أغلب الركاب انتبه إلى ذلك.. نبهوا السائق.. فى البداية أبدى تفاهما ثم واصل طريقه بعد تغيير بسيط.. مرة أخرى بدا أن السيارة تسير للوراء.. فريق من الركاب عاود تنبيه السائق.. أخبرهم بأن ثمة طرقاً وعرة هو يحاول أن يتجنبها.. واستمر فى طريقه.. لكن السيارة راحت تجنح ناحية مصر القديمة.. وتمشى بجوار المساجد والكنائس وتلف وتدور حولها.. اعترض الركاب اليقظون، وطلبوا من السائق الخروج من هذه المنطقة فوراً.. لكن غالبية الركاب الآخرين كانوا شبه موافقين على أسلوب القيادة.. أحدهم أمسك لحيته بيده وقال فى تؤدة.. يا إخوان دعوه يقد.. هو يبدو أنه يعرف السكة جيداً.. أعطوه فرصة يا ناس.. واتقوا الله واتركوا الجدل العقيم هذا.. مر الزمن بطيئاً وبدأ نفر من الركاب يغمض عينيه.. تثاءب واحد منهم وقال: صحونى لما نوصل إن شاء الله يا شباب.. والشباب كانوا غاضبين ويحسون بالملل الشديد من بطء سرعة السيارة.. كان اتجاههم إلى مصر الجديدة عكس طريق السيارة.. وهم يعرفون الطريق جيداً ثم إنهم يجيدون استخدام «النافوجيتر» أى الملاح الإلكترونى.. لكن لا أحد يستمع إليهم.. كان صوت الشعر الأبيض المصبوغ هو الأعلى.. وراديو السيارة يبث أغانى قديمة إيقاعها رتيب جدا.. طلب بعض الشبان تغيير موجة الراديو.. لم يرد عليهم أحد.. قالوا للتباع أى لمساعد السائق.. فابتسم وطنش.. كان المشوار طويلا جداً وبدا الأمر كما لو كان مسرحية من مسرحيات العبث واللا معقول.. صمويل بيكيت نفسه بجلالة قدره.. لو عاش هذا الموقف الهزلى.. لمزق مسرحية فى انتظار جودو ستين ألف حتة.. ظلت السيارة تلف وتدور فى شوارع جانبية من العباسية إلى روكسى ومن ماسبيرو إلى وسط البلد ومن السيدة زينب إلى «المبتديان» بعد رحلة طويلة فى الأزقة والحوارى التى تشبه المتاهات.. والناس متذمرة وتكاد تنفجر من الغيظ.. بعضهم أجبروه على النزول فى لاظوغلى وآخرون نزلوا فى قصر العينى ليبحثوا عن حل.. كل ذلك ولما تزل السيارة تمشى ببطء شديد يكاد يصيب الركاب بالشلل الرباعى أو الشلل الرعاش أو كليهما معا لا قدر الله.. أما الشىء الذى يجنن الركاب الشباب فهو أن سيارات العالم من حولهم تجرى بسرعة الضوء، بينما سائق سيارتهم لا ينظر إلى عداد السرعة أصلا.. هل كانت لديه خطة للعودة إلى الماضى؟.. وحتى لو كان الأمر كذلك.. فالأولى به نظرية أينشتين.. التى تقول: إن الإنسان إذا استطاع أن يتجاوز سرعة الضوء، فإنه يخترق حاجز الزمن ويعود إلى الماضى.. كأنها خطة للعودة إلى نقطة الصفر فى كل الأحوال.. لكن الراكبين يكرهون العودة إلى تلك النقطة.. وللأسف الشديد لم يكن أمامهم إلا أن ينزلوا إلى «ميدان التحرير»، للبحث عن سيارة أخرى عصرية.. وسائق ماهر يعرف الطريق جيداً.