فجر يوم 24 أكتوبر 1973، اكتظ مسجد الشهداء بالسويس بالمصلين، بعد ليلة لم تنم فيها العيون.. "الإنذار الأول من قائد المقاومة الشعبية الشيخ حافظ سلامة ردًا علي الإنذار الإسرائيلي تلاه من مكبر الصوت بمسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين، أيها المواطنين الأبطال..أيها الرجال الشجعان..لقد أرسل القائد الإسرائيلي إنذارًا إلى السيد المحافظ لتسليم المدينة، في مدى نصف ساعة، وإلا قام الطيران بدكها، وكان ردنا على هذا الإنذار الإسرائيلي وهو يسمع صوتنا: إن شعب السويس وكل من فيها من الرجال الأبطال قد قرروا رفض هذا الإنذار، والاستمرار في المقاومة إلى آخر رجل يستشهد في سبيل الله..أيها الأبطال، فليستمر كل منكم في موقعه يدافع عن وطنه، وشرف بلاده، وليكن شعارنا: "النصر أو الشهادة في سبيل الله". ولكن العدو كان يذيع من ميكرفون مسجد المعهد الديني، الذي احتله إنذارات إلى شعب السويس للحضور إلى الاستاد الرياضي للتسليم، رافعًا رايات بيضاء، مروجًا لشائعة أن المحافظ قد سلم المدينة، بهدف زرع الفتنة، واليأس في نفوس رجال المقاومة من أبناء مدينة السويس الباسلة والقوات المسلحة، ما دفع قائد المقاومة الشعبية الشيخ حافظ سلامة إلى توجيه الإنذار الثاني، حتى يُسكت صوت العدو، فقال: "واعلموا أيها الجبناء أن أرض السويس الطاهرة في حاجة إلى أن تروى من دمائكم". ولم تكن معركة السويس مجرد ملحمة عسكرية سجلها التاريخ كمثال من نور لمدى الترابط بين الشعب المصري وقواته المسلحة في الدفاع عن أرضه وعن شرفه العسكري،وهي ليست أيضا آخر المعارك الكبرى في حرب أكتوبر، وإنما إلى جانب البطولة العسكرية تجلت معجزات أو أسرار أو آيات لا يعلمها إلا الله وحده، ويتناقلها أهل المدينة الباسلة عبرالسنين. "قصة البئر المعطلة منذ 80 عامًا الذي أرشد إليه عم مبارك، وإذا بالبئر يعطي ولا تنفذ ماؤه، فكان مددًا إلهيًا لأهل السويس وللقوات شرق القناة، كما رآها وحكاها بنفسه العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة،ومن أبرز قادة حرب أكتوبر 1973، الذي صار فيما بعد محافظًا للبحر الأحمر والجيزة – إلى البطل والقائد والأب الروحي للمقاومة الشعبية الشيخ حافظ سلامة، قال له: "سوف أقول لك سرًا، ولا تخبر به أحدًا حتى لا ينتقص من كميات المياه التي تضخ لنا من السويس، لقد وسع الله علينا، فتفجرت الأرض من فوق جبل المر ثلاثة أبيار من الماء العذب الصالح للشرب، الأمر الذي جعلنا نوسع قليلًا على الجنود، فرد عليه الشيخ حافظ سلامة قائلًا: "الحمد لله ربنا معنا"، وقصة الشهيد إبراهيم سليمان الذي قام الشيخ حافظ بنقل جثمانه بعد 90 يومًا من استشهاده وهو يتصور أنه سينقل رفاتا وعظامًا – كما يؤكد - فإذا هو يكتشف أن لحمه لا يزال سليمًا ووجهه مبتسمًا حيث تظهر أسنانه البيضاء وشعر رأسه يكاد يكون ممشطًا، فقال لمن حوله وكانوا عشرات من أهل السويس: "من أراد أن يرى شهيدًا بصدق فلينظر إلى الأخ إبراهيم سليمان بعد تسعين يومًا من وفاته". وفي مذكرات الراحل المشير محمد عبد الغني الجمسي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وشغل قبلها منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ومن قبلها منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة بحرب أكتوبر 1973، والذي لقبته مائير ب "النحيف المخيف": "وظلت الدبابات الإسرائيلية المدمرة في الطريق الرئيسي المؤدي إلى داخل المدينة شاهدًا على فشل القوات الإسرائيلية في اقتحام المدينة واحتلالها". وأصبح يوم 24 أكتوبر عيدًا وطنيًا تحتفل به مدينة السويس، ورمزًا لصمود أبناء المدينة الباسلة. [email protected]