سر المكالمة التي أثنت الأم عن قرارها بالتنازل عن حق ابنتها وغلق القضية هل يماطل الإنجليز لتسويف قضية مريم .. أم أن الأمور تسير في سياقها الطبيعي ولكنه الروتين البريطاني السخيف والبرود الشهير عنهم ؟ الإنجليز يعلمون جيدًا أن المسلمين يكرمون موتاهم بدفنهم، وهذا ما قالوه لوالد مريم في بداية الأمر، بل ووعدوه أن الأمر لن يتعدى ثلاثة أسابيع، لكن الكلام تغير، والوعد تبخر، وقفزت المدة لاثنى عشر أسبوعًا، لتتولد علامة استفهام كبيرة في مشوار القصاص لمريم. ربما يريد الإنجليز الهروب من صبغ الجريمة بالعنصرية، فهم يبنون سياساتهم على انهم دولة ليبرالية مؤسسة على المساواة في العرق والنوع والدين، ويقدمون أنفسهم للعالم أن أرضهم تنصهر عليها كل أنواع التمييز، ليصبح المواطن هو الأساس، والقانون هو الحاكم الفعلي ليس إلا. الحكومتان المصرية والإيطالية اتفقتا على إظهار نوايا الإنجليز، واشتركتا معا انتداب طبيب متخصص في الأنسجة له خبرات في التشريح الشرعي، ولأن مريم تحمل الجنسية الايطالية بجانب جنسيتها المصرية، تحملت الدولتان مصاريف الطبيب أثناء مهمته لايضاح الأمور الفنية الخاصة بتشريح الجثمان، والإجابة على السؤال الأهم.. هل يسوف الإنجليز ؟ أول تسويف حدث مع الطبيب المنتدب الذي يحمل الجنسية المصرية، وتهرب الإنجليز منه بحجة أنهم سيدخلون أيام إجازات عيد الفصح، وأخبروا الطبيب المصري أن أول تعاون بينهما لن يكون قبل يوم 11 ابريل الجاري بعد انتهاء الأعياد. هذا الموقف تسبب في أزمة كبيرة داخل أسرة مريم، فبمجرد أن عملت أم مريم بما حدث مع الطبيب المنتدب انهارت تمامًا، ودخلت في نوبة بكاء عنيفة، فهي لم تعد تتحمل عدم دفن صغيرتها حتى الآن ، لحظة ضعف مرت على الأم نسرين قررت فيها التنازل عن كل شيء، عن القضية وحق صغيرتها، وقررت فقط أخذ ابنتها والعودة بها لتراب الوطن ، فهو أحن عليها من جمود الإنجليز، واعلنت الأم ذلك الأمر، وحاول الجميع التحدث معها لاقناعها بالعدول عن قرارها إلا أنها رفضت، وكان هذا الأمر مسار خلاف بين الأبوين، فالأب يحكم عقله، ويرفض التنازل عن حق صغيرته، لكن عاطفة الأم كانت الأقوى أمام الجميع ولولا شخص واحد لكانت الأمور الآن أكثر تعقيدًا، ووصل الإنجليز إلى مبتغاهم بغلق قضية هي شوكة مؤلمة في ظهورهم. نسرين .. تلقت اتصال هاتفي من والدها جد مريم، وهو الإتصال الأول منذ وفاة الصغيرة ، فكان الجد مصدومًا من هول ما حدث لحفيدته، ولم يكن يعرف أية تفاصيل حتى توفيت الصغيرة، وكان الحديث بين الجد والأم عبارة عن كلمات بسيطة تتخللها موجة عنيفة من البكاء، انهيار تام عبر الهاتف، وفي نهاية المكالمة قال الجد لابنته.."متتنازليش عن حق مريم يانسرين.. إوعي يابنتي" وكان الرد بدون تفكير: "حاضر يابابا.. مش هيحصل". وهنا في مصر كانت أسرة مريم تسير في طريق يرون أنه الأهم في هذه المرحلة، الأسرة تريد تنظيم وقفة شعبية أمام السفارة الإنجليزية في مصر، الهدف منها إبلاغ الإنجليز أن المصريين كلهم خلف قضية مريم، ولن يتركوا حقها مهما حدث من تسويف، وبالفعل تم تقديم طلب رسمي لمأمور قسم شرطة قصر النيل، لكن المأمور أخبرهم أن الأمن الوطني رفض الوقفة، وكان الخبر قد نزل كالصاعقة على رأس الأسرة التي كانت تريد الوقفة بشدة. حاتم مصطفى والد مريم، يناشد وزير الداخلية، التصريح له بتنظيم وقفة سلمية احتجاجية أمام سفارة بريطانيا بالقاهرة، أو المكتب التجاري، وأكد الأب المكلوم لأخبار الحوادث :" السفير البريطاني لازم يعرف إن فيه ظلم وقع على بنت مصرية، ويجب أن يعرف العالم كله أننا أصحاب حق«. كانت ((BBC قالت أن محاضرًا فى كلية "نوتنجهام" التى كانت تدرس بها "مريم" يدعى "آرون تود"، إنه نظم جولة ركوب دراجات خيرية لجمع مبلغ 13 ألف استرلينى لصالح أسرة المجنى عليها، الأمر الذى أزعج حاتم مصطفى والد "مريم" ودفعه لنفى تلقيه أو حتى موافقته على جمع أي مبالغ مادية تعويضًا للأسرة عن فقدان ابنتهم أو حتى لصالح نقل الجثمان، فقال حاتم :" إن موضوع تجميع مبلغ 13 ألف استرليني عاري تمامًا من الصحة، حتى ولو كان الخبر منقول عن الصحافة الإنجليزية فهو لتجميل صورتهم ليس أكثر، وأننى أكدت أكثر من مرة أن الحكومه المصرية والخارجية المصرية والقنصلية المصرية تكفلت بكل المصاريف مشكورة من نفسها تطوعًا وهذا الموقف اشدنا به رغم إننا لم نطلبه منهم، وإنما إيماننا من السياسه المحترمة والمسؤولة من كل مسؤول فى بلدنا الحبيبة والعظيمة مصر، ولا أريد أن يستغل أعداء بلدنا الحبيبة مصر فى التشهير والتجريح فى أى مسؤول مصري". وبشأن آخر التطورات في قضية الشهيدة مريم أكد عماد أبو حسين المحامي المنتدب من السفارة المصرية بلندن:" اننا لم ولن نتنازل عن حق الشهيدة مريم فهذا دم و دونه الدم، وأن القنصلية المصرية على تواصل يومي معنا وتبذل قصارى جهدها تحت قيادة السفير القنصل العام علاء الدين يوسف الذي لم يتوان ولم يتأخر في أي لحظة بل وبالعكس نتواصل معه في أي وقت ليلاً قبل نهاراً، ونحن لسنا خصوماً للسلطات البريطانية وخاصةً سلطات التحقيق ولكننا خصوماً لنظامٍ عقيم و قانون مبتور ، قاتلنا و نقاتل و سنقاتل حتى يتم التعديل، فعند الخصومة مع أشخاص أو مؤسسات نلجأ للقانون حتى يأخذ كل ذى حقٍ حقه، فماذا لو كانت الخصومة مع القانون نفسه؟ فإلى من نلجأ وبمن نستغيث؟ نلجأ ونستغيث إلى من يُشرع و يسن القوانين و هذا ما فعلناه و تواصلنا مع مجلس العموم البريطاني و مجلس اللوردات و ننتظر الردود، وحتى نكون منصفين إن سلطات التحقيق قد لبت جميع الطلبات المقدمة إليهم من جانبنا، من إعادة سماع شهود إلى تواصل مع الطب الشرعى، وكل ما نأخذه عليهم هو التسويف وعدم الشفافية وغياب المصداقية من البداية إلا أننا نرى تعاطفاً جاداً منهم و لكن للأسف التعاطف وحده لا يكفى، فإذا كانت الشهيدة مريم قد ماتت مرة فإن أسرتها تموت في الْيَوْمَ ألف مرة حتى يتم الإفراج عن الجثمان الطاهر ليوارى الثرى، ومعاقبة كل من أهمل أوقصر أواعتدى على أبسط حقوق الشهيدة مريم و هو حقها فى الحياة، ولا نقول لمريم إلا أنهم قد خذلوكى فى حياتك، وسجنوكى بعد مماتك، وهذا لا يزيدناً إلا إصرارًا و صبرًا و جلدًا حتى يعود إليكى حقك كاملاً غير منقوص".