نقلا عن التحرير-إنها دائما تعاقب على أشياء ليس لها علاقة بها، فإنها كانت دائما تنتظر الأسوأ، ومنذ أن ماتت أمها وهى لا تزال طفلة صغيرة، امتدت مسيرة العذاب معها حتى وجدت نفسها فجأة تحت أقدام وأيدى والدها الذى لم يرحم صرخاتها بين يديه فانهال عليها ضربا، وهى تجأر بالصراخ، وتتوسل إليه أن يرحمها ويتركها، لكن قلبه العاصى على الإحساس بشعور الأبوة كان كالحجر، فواصل الرجل مهمته فى تفريغ حمول حياته وهموم معيشته على جسد الصغيرة صابرين التى لم تتجاوز التاسعة من عمرها، وكان لها من اسمها نصيب، فصبرت على وقع يد والدها وهى تهوى على رأسها وقدمه تصطدم بصدرها، وكانت عيناها تنظران إليه بين الركلة والأخرى تسترحمه وتكاد تنطق متسائلة: «لماذا تفعل هذا بى؟! ألست ابنتك؟!»الحجر الذى وضعه الأب بين ضلوعه بدلا من قلبه لم يأبه للصغيرة ودموعها حتى أسلمت جسدها للأرض وخارت قواها تحت ضربات السياط، وفى النهاية فقدت القدرة على الصراخ بعد أن منع عنها الأكل لأكثر من 48 ساعة، فذهبت بعيدا فى عالم اللا وعى هاربة من جحيم والدها وعذابه، إلى أن تسللت سيول الدماء من أنحاء جسدها النحيل تشق طريقها إلى الأرض لتكون بركة من الدماء معلنة أن المسافة بين الموت والحياة صارت أمتارا قليلة، وهنا كف عويل الكرباج، وخشى الرجل أن تموت الفتاة. فى الطريق بين المستشفى والمنزل كانت الصغيرة على أكف الجيران تتساقط دموعهم على وجهها، إلى أن استقرت هناك مستسلمة لمحاليل الأطباء وخراطيم الأجهزة كأنها ترفض الاعتراف بأن والدها هو من أصابها بحروق وكدمات وكسور تنتشر على رقعة جسدها الغض، وتسبب فى إصابتها بنزيف تحت الجلد، كل ذلك فقط لأنه أعطاها ملابسه لتغسلها فانشغلت بشقيقاتها الثلاث اللائى صرن بناتها منذ وفاة والدتهن، ونسيت الملابس خلف الباب، فكان عقابها أشد قسوة على يد الأب الذى ظن أنها تتجاهله، بينما الصغيرة لا تقوى إلا على أن تعيش خادمة لأبيها وشقيقاتها وهى الآن راقدة بمستشفى النيل. العميد بلال لبيب مأمور قسم ثانى شبرا الخيمة، استمع إلى قصة الفتاة من جيرانها، وعند الانتهاء من سرد المأساة لم يجد أمامه سوى أن يصدر قرارا بإحالة المتهم إلى نيابة شبرا الخيمة لمواصلة التحقيق معه.