قف للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا .. مقولة لطالما رددها طلاب العلم في حجرات الدراسة وجعلت من ملقن العلم ملكا في فصله. لكن ماذا لو انقلبت الآية، وتحول ذلك التعظيم إلى تحقير بمهنة شخص تحول من ملقن الدرس إلى شخص ينهال عليه الضرب من كل حذب وصوب. أحمد أستاذ الإنجليزية بإحدى الثانويات بالعاصمة الإقتصادية للمملكة، رجل لا يفصله عن التقاعد إلا سنوات قليلة، تبدو عليه علامات التعب بعدما كسا اللون الأبيض شعره الذي سقط نصفه وهو يلقن الأجيال الغذ لغة المستقبل. في البداية، لم يكن سهلا علينا التحدث مع أحمد وإقناعه بالبوح لنا عن معاناته بدعوى حفظ كرامة وجهه، الذي اغتصبها أحد تلاميذه بتصرفاته العدوانية تجاهه. تنهيدة عميقة، تلتها أخرى أعمق منها، حركت بداخل أحمد مشهد أقرب منه إلى مشاهد السينما، فقرر بعدها حكي تفاصيل قصته مع أحد طلابه، الذي أشبعه قذفا وضربا، لمجرد أنه طلب منه عدم الغش في الإمتحان، يقول ل " الإسماعلية بريس" جرت العادة في آخر الأسبوع أن أقوم بامتحان بسيط لطلابي، لكي أفهم ما مدى استعابهم للدروس التي ألقنها لهم، هكذا سأفهم ما مدى فعالية الطريقة التي أنهجها في شرح الدروس. كان ذلك اليوم، يوم جمعة كعادتي طلبت من طلابي إزالة كل الكتب إستعدادا لتوزيع أوراق الإمتحان بعدما قمت بإشعارهم بالأمر أسبوعا قبل ذلك. وزعت أوراق الإمتحان بدا الكل منهمكا في حل الإمتحأن الذي كان في المستوى، إلا واحدا الذي بدا مظهره وكأنه جالس على الجمر لا فوق مقعد محاولا سرق النظر في ورقة زميله، في البداية لم يعجبني ما كان يقوم به حاولت غض البصر عن ذلك، لكن عندما تكررت العملية أكثر من مرة، حاولت تنبيهه وصرخت في وجهه، صرخت جن جنونه بسببها حيث قام بقلب الطاولة أمام أعيني وأعين زملائه في الفصل، مرسلا صاعقة غضبه نحوي بأقبح الصفات والنعوت، لم يرقني سلوكه لذلك طلبت منه الخروج وعدم العودة إلا بحضور ولي أمره. عندما دقت ساعة الخروج، كانت المفاجأة بالنسبة لي، لم أكن أعرف أني سأعيش ساعة من الأكشن، أمام باب الثانوية كنت الضحية فيها.إجتمع علي هو وأصدقائه التي لعبت المخدرات بعقلهم لعب، وكأنهم عصابة، انهالوا علي بالضرب والرفس متوعدين إياي بالقتل، إذا لم ابتعد عن سماء رئيسهم. لم تكن فاطمة (اسم مستعار) أستاذة العلوم الطبيعية، بإحدى الثانويات هي الأخرى أحسن حال من زميلها أحمد لأن العنف لا يستثني جنس عن الآخر. تبدو على ملامح فاطمة الجدية والصرامة، ليست ملامحها فقط التي تبدو عليها هذه الصفات، بل حتى الحديث معها يحسسك بذلك. صرامة تجعل طلابها يخشونها وكأنهم في معسكر تدريبي، إلا طالب واحد صرامتها تلك لم تؤثر فيه عكس ذلك تمرد على الوضع وكسر القاعدة بتصرفه الشرس تجاهها. تقول ل " الإسماعلية بريس" لا أقصد من صرامتي تلك تخويف طلابي بالعكس فهم مثلهم مثل أبنائي، أحرص على مصلحتهم طبعا. قصتي مع هذا الطالب تحكي فاطمة (اسم مستعار) ابتدأت في بداية السنة، فقد كان مختلفا عن باقي زملائه يخلق ضجيج لا يطاق في الفصل، فقد كان يشوش على تركيزي وتركيز باقي زملائه، لذلك طلبت منه ألا يحضر حصصي إن كانت لا تهمه، فما كان ان اعتبرها تحقيرا في شخصه، وهددني حيث قام برفع السكين في وجهي إن حاولت طرده مرة أخرى. صراحة، تقول والإنفعال بدا واضحا عليها، " نحن الأساتذة أصبحنا معرضين للخطر ولا نجد من يحمينا فقد تحول الفصل، إلى قسم تعذيب والطالب جلادنا". وحسب علماء الإجتماع فسبب إنتشار ظاهرة تعنيف الأساتذة يعود إلى الكبت الإجتماعي، الذي يعيشه التلميذ، لذلك يحاول تفجيره في المدرسة أمام زملائه، لكي يرسخ لنفسه دور البطل الذي قهر معلمه، حيث لم تعد للمدرس قيمته الإعتبارية، وهذا يحيلنا على مؤشر خطير الذي أصبح يحتله المغرب، في علاقته بالمدرسة، حيث أصبح معظم الأساتذة يفكرون في الإستقالة. وتجدر الإشارة، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الفصول الدراسية المغربية، ظاهرة تعنيف الأساتذة، حيث شهدت نواحي مدينة آسفي مؤخرا تعنيف أستاذ من طرف والد أحد التلاميذ، ساقه إلى المستشفى من أجل تضميد جراحه، عبر خمس غرز على مستوى الأنف.