لماذا يكره انسان ثورة قامت من أجل تحريره من الظلم والفساد والفقر؟ لماذا يكره انسان مجموعة من البشر جازفت بأرواحها في لحظة فارقة للدفاع عنه وعن مستقبل أولاده؟ والأهم..لماذا يكره انسان أن يري بلاده جميلة وحرة؟
الحقيقة انه أمر يثير الدهشة والاستغراب. وهو أمر أيضا يدعونا الي دراسة ظاهرة كارهي الثورة مع كبار علماء الطب النفسي وعلم الاجتماع. منذ أيام شاهدت بالصدفة الأستاذ الجليل الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس حيث كان ضيفا علي أحد برامج قناة الجزيرة مباشر مصر وتحدث بأسلوب سهل وبسيط حول هذه الظاهرة الفريدة. قال د.علي ليلة أن هناك بالفعل من يكره ثورة 25 يناير وأبرز هؤلاء الأشخاص الفلول واللصوص. الفلول.. أو اتباع النظام السابق يكرهون الثورة لأنها هدمت مصالحهم القديمة مع النظام.. واللصوص كانوا أكثر الناس استفادة من نظام الفساد حيث السرقة أمر طبيعي في مناخ مهييء لذلك.
ويري العالم الجليل علي الجانب الآخر أن أنصار الثورة ثلاث فئات: الشباب، الطبقة المتوسطة العليا، وعموم الشعب المصري مؤكدا أن الثورة ستنتصر لا محالة بعدما انكسر حاجر الخوف لدي هذه الفئات الي الأبد. وشرح الدكتور علي ليلة بكلمات بسيطة موقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة والتيار السياسي الديني الفائز بأغلبية مقاعد مجلس الشعب من الثورة.. فالدكتور الجليل يري أن المجلس الأعلي تتنازعه تيارات مختلفة فهو من جانب يعتبر امتداد لنظام الحكم السابق ومن جانب آخر يميل الي الثورة والثوار في بعض الأحيان.. ولا أحد ينكر دور المجلس الأعلي في حماية الثورة الوليدة وان كان يقسو عليها في معظم الأحيان. أما التيار الديني فيحدد الدكتور علي ليلة جماعة الاخوان المسلمين ويري انها مناصرة للثورة في حدود مصالحها.. وان الجماعة المستفيد الأول من هذه الثورة وعلي قادتها مراجعة مواقفهم فيما يتعلق بمطالب الثوار لأنها بالفعل مهددة اذا ما انحازت لصف أعداء الثورة. ويؤكد أستاذ علم الاجتماع أن السلفيين يقفون في صفوف أعداء الثورة خاصة وانهم سبق وحرموا الخروج علي الحاكم ولم يشاركوا في الثورة نهائيا.. بل ويرفضون مناصرة الثوار.
ويواصل د.علي ليلة قائلا أن الأحزاب القديمة التي سبق وشاركت في عملية الخداع الديمقراطي أيام مبارك استفادت من الثورة كثيرا بعدما ركبت الموجة وصعدت علي أكتاف الشباب والطبقة المتوسطة العليا أصحاب الثورة الحقيقيين. ويري د.ليلة في تحليله لظاهرة الفوضي الموجودة حاليا في الشارع المصري ان كل الثوارت تصحبها فوضي ولكن هذا الأمر لا يخيف.. وأشار أن الثورة أعادت اكتشاف الشخصية المصرية من جديد حيث كشفت أن الانسان المصري ثائر بطبعه وليس مستكينا كما كنا نعتقد ففي خلال 200 عام قام المصريون بخمس ثوارت و4 هبات شعبية وهو معدل كبير جدا بين الشعوب.. فالانسان المصري يثور كل 30 عاما تقريبا.
وحول ظاهرة الانفلات الأمني.،. أكد الدكتور علي ليلة أن المجتمع المصري الذي يعيش غالبية سكانه حول نهر النيل يعرف جيدا معني التكاتف ولذلك عندما حدث الانهيار الأمني أسرع المصريون يحمون المنشآت والبيوت في منظومة متناغمة رائعة ولم تشهد البلاد حوادث مروعة في ظل غياب الأمن لمدة عام كامل. حديث الدكتور علي ليلة لم يستغرق سوي ربع ساعة ولكنه كان حديثا ممتعا بحق خاصة عندما راح يطمئن الثوار انهم منتصرون لا محالة لأنهم أصحاب قضية أما أعداء الثورة فما هم إلا مجموعة من الجهلاء واللصوص وهزيمتهم حتمية حتي لو انتصروا لفترة من الزمن.. فصاحب القضية يقاتل من أجلها طول حياته.. أما المأجور والبلطجي والجاهل واللص يمل بسرعة من دفاعه عن أي قضية لأنها في الأساس ليست قضيته وانما مصلحة شخصية سرعان ما تزول.
يقول الفيلسوف الدنماركي سورين كيركجارد: يموت الطاغية وينتهي حكمه.. أما الثائر فيموت ليبدأ حكمه.0