بعد نجاح الثورة بأسابيع قليلة ظهر بعض قادة المجلس العسكرى فى الفضائيات ووجهوا رسالة رقيقة إلى رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف الحكومية قائلين لهم «يا ريت تقدموا استقالاتكم وتعفونا من الحرج»!. وبالفعل أثمرت الرسالة، وقدم معظمهم استقالاتهم، ومن أبى تمت إقالته. الآن وفى ظل الإحباط الذى نعيشه وبعد الاعتصام الذى بدأ مرة ثانية فى ميدان التحرير هل نحن فى حاجة إلى رسالة مماثلة من المجلس العسكرى للفاسدين والمفسدين فى جميع قطاعات الدولة؟، هل يظهر اللواء محمد العصار أو اللواء ممدوح شاهين أو اللواء اسماعيل عتمان ليطالبوا الفاسدين بالانسحاب من تلقاء أنفسهم بهدوء والانزواء فى ركن قصى خدمة لأنفسهم ولوطنهم الذين سرقوه طويلا؟!. لو أن كل فاسد أو «فلة» من الفلول، قرر أن يستقيل لأراح واستراح، لكن هذه الطريقة التى تراهن على طيبة قلب الفاسدين لا تجدى الآن، ثم إن هناك مسئولين كثيرين لا يعرفون أنهم فاسدون ويعتقدون أنهم الأطهر على ظهر البسيطة، وحتى أولئك الذين ناموا فى أحضان مبارك «يتبجحون» الآن بأنهم كانوا مجبرين على هذا الفعل الذى لم يمس عذريتهم بتاتا. هناك أزمة ثقة هى الأخطر منذ يوم 28 يناير بين الشعب والمجلس الأعلى.. فهل هناك حلول عملية للخروج منها؟!. فى السياسة لا توجد مشكلة من دون حل، لكن شرط أن يستبعد طرفا المشكلة «الحلول الصفرية»، وأنهما بالفعل يريدان الوصول إلى حل وليس تعجيز أحدهما، والأهم فى أزمتنا الراهنة أن تقتنع القوى السياسية على اختلاف تنوعاتها بأن القطيعة مع الجيش ليست فى مصلحة الوطن، وأن يؤمن المجلس العسكرى أن مصلحته لا تتعارض مع مصلحة المتظاهرين. المجلس الأعلى عودنا منذ يوم 11 فبراير على الشعور بنبض الشارع والاستجابة لمطالبه.. وهناك مليون طريقة لتنفيذ ذلك دون أن يشعر طرف أنه خاسر باعتبار أن الكاسب هو الوطن. وحتى لا يكون الكلام على عواهنه نقدم بعض الاقتراحات للخروج من الأزمة شرط توافر النوايا الطيبة. يمكن البدء ب«كنس» الفاسدين وأركان نظام الحزب الوطنى المتغلغلين فى تلافيف أجهزة الحكومة والدولة والمعروفين جيدا للحكومة.. ليس علينا فصلهم أو قطع أرزاقهم لكن على الأقل إبعادهم عن التأثير فى القرارات. يمكن المسارعة بإصدار وثيقة المبادئ فوق الدستورية، كما يمكن تقديم تسهيلات متنوعة للأحزاب الجديدة. بالنسبة للشرطة لا يوجد عاقل يطالب بحلها أو تسريحها، لكن يمكن البدء بخطة حقيقية لإصلاحها وإعادة هيكلتها وتطهيرها. يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أيضا الشروع فى إجراءات تتلافى كل الثغرات والعيوب التى ظهرت فى القضاء خلال السنوات الماضية. كما يمكن بسهولة إنشاء محاكم خاصة للنظر فى قضايا قتل المتظاهرين وسارقى أموال الشعب دون أن يؤثر ذلك على عدالة المحاكمات، نريد تسريعا فى الإجراءات وليس تأثيرا عليها أو «سلقا» للأحكام. يمكن أيضا إعادة النظر فى عدم تصوير المتهمين داخل المحكمة حتى يطمئن الشعب إلى وجود المتهمين فعلا. تحتاج الحكومة إلى بعض «القرارات الشعبوية» التى تعطى أملا للناس فى الغد، من قبيل إقالة مسئول مكروه أو الإعلان عن استعادة أموال مسروقة ومنهوبة، أو حل مشكلة ضخمة تؤثر فى كثير من المواطنين. المنطقى أن الجيش الذى «خلع» مبارك وانحاز للشعب لن يخذل هذا الشعب من أجل عشرات الضباط المتهمين بقتل الثوار أو مئات الفاسدين الذين سرقوا وطنا.