنهار مش زى بعض المذيعين بيتكلموا بأثر رجعى، واحد يقول لك أنا كتبت أيامه «القطة السودا طلعت فوق السفرة كلت الأكل»، وكنت أقصد مبارك. وفى لحظة انهيارها هتبقى عبء كبير على العالم، تخيلوا لو اتنين مليار بيتوزعوا على العالم كله! ■ ماذا سيكون المشروع القومى فى فترة حكمك؟ - أنا بقيت أخاف من المشاريع القومية الكبيرة، لأن مصر لم تعد تتحمل تدفق وسيولة كبيرة فى مشروع واحد، مصر تحتاج إلى مشروعات متوسطة وسريعة العائد. ■ ما الأماكن الشعبية التى تزورها فى القاهرةوالإسكندرية؟ - فى القاهرة أنا عارف حى بولاق أبو العلا بكل تفاصيله من درب شماخ لدرب شلختى، وبازور القاهرة الإسلامية وبازعل على التعديات اللى حصلت عليها، أما إسكندرية فدى حبيبتى، باحب أروح أى مكان فى اسكندرية بعيد عن الخرسانة المسلحة. ■ هل تزور الأضرحة؟ - الإيمان بالموت لا يحتاج إلى زيارة الأضرحة، فحقيقة الموت يتم إدراكها عن طريق العقل والحواسّ والإحساس، وأهم شىء أن تكون قويا صادقا مع الله مبتعدا عن المعاصى غارقا فى عمل الخير. ■ ما الذى ينتظره جلال عامر؟ - أتمنى أن أهاجر إلى جزيرة «تاهيتى» لكن مشكلتى فى جواز السفر.