تنسيق الجامعات 2025| فتح موقع التنسيق لتسجيل الرغبات بالمرحلة الأولى    صالون تنسيقية شباب الأحزاب يناقش أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    سعر الجنيه الذهب اليوم 28 يوليو في ختام التعاملات    جامعة قناة السويس تتسلم شهادتي الأيزو 21001:2018    الجبهة الوطنية: كلمة السيسي بشأن غزة عكست موقف مصر الثابت تجاه فلسطين    وسائل إعلام عالمية تبرز تأكيد السيسي: مصر لا تعيق دخول المساعدات إلى غزة    تبادل لإطلاق النار في أتلانتا يسفر عن مقتل شخص وإصابة 10 آخرين    16 ميدالية.. حصاد البعثة المصرية في اليوم الثاني من دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مروان عطية يحتفل بمولودته الأولى ويطلق عليها هذا الاسم    تشييع جثمان شاب قُتل بطلق ناري خلال حفل زفاف في الدقهلية (صور)    محافظ سوهاج يوجه باتخاذ تدابير لإنهاء ظاهرة الحرائق المتكررة ب«برخيل»    وزير الثقافة يهنئ الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر بعد اكتمال تشكيلها    سميرة صدقي: محمد رمضان وأحمد العوضي لا يشبهوا فريد شوقي    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    هل تناول الفاكهة يرفع نسبة السكر في الدم؟    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    طريقة عمل الكريم كراميل، تحلية صيفية مميزة    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    توقعات: دوري ملتهب وحار جدًا!    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    السباحة الأمريكية وولش تظفر بسباق 100 متر فراشة    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    التحقيق في مصرع شخصين في حادث دهس تريلا بدائرى البساتين    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 28 يوليو في سوق العبور للجملة    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل جمال يكتب: فى ضرورة الاحتفاء بانتصاراتنا اليومية الصغيرة
نشر في كلمتنا يوم 24 - 07 - 2011

لماذا يسيطر الاكتئاب على الثوار؟ لماذا لا يسعدون بأنهم أسقطوا حكومة بضغط الشارع وأجبروا من هم فى كرسى القرار على الانصياع؟ وهل يجدر بهم أن يشعروا بالاحباط حينما تجيء الحكومة الجديدة أقل كثيرا من المطلوب؟ أو عندما يستخدم المجلس العسكرى لغة شديدة الشبه بلغة النظام القديم وهو يتهم حركة 6 أبريل بالاسم فى بيان بالعمل على الوقيعة بين الجيش والشعب؟ لماذا لا يحس بعض الثوار بطعم تلك الانتصارات اليومية التى تحققها ميادين مصر فى ساحة السياسة، وعمالها وموظفوهها ومنتجوها فى ساحة المواجهة الاجتماعية؟
تكمن الإجابة على كل هذه الأسئلة فيما يجب أن نتوقعه فى أعقاب ثورة. فكل من يتخيل أنه بضربة واحدة، مهما كانت بطولية، تنتهى معركة التغيير هو واهم. حتى فى أعقاب ثورة، يكمن لنا النظام القديم فى كل ركن. ليس فقط فى صورة أشخاص أو قيادات ممن كانوا ينتمون له أو كانت مصالحهم تتوافق معه. لكن الأخطر أنه يستمر فى الحياة فى صورة أفكار ونسق يقبعان بثقلهما الميت على أكتاف الثوار. يعنى ذلك معارك من كل نوع كالتى فرضت نفسها على كل الثورات فى التاريخ، والثورة المصرية ليست استثناء من تلك القاعدة العامة، بل إن تصنيفها فى عالم الثورات يجعلها أكثر عرضة لها.
أى نوع من الثورة؟
السمة الأساسية لكل الثورات هى ذلك الوجود الجماهيرى الكاسح، ذلك الاقتحام المفاجيء القسرى للأغلبية لعالم السياسة الذى كان حصريا على أصحاب المصلحة فى استمرار النظام القديم. ينجح هذا التدخل فى إزاحة حكومة أو حاكم أو ديكتاتورية جنرالات، كما حدث مرارا فى أمريكا اللاتينية بعد أن يلقى الرعب ويثير الانقسام فى أوساط الطبقات الحاكمة فتصبح الثورة سياسية. لكنها تتحول فقط لثورة اجتماعية، تسقط النظام بحسب مطلب المصريين فى يناير، حينما تطيح بدولة هذا النظام وتستبدلها بأخرى، تعبر عن علاقات اجتماعية جديدة، تخلق توازنا جديدا فى الاقتصاد ومن ثم السياسة.
على هذا الأساس الثورة المصرية أنجزت نفسها كثورة سياسية أطاحت بحكم مبارك وحزبه وأجبرت النظام على التراجع والدفاع فى مواجهة الضغط الكاسح للأغلبية. والحقيقة أن هذه مرحلة لابد منها فى طريق الثورة الاجتماعية، بالمعنى الذى تحدثنا عنه، خاصة لو كانت الثورة السياسية فى مواجهة الديكتاتورية.
تعالوا ننظر فى تاريخ الثورة الروسية عام 1917، وهى أكثر الثورات الناجحة تمثيلا لنمط الثورة الاجتماعية. تعود جذور هذه الثورة التى أطاح فيها فقراء الروس وعمالهم بنظام القيصر وحاولوا بناء نظامهم الجديد إلى قبلها بحوالى 12 عاما. ففى فبراير 1905 اندلعت أولى الثورات الروسية ضد حكم القيصر. وأجبرت هذه الثورة التى استمرت من 22 فبراير وحتى نهاية أكتوبر هذا الحاكم المستبد على إنشاء برلمان بصلاحيات استشارية) مجلس الدوما الامبراطورى). ولكن الاضطرابات استمرت وبلغت ذروتها فى إضراب عام فى أكتوبر 1905، للمطالبة بالحقوق المدنية الأساسية، وتشكيل الأحزاب السياسية، وتوسيع نطاق حق الانتخاب نحو الاقتراع العام، وإنشاء مجلس الدوما باعتباره الهيئة التشريعية المركزية.
انتظر القيصر نيقولا الثانى وجادل لمدة ثلاثة أيام، ولكن فى النهاية وقع على الوثيقة المتعلقة فى 30 أكتوبر 1905، نظرا لرغبته فى تجنب حدوث مذبحة، وإدراك أن هناك عدم كفاية القوة العسكرية المتاحة لتفعل خلاف ذلك. أعرب عن أسفه لتوقيع الوثيقة قائلا أنه يشعر «بالمرض مع العار على خيانة سلالته خيانة كاملة».
واستغرق الأمر 12 عاما حتى تكشف لجماهير الروس أنه يجب استكمال مهام الثورة سعيا وراء حياة أفضل. وحتى فى عام 1917، تطلب الأمر منهم ثورتين، إحداهما يمكن تصنيفها على أنها سياسية (فى فبراير 1917) لكى يتم تأسيس دولة جديدة أضفت الطابع الاجتماعى على الثورة (فى أكتوبر 1917). وبين فبراير وأكتوبر، خاض الثوار عشرات ومئات المعارك والمواجهات، السياسية والدعائية والنضالية فى الشارع. جرت انتخابات برلمانية، وأخرى موازية فى المجالس العمالية، وتأسست أحزاب وتحالفات حزبية جديدة وتفككت. خاض الثوار حربا أهلية ثم حتى بعد نجاح الثورة دخلوا فى حرب (نعم حرب) مع جيوش دول عدة جاءت لاستعادة النظام القديم بعد أن رأت فى بديله الجديد تهديدا داخليا قبل أن يكون خارجيا لها بما يلهمه لشعوبها.
هل هذا زمن إصلاحات؟
إن 6 أشهر ليس عمرا طويلا فى زمن الثورات. ومن يتخيل إن طبيعة المعركة تظل صفرية فى كل ميادين العراك وطوال الوقت هو واهم وغير فاهم لكيف تتغير أفكار الناس وكيف تتبنى الجماهير الثائرة مواقفها السياسية. فالمسار الذى يقود وعى الجماهير إلى المواجهة الصفرية، أكون أنا أو تكون أنت، مكتظ بالمئات بل وربما الآلاف من المعارك الصغيرة «الإصلاحية». وإلا فكيف حدثت ثورتنا من الأصل؟
لقد حكم مبارك بلادنا عشرات السنين. وعلى الأقل خلال العقد الأخير من حكمه، كان واضحا للكل مدى فساده وديكتاتوريته، والمنزلق الذى يأخذنا إليه نظامه فى عيشنا ومستقبلنا. لكن الناس لم تثر إلا فى 25 يناير. هل كان ذلك ممكنا بدون حركة التضامن مع الانتفاضة الثانية التى اندلعت منذ بداية الألفية الجديدة، وفتحت الباب لتظاهرات غير مسبوقة فى الجامعات؟ هل كان ذلك ممكنا بدون انتفاضة 20-21 مارس التى بدأت احتجاجا على ضرب العراق وتحولت فى دقائق إلى الهتاف ضد مبارك ونظامه ثم فتحت باب السياسة على مصراعيها برغم خفوتها سريعا لتولد حركة كفاية وحركة التغيير السياسى عموما فى مصر؟ هل كانت ثورة يناير ممكنة بغير كل أولئك الذين اكتظت بهم سجون مبارك لأنهم رفعوا صوتهم بمعارضته؟ ثم وهو فى رأيى الأهم، هل كانت الثورة ممكنة بدون ذلك النضال البطولى لمئات الآلاف من العمال والموظفين والفلاحين فى مواجهة سياسات الليبرالية الجديدة على مدى الست سنوات الماضية، وهو نضال كان يبدأ أحيانا بالمطالبة بعمل يقدم مرتبا لا يتجاوز 100 جنيه؟
هناك نوعان ممن يفصلون بين الاصلاح الذى تفرضه الجماهير، مهما كان جزئيا و»فئويا» وصغيرا، وبين العمل الثوري: الأول يرغب فى الاكتفاء به والإبقاء على النظام القائم ببعض التحسينات، والثانى هو للأسف من الثوريين الذين يرون فى كل مواجهة من تلك عملا صغيرا لا يستحق ويصرخون فى كل حين للمطالبة بأقصى الأهداف طموحا. وقد تكون هذه الأهداف مشروعة سياسيا واجتماعيا، ولكنه صراخ يفصلهم عن الجماهير التى تخلق الإمكانية الحقيقية لتنفيذها على الأرض، ويخنق الآلية التى تغير من خلالها الجماهير نفسها ومجتمعاتها.
إن وجود الثورة الاجتماعية والتغيير الحق كبوصلة فى المعركة الجارية الآن فى مصر بين النظام القديم والثوار ضرورى وحاسم. لكن تلك النظرة التى تقيس كل انجاز تنتزعه الجماهير على الأرض بنضاليتها وإصرارها وبطوليتها، كعمال السويس الذين لا يطلعون علينا فى الفضائيات، بمقياس أهداف قصوى فى أذهان بعض الثوريين فقط، هى نظرة قد تقودنا إلى سياسة متعجلة تلبس رداء الثورة زيفا لأنها تقودها إلى معارك فى توقيتات خاطئة ومواقف غير سليمة. إن النضال الجماهيرى الإصلاحى فى مجال السياسة ومجال القانون ومجال التشريع ومجال الأجور وحتى وزن رغيف العيش، نضال ثورى وانتصاره انتصار للثورة يجب أن نقدره ونحتفى به وبالقوة التى جلبته. لأنها به تتعلم ضرورة أن تتجاوزه إلى ماهو أعمق وأهم.
النور
الثورة فى تاريخ المجتمعات هى فعل خلق سياسى بيد الجماهير. وخلال كل مراحل التاريخ فإن النضال من أجل إصلاحات (حتى لو كانت تحسين الوجبة فى مصنع) يحمل القوة الدافعة التى تخلقها آخر ثورة. الإصلاحات التى تنتزعها الجماهير بأيديها بتنظيمها لنفسها وتضامنها تتمم الثورة التى سبقتها وتخلق الشروط لحدوث الثورة التى تليها. وفى هذا فإنه لا يجب أبدا التقليل منها ولا خوضها كشئون صغرى. وبالتأكيد يجدر بنا الاحتفاء بانتصارنا فيها كانتصار لمسار الثورة الاجتماعية القادمة. ومربط الفرس فى كل هذا كما يقوله الشاعر الكبير أمين حداد فى قصيدته «يُحكى أن» التى تغنيها فرقة اسكندريلا: شعبنا مسك النور بإيديه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.