هى فرصة رائعة، وها هى سانحة لمصر، قد تمثل تحولا وقد تحول دون مزيد من الأخطاء التى تتعثر فيها خطوات ثورة وثوار يناير. إنها المظاهرة المليونية التى دعت لها وتنظمها القوى الإسلامية يوم الجمعة القادم، واللافت أن الحركات التى دعت لمظاهرات 25 يناير ثم لجمعة الغضب وما تلاها من جمعات هى القوى المتهمة الآن من الإسلاميين بمخاصمة التدين، بينما الذى اختار الجمعة موعدا لمصر ونصرتها فى مواجهة الاستبداد، والذى تخير المساجد منطلقات للمظاهرات، والذى وضع تقليدا عربيا صار رائدا وهو التظاهر بعد صلاة الجمعة هم الليبراليون واليساريون والقوى المدنية التسع التى وقفت وراء ثورة يناير. نتجاوز هذه الملاحظة الشكلية المضمونية ونتأمل فى مليونية القوى الإسلامية المزمعة الجمعة القادمة، فندرك كم هى فعلا حدث مهم وإيجابى ووطنى ولا بد أن يرحب به كل مخلص لتقدم وترقى هذا الوطن، وكل ناصر ومنتصر لقيم ثورة يناير الأصيلة فى الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة، بل نعتبر هذه الجمعة إضافة حقيقية لمكتسبات ثورة يناير. تفتكر لماذا؟ أقول لك: أولا: هذا حق لكل مصرى أيا كان اعتقاده أو تياره، حق مشروع فى التظاهر والاعتصام السلمى دفاعا عن رأى أو مطالبة بتحقيق أهداف، أو رفعا لشعار. ثانيا: عندما نرى مليونا من المواطنين المنتمين للإخوان المسلمين وحركات السلفيين والجماعات الإسلامية فى ميدان التحرير لا بد أن نفخر بأننا كلنا نجحنا فى إنقاذ البلد من الاستبداد لدرجة أن هذه الفصائل، التى بعضها كان محظورا والآخر كان مسجونا، والثالث كان محصورا وكلهم عاشوا بين الصمت المقهور أو التواطؤ المضطر أو العجز المبرر، إذ بهم الآن فى منتهى الحرية والديمقراطية فى ميدان هو قلب مصر بلا خوف ولا حذر ولا اضطرار ولا اضطراب. ثالثا: إنها المرة الأولى تقريبا منذ الثورة التى يرفع فيها الإسلاميون جميعا شعارا بين السياسة والدين، وهذا تطور محمود، فالشهور الأخيرة استنفدت طاقاتهم (وطاقة الوطن) فى المظاهرات الطائفية التى تطور بعضها لعنف كاد يشعل نارا أو أشعلها فعلا فانطفأت أو خمدت أو دفنت تحت رماد، لا أحد يعلم متى ومن سينفخ فيها لا قدر الله؟ رابعا: هذه فرصة لاستعراض قوة الإسلاميين فى الساحة ليطمئن من يريد أن يطمئن ويفزع من يفزع ويرتب كل طرف بمن فيهم الإسلاميون لتحويل هذه القوة الجماهيرية إلى إضافة للسياسة والاستقرار والتطور الديمقراطى وليس خصما من رصيدهم ورصيد الوطن. خامسا: يثق المرء فى تعقل قيادات هذه القوى وحرصها على صورتها وجوهرها وهو ما يجعلهم أشد الأطراف حرصا على سلمية وتحضر المظاهرات وعدم جنوحها نحو التكفير والتعصب، وهى فرصة لبث روح التسامح والقابلية لتقبل الاختلافات، فالخروج عن السلمية سيطلق صفارات خطر ستعطل هذه القوى عن الدخول الآمن لمسرح السياسة، وربما يحرك ذلك قلق المجلس العسكرى، وهو ما لا أظن أن القوى الإسلامية وقياداتها تسعى أبدا لهذه النتيجة. سادسا: هى فرصة كذلك للقوى الداعية والداعمة لمدنية الدولة أن تعرف وتتعرف على قدرات لدى القوى الإسلامية فى الحشد والتعبئة تخفف من حدة الاستعلاء البغيض لدى بعض خصوم الإسلاميين ويفهمون أن جماهير عريضة تنتصر لهذه الأفكار الإسلامية فلا يمعن هؤلاء فى النظرة الفوقية والإحساس الوهمى بتفردهم فى ملكية الثورة. سابعا: مليونية الإسلاميين فى مواجهة مليونيات سابقة للقوى المدنية تقود إلى توازن القوى، مما يدفع بدوره للتوافق والتفاهم وليس للتغلب والمغالبة وهو ما تحتاج إليه هذه المرحلة فى حياة ثورة، تريد أن تنقل وتنتقل بالوطن من عصر بائد إلى عصر سائد. ثامنا: هى فرصة رائعة ليعرف شباب الثورة بحماسه وإخلاصه واندفاعه أن الانتصار للثورة ليس فقط بالمظاهرات والمليونيات، فهناك من يقدر على تنظيمها وتسييرها وإنجاحها أيضا، ومن ثم ينتقل الانتصار للثورة إلى مرحلة السياسة والعمل الحزبى والانتخابى والفوز بالصناديق، وليس فقط بحرارة المليونيات والمسيرات والمنصات، خصوصا لو كانت فى حرارة يوليو وأغسطس ! هى فرصة رائعة فعلا أرجو ألا نضيعها جميعا .