د.مهجة غالب لا تزال بعض أقلام الغرب العلماني تنتقد بشدة المنهج الإسلامي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وأحكام القضاء ونسي الغرب ماضيه الاستعماري الذي قام علي قهر الشعوب الضعيفة ونهب خيراتها و حاضره الذي يقدم النفعية والمصلحة الشخصية علي النزعة الإنسانية حتي صارت كلمة حقوق الإنسان شعاراً أجوفا مفرغاً من محتواه العملي وأهمل الغرب روعة الإسلام في تحقيق المساواة بين أبنائه أمام الله وأمام القانون فلقد ازدان تاريخ القضاء في الإسلام ببدائع من مواقف القضاة .. وكنا قد بدأنا في العددين الماضيين في عرض احوال القضاء في عهد خلفاء رسول الله ابو بكر الصديق وعمربن الخطاب و نواصل تقديم ملف القضاء في الخلافة الإسلامية في عهد سيدنا عثمان بن عفان الخليفة الثالث للمسلمين مع الأستاذة الدكتورة مهجة غالب استاذ التفسير و علوم القرآن بجامعة الأزهر وهي بالمناسبة أول عميدة منتخبة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات ......................................................... ؟ هو عثمان بن عفان بن ابي العاص بن اميه وولد في العام السادس من عام الفيل .. و تولي الخلافة عندما جعل عمر بن الخطاب الخلافة قبل وفاته شوري في ستة من كبار الصحابة، هم عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم وجعل ابنه عبد الله بن عمر معهم مشيرًا ولا يحق لهم اختياره خليفة وقد وقع الاختيار علي عثمان بن عفان سنة 24ه لتولي خلافة المسلمين وكان من اخيار الصحابة الكرام وهو أحد المبشرين بالجنة و كان تقياً يبكي عندما يقف علي القبر حتي تبلل لحيته ويقول : سمعت رسول الله يقول القبر اول منازل الآخرة فإن نجا منه فبعده هين وان لم ينج منه فبعده اشد -......................................................... ؟ كان رسول الله يحبه جدا وزوجه ابنتيه رقية وام كلثوم وقصة هذا أن النبي كان قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب وزوج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب فلما نزلت سورة المسد: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَي عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَي نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية: فارقا ابنتي محمد ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما وعلم عثمان بن عفان رضي الله عنه بخبر طلاق رقية و فرح وخطبها من رسول الله صلي الله عليه وسلم و تزوجها وكان عثمان من أبهي قريش طلعة وكانت هي تضاهيه الجمال ولما ماتت رقية تزوج من اختها ام كلثوم و يروي أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي وقف عند باب المسجد فقال : يَا عُثْمَانَ، هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ، وَعَلَي مِثْلِ صُحْبَتِهَا . وكان ذلك سنة ثلاث من الهجرة النبوية في ربيع الأول .. ولما توفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع هجرية تأثر عثمان رضي الله عنه، وحزن حزنًا عظيمًا علي فراقها ورأي رسول الله عثمان وهو يسير منكسرًا وفي وجهه حزن لما أصابه فدنا منه وقال: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَجَّنَاكَهَا يَا عُثْمَانُ ......................................................... ؟ عندما تولي عثمان الخلافة كتب إلي الولاة وعمال الخراج ينصحهم بالسير في طريق العدل والإنصاف والمساواة بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه و كان يختار الولاة من أخيار المسلمين المشهور عنهم العدل وزاد في أعطيات جيشه من ماله الخاص و مساعدة الفقراء واشتري بئر رومه من اليهودي ووهبه للمسلمين وأمر بأن لا يأتي اليه مظلوم أبداً و أن يتقي الولاة الله في أعمالهم وقضائهم -- فالعدل في عهده كان من الدعائم الراشدة لحرص الإسلام علي تأكيد أهمية دور القضاء وخطورة موقعه في الأمة الإسلامية اعمالا لقوله تعالي في سورة النساء ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ولهذا كان الصالحون يخشون منصب القضاء وتبعاته وحرصوا علي دفعه عن أنفسهم وهناك مواقف في الاسلام منها أن عثمان بن عفان عرض علي ابن عمر رضي الله عنه القضاء فأبي ولما ألح عليه لقبوله مذكرا إياه بأن أباه كان يقضي قال عبد الله: إن أبي كان يقضي فإذا أشكل عليه شيء سأل النبي صلي الله عليه وسلم وإذا أشكل علي النبي صلي الله عليه وسلم سأل جبريل وإني لا أجد من أسأل ......................................................... ؟ منصب القضاء في الإسلام من أعلي المراتب لقوله تعالي في سورة غافر ( والله يقضي بالحق ) و هذا شرطاً اساسياً في القاضي لانه ينوب عن الله في حكمه في الارض فكان من بين شروط القاضي ان يحكم بالحق و لا يخشي الا الله سبحانه و تعالي و ان يكون عالي القدر في العلم و الرأي و يأخذ بالشوري إن غاب عنه شيء و ان يكون الفقير و الغني امام القاضي سواء ......................................................... ؟ عمل سيدنا عثمان بن عفان علي توطيد نفوذ المسلمين في كثير من البلاد التي تم فتحها و ارساء العدالة فيها و نجح ولاته في ضم مناطق جديدة إلي حوزة الدولة الإسلامية -- و زادت الفتوحات الإسلامية في عهده و أضافت بلادًا جديدة في إفريقية وقبرص وأرمينيا، وأجبرت من نقض العهد إلي الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب . وضمت فتوحات جديدة في بلاد السند وكابل وفرغانة -- ......................................................... ؟ حدثت الفتنة في أواخر عهد عثمان و اتهمه بعض الخارجين بأنه يقرب إليه بني أمية ويستشيرهم في أموره ويسند إليهم المناصب الهامة في الدولة، و ظهر عبد الله بن سبأ ( المعروف بابن السوداء ) وكان يهوديّا يُظهر الإسلام و تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية لإثارة الناس ضد الخليفة وجاء للمدينة في شوال سنة 35ه وفد من العرب المقيمين في مصر والكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساءوا للمسلمين و لبي الخليفة بعض مطالبهم وسافروا من المدينة ثم عادوا إليها وفي يدهم كتاب بختم عثمان قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلي ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم -- فحلف عثمان علي كتاب الله أنه لم يكتب ذلك - فزعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم وطلبوا أن يخرجه لهم فلم يقبل عثمان لكذب زعمهم وخشية أن يقتلوه ظلمًا فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء وضرب الثائرون حصارًا حول دار عثمان بن عفان ولما علموا أن ولاة الخليفة في الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه لحمايته شددوا الحصار علي عثمان وأساءوا معاملته ورفض سيدنا عثمان تدخل جيش المسلمين لحمايته حقناً للدماء -- و استمر الخارجون في محاصرته أربعين يومًا و هجم عليه بعضهم وقتلوه مظلومًا في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة35ه الموافق السابع عشر من يونيه سنة 656م وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء علي المسلمين ......................................................... ؟ نرجو أن يتقي ولاة أمورنا الله فينا و أن يحكموا بالعدل الذي ارسته الشريعة الإسلامية السمحاء و أن يكون الحاكم أوالقاضي نموذجا للعدل لا فرق بين غني ولا فقير في حكمه -- و أن نتقي شر الفتنة التي أصابت المسلمين و لا يتحقق هذا إلا بتكاتف المسلمين جميعاً لصالح مصر