بعد غياب خمس سنوات كاملة.. هأنا أتجول في شوارع مدينة نيويورك.. تحديدا في التايم سكوير الميدان الأشهر في عاصمة العالم.. هذا المربع الصاخب بالأضواء والمحال التجارية والمكتظ بالسياح من كل لون وجنس وحدب وصوب.. ذهبت علي الفور أبحث عن المطعم المفضل لدي والذي يبعد خطوات هناك في ركن هادئ.. وكانت المفاجأة.. لم اجده !!.. ذهبت يميناً ويسارا هنا وهناك ربما خانتني الذاكرة.. دون جدوي !!.. بعد سؤال رجل الشرطة القابع هُنَا.. عرفت ان المطعم أغلق ابوابه بالضبة والمفتاح.. !!.. كيف ذلك وكنا نصطف في طابور طويل في انتظار دورنا للجلوس علي طاولة خالية !!.. فكانت هذه القصة الطريفة التي كانت علي كل لسان ويتندر بها الناس في شوارع نيويورك سيتي.. يحكي ان المطعم الامريكي الشهير قدم عرضا فريدا لجلب المزيد من الزبائن.. فقد أعلن عن استعداده لتقديم وجبة مجانية طوال العمر لكل من يرسم وشما » تاتوو » ينقش علي أي مكان مكشوف وظاهر للعيان من جسده ( بغرض الدعاية ) شعار المطعم » اللوجو » مع اسم وعنوان المطعم.. ويبدو أن صاحب المطعم أساء تقدير حماس الزبائن لهذا العرض.. حيث تقدم 29 شخصا في أول اسبوع يحملون علي أجسادهم الوشم المطلوب.. وفي الاسبوع الثاني ارتفع العدد إلي 75 ثم إلي 130 ثم إلي 230 وأصبح المطعم يستقبل عائلات بأكملها تحمل هذا الوشم !.. مما اضطر صاحب المطعم إلي تنويع الطعام.. وأدخل جميع مطابخ العالم في المنيو من المطبخ التايلاندي حتي الصيني مرورا بالعربي والإيطالي والألماني والإنجليزي وبالضرورة الإفريقي. فتري الملوخية بالارانب المصرية مع الباستا الإيطالية.. والشقف اللبنانية.. والسوشي والساشيمي الياباني واللي مش عارف أيه مع أيه.. والمقانق الروسية مع الفودكا والفيليه ميداليون والنبيذ الفرنسي والأجبان الدنماركية مع الشوكولاتة السويسرية والفاصوليا الكولومبية مع الضولمة التركية. بعد فترة فوجئ المطعم بمدن كاملة تأتيه لتناول الطعام المجاني والجميع نقش الوشم علي جلده.. ثم صارت مدن تدعو وتعزم مدنا علي المطعم.. ثم فوجئ بولايات أمريكية كاملة تأتي لتناول الطعام المجاني..ثم صارت الولايات تعزم بعضها.. وتحولت الجهات والأفراح والأتراح والليالي الملاح العالمية إلي المطعم.. اصبح معظم العالم موشوما بلوجو المطعم.. ومعظمهم يتناول الطعام المجاني بشكل شبه يومي.. ثم اضاف المطعم خدمات إيصال الطعام إلي الزبائن في بيوتهم وقراهم ومدنهم ودولهم وقاراتهم ومجموعاتهم الشمسية!! الأحمق هنا لم يكن صاحب المطعم.. بل الزبائن الذين نقشوا علي أجسادهم وشماً تصعب إزالته.. في حين اغلق المطعم أبوابه نهائيا بعد ان اعتاد الناس علي الاكل والمرعة وقلة الصنعة. والحدق يفهم!