قديما قالوا «إذا كان الكلام من فضة.. فالسكوت من ذهب» ونحن الآن في أشد الحاجة إلي هذا الذهب.. نعم لكي تتضح الصورة يجب أن نسكت ونقف ونحلل ولكن الكل لا يعرف قيمة هذا الذهب فالكل يتكلم والكل يعلو بالاصوات ولا أحد يسمع أحدا لأن كل واحد لا يسمع الا صوته هو ولا يقتنع إلا بالكلمات التي تخرج من داخله وعلي الآخرين السمع والانصات والتنفيذ.. فأصبح لا المتكلم مسموع ولا المستمع مستفيد ولا الدنيا تحركت وأصبحنا كتلة من التلوث السمعي غلبت هدير جماهير كرة القدم عندما تضيع إحدي الفرص.. يا خسارة! لكن هناك أنواعا من الصمت المفيد والغريب الذي اشتهرت به المرحلة الحالية من الحقبة الثورية المصرية واسمحوا لي أن أعدد بعض الحالات التي تحولت فيها عواصف الكلمات إلي صمت رهيب لا نعرف سببه ولا نقدر عواقبه.. هل هو هدوء ما قبل العاصفة أم أنه هدوء ما بعد زوابع الفنجان التي لا تغني ولا تؤثر إلا في وقتها والذي لا يتجاوز تحقيق أغراض قريبة لمثيريها من البشر والشياطين وعلي المواطن أن يفهم وينفعل ويتخذ موقفاً يهدأ.. كيف لا أعرف ولكن لنتعرف علي بعض مواقع السكوت وهل هو من ذهب أم ذهب مع الريح! في أول جلسات مجلس الشعب المنتخب لم يهدأ النواب وطالبوا بسرعة نقل عصابة الحكومة من سجن طرة وتوزيعهم علي السجون وقد كان وتم توزيعهم علي 5 سجون داخل مجمع سجون طرة.. ولم تهدأ الأصوات التي طالبت بنقل الرئيس المخلوع إلي مستشفي سجن طرة.. وشكلت اللجان الطبية للمعاينة وانشغلت الصحف والاذاعات بأخبار اللجان ومدي صلاحية مستشفي السجن لاستقبال مبارك.. وفجأة سكوت وكأن شيئا لم يكن ولما كنت أمر أسبوعيا علي المركز الطبي العالمي فأنا أشك أن الرئيس المخلوع لايزال به فلا وجود لحراسة ولا للشكل الذي كانت عليه المستشفي في أول وصول المخلوع له.. فأين ذهب مبارك؟ ولماذا السكوت.. هل هو من ذهب أم سكوت الكسوف والخجل؟ تعددت حوادث الاعتداء علي معتصمي التحرير «مع التحفظ علي كلمة معتصمي» فلا هم معتصمون ولا هم ثوار والشكل العام يقول أنه مسمار جحا في الميدان.. الغريب أن بعد كل اعتداء يقول الثوار .. انهم سوف يعلقوا الاعتصام لحين تطهير الميدان ولا أعرف تطهير الميدان ممن من البلطجية أم أدعياء الثورة أم من أشكال الحضارة التي اختفت من الميدان وحل محلها الغرز والمطاعم العشوائية التي تخرج لسانها يومياً لأي جهود تحاول إعادة الميدان لشكله الجميل الذي نسيناه.. والغريب أن الجميع سكت علي تجاوزات أهل الميدان ولا اعتقد أن هذا السكوت من ذهب! رمينا الداخلية بكل أنواع الاتهامات وتعالت الأصوات لإعادة الهيكلة أو إعادة التنظيم والتطهير لأجهزة الوزارة الحساسة منها وغير المهمة ورمينا الوزير وأعوانه بكل أنواع التآمر والخيانة وتجاوز البعض الأمر وعرض علي المجلس الموقر مشروع جاهز لتطهير الداخلية وفجأة سكت الكلام.. ولم تتكلم البندقية مع الاعتذار للعندليب.. ولكن الذي تكلم هو رصاص البلطجية والمجرمين الذي يحصد أرواح شرفاء الضباط في مقاومتهم لمجرمي الشوارع وقاطعي الطريق.. والغريب أن هناك سكوتاً أيضا عن هؤلاء الشهداء وكأن شيئا لم يكن فهل هذا سكوت من ذهب.. أشك وأقول أنه سكوت مغرض ليس علي هوي أصحاب الحناجر! رجمنا القوي السياسية عندما طالبت بأن يكون هناك رئيس توافقي ترضي عنه القوي السياسية كلها أو علي الأقل يكون له من القبول السياسي لدي القاعدة العريضة من الناس ورمينا من طالب بهذا بكل أنواع الكفر وضربنا أنفسنا بكل أنواع البلغ الفلاحي والصعيدي عندما شاهدنا المسرحية الهزلية التي يمثلها المرشحون المحتملون لرئاسة الجمهورية والذي تجاوز أعدادهم الألف.. بالله عليكم أي قيمة وأي شرف أصبح لهذا المنصب.. السكوت هنا ليس من ذهب ولكنه من العار! العديد من أنواع السكوت مرت علينا مرور الكرام ولم نتعظ منها وأخشي أن تفوت الفرصة تلو الأخري ولا نتعظ من هذا السكوت.. وأملي أن يتحول هذا السكوت إلي قوة دافعة تحرك الجمود وتوقف نزيف الكلام الذي لا ينقطع ولا نفهمه!