يرى خبراء أن تسليم بريطانيا للإسلامى المتشدد أبو قتادة للأردن يفرض امتحانا فى مجال حقوق الإنسان على عمان التى تواجه تحديا كبيرا لضمان محاكمة عادلة لمتهم بالإرهاب وصف بأنه ممثل القاعدة فى أوروبا. ووصل عمر محمود عثمان (53 عاما)، المعروف باسم أبو قتادة ووصف فى الماضى بأنه "سفير بن لادن فى أوروبا"، إلى عمان صباح الأحد على متن طائرة أقلته من بريطانيا بعد معركة قضائية طويلة لمنع ترحيله منها. وأنجزت بريطانيا والأردن الشهر الماضى اتفاقا قانونيا لتبديد مخاوف عبر عنها مرارا القضاء البريطانى لتبرير رفض ترحيل أبو قتادة تعلقت باستخدام إفادات تحت التعذيب ضده إذا ما تمت محاكمته فى بلاده. ورغم أن التعذيب وأى شكل من أشكال سوء المعاملة يعد غير قانونى فى الأردن، إلا أن الشكاوى من هذه الممارسات التى تشوب سجل المملكة فى مجال حقوق الإنسان مستمرة، فيما يصعب عقاب مرتكبيها أن لم يكن ذلك مستحيلا. ويرى آدم كوجل، الباحث فى قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى منظمة هيومن رايتس ووتش، أن "قضية أبو قتادة أثارت كثيرا من الجدل والتمحيص فيما يتعلق بسجل الأردن فى التعذيب". ويقول إن "الضمانات التى قدمها الأردن فى هذه القضية الفردية ليست بديلا عن وضع حد كامل لجميع حالات التعذيب أو سوء المعاملة فى المملكة". وأكد كوجل أن عمان "أحرزت بعض التقدم على مدى السنوات الماضية فى معالجة مشكلة التعذيب، لكن حتى الآن الشكاوى من التعرض للتعذيب لا زالت موجودة". لكنه أضاف "لا يمكننا القول إن خطر تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة غير قائم بشكل نهائى". واعتبر كوجل أن "قضية أبو قتادة تمنح الأردن فرصة لإثبات قدرته على إجراء محاكمة عادلة لمتهم بالإرهاب، لكن على المملكة أن تجعل أولويتها ضمان محاكمات عادلة للجميع، خصوصا للمعتقلين الأمنيين". ورغم تعهد الحكومة بالحرص على "الشفافية"، لم تسمح السلطات لوسائل الإعلام بدخول المحكمة التى تعيد محاكمة أبو قتادة فى قضيتين مرتبطتين بالتحضير لاعتداءات مفترضة حوكم عليها غيابيا فى المملكة. وقد حكم على أبو قتادة بالإعدام عام 1999 بتهمة التآمر لتنفيذ هجمات إرهابية من بينها هجوم على المدرسة الأمريكية فى عمان لكن تم تخفيف الحكم مباشرة إلى السجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة. كما حكم عليه عام 2000 بالسجن 15 عاما للتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح أثناء احتفالات الألفية فى الأردن. ويتفق المحامى حسين العمرى، من مركز "عدالة لحقوق الإنسان" الذى يشرف على تسليم أبو قتادة ومراقبة استجوابه ومحاكمته، مع كوجل فى أن "سجل المملكة فى حقوق الإنسان تحت امتحان وستسعى الدولة بكل مؤسساتها لإظهار أقصى درجات الشفافية فى محاكمة أبو قتادة لتبييض الصورة". وقال إن الرجل "لن يتعرض لأى شكل من أشكال التعذيب أو إساءة المعاملة نظرا للضمانات الإضافية التى قدمتها المملكة والتركيز الإعلامى والاهتمام البريطانى الخاص بهذه القضية". وأوضح أن "فريقا يضم 25 عضوا مختصين فى الطب الشرعى والطب النفسى ومحامين سيتابعه ويحضر جلسات المحاكمة ويطلع على محاضر التحقيق". وأشار إلى أن "الفريق سيصدر تقريرا حياديا يغطى الفترة الزمنية من لحظة ترحيله إلى لحظة صدور الحكم وتنفيذه، وحتى أن تمت تبرئته سنستمر بمتابعته لفترة معينة". وفور وصول أبو قتادة إلى عمان تسلمه مدعى عام محكمة امن الدولة التى تتولى إعادة محاكمته. ووجه المدعى العام للرجل تهمة القيام بأعمال إرهابية، ما نفاه أبو قتادة، قبل أن يقرر توقيفه 15 يوما على ذمة التحقيق بسجن الموقر (شرق عمان). من جهته، قال موسى العبداللات، محامى التنظيمات الإسلامية فى الأردن، أن "إعادة محاكمة أبو قتادة لن تكون عادلة، فالأردن لا يحترم حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالإسلاميين تحديدا". وأضاف أن "سجل المملكة معروف وحالات التعذيب وسوء المعاملة لا زالت موجودة، واملك وثائق ودلائل على عدد من الحالات المسجلة هذا العام". وأكد أن محكمة امن الدولة التى يمثل أبو قتادة أمامها "تخالف شروط وظروف المحاكمة العادلة، حتى بعد التعديلات الدستورية والاتفاقات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التى وقعها الأردن". لكن خليل عطية، نائب رئيس مجلس النواب أكد أن "المجلس لن يقبل أن تتم محاكمة أى أردنى سواء أبو قتادة أو غيره بشكل غير عادل". وأضاف أن "الضمانات التى قدمتها الحكومة كافية لضمان إجراء محاكمة عادلة له وعدم تعرضه للتعذيب أو أى شكل من سوء المعاملة". ورأى عطية أن "التصرفات السابقة قد ولت فى ظل الربيع العربى وفى ظل انفتاح الدولة وضمانها الشفافية فى إعادة محاكمة أبو قتادة، لا يوجد ما تخفيه". وأبو قتادة الذى اعتبر لفترة ممثل تنظيم القاعدة فى أوروبا، اعتقل للمرة الأولى فى بريطانيا 2002 وأمضى منذ ذلك الحين القسم الأكبر من حياته فى السجن، من دون أن توجه إليه أى تهمة. وأفرج عنه لفترة وجيزة فى نوفمبر وأمضى بضعة أشهر مع زوجته وعدد من أبنائه فى لندن. لكنه أعيد إلى السجن فى بداية مارس، لأن السلطات البريطانية اتهمته بانتهاك حريته المشروطة. وعدلت الحكومة الأردنية عام 2007 المادة 208 من قانون العقوبات لتجرم التعذيب فى سابقة من نوعها فى المملكة، وذلك إثر مصادقة عمان على اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب عام 2006. إلا أن جهات حقوقية بينها منظمة هيومن رايتس ووتش والمنظمة العربية لحقوق الإنسان والمركز الوطنى لحقوق الإنسان انتقدت فى السنوات الماضية استمرار التعذيب فى مراكز التوقيف الأردنية.