مشهد 1/ نهار خارجي.. المكان: كمين أبو رفاعي الشيخ زويد.. الزمان: فجر 1 يوليو 2015 انتهي الجنود الستة عشر والضابط قائد الكمين من تناول السحور (فول وجبنة وعيش بلدي)، وبعدها أدوا صلاة الفجر في مجموعات صغيرة، قبل أن ينطلق الجنود كل إلي خدمته، أجسادهم الضامرة، ووجوههم السمراء تشي بالجهد الذي يبذلونه في التدريب والخدمة، كل منهم قابض علي سلاحه، ويتحرك بخفة نحو موقع خدمته، يصعد أحدهم إلي أحد أبراج الكمين، بينما يتجه أربعة إلي الحاجز الأمامي، وآخر يتجه إلي نهاية الكمين لتأمين ظهر زملائه. دقائق وتندفع سيارات مفخخة نحوهم بأقصي سرعة، ينتبه الجندي فوق البرج إليها فيحذر زملاءه، يتعاملون مع تلك السيارات من بعد، فلا يجد المهاجمون سوي تفجير أنفسهم في الكمين دون أن ينجحوا في اختراقه، يسقط الجنود الأربعة في مقدمة الكمين شهداء، تتناثر أجسادهم من قوة التفجير.. في دول أخري كان إرهابيو »داعش» يستخدمون نفس التكتيك، وكان ذلك كفيلا بأن يدفع بقية الجنود إلي الفرار أمامهم، لكن الإرهابيين المهاجمين وعددهم يتجاوز العشرات فوجئوا بأن النيران تنهال عليهم من بقية الجنود الذين اندفعوا للثأر لزملائهم، يصطاد الجندي القابع في البرج العلوي المهاجمين فيسقط العديد منهم، لا يستطيعون إسكاته سوي بعاصفة من قذائف الهاون و»أر بي جي»، لكنهم يفاجأون بآخر يصعد إلي جزء مرتفع من مبني الكمين الذي تهدم بعد الانفجار العنيف، ويحوله إلي برج يواصل منه قنص المهاجمين، يستغيث الإرهابيون فيتواصل القصف علي هذا الجندي حتي يسقط شهيدا، يتحرك بعض الجنود بالمدرعات في اندفاعة مفاجئة لصد الهجوم، يسقط العديد من الإرهابيين، أمام هذا الصمود غير المتوقع، يكثف الإرهابيون من إطلاق قذائف »أر بي جي» للقضاء علي أكبر عدد من الجنود، في تلك اللحظات يندفع الجندي عبدالرحمن المتولي يأخد السلاح المتعدد ويبدأ بالضرب علي التكفيريين فيقتل منهم 12 إرهابيا. مقطع صوتي 1 للملازم أول أدهم الشوباشي قائد الكمين: »الهجوم كان عنيفا، لكننا فضلنا متمسكين بالكمين رغم استشهاد وإصابة عدد كبير منا وتهدم معظم أجزاء الكمين.. بس رجالتي الوحوش دافعوا عن الكمين بكل بسالة ووطنية ورجولة، لدرجة إن البطل الشهيد الجندي عبدالرحمن المتولي أصيب بطلقة في جانبه لكنه تحمل وقال لي: »مش هسيبك يا فندم إلا لما نخلص عليهم» وقتل 12 من التكفيريين قبل أن ينال الشهادة بطلق في رأسه، وفيه عساكر زحفت علي الأرض وأخدت سلاح التكفيريين اللي ماتوا وواصلنا التمسك بالكمين». مقطع صوتي 2 جندي مقاتل يوسف غالي: »فضلنا نقاتل ومبقاش معانا إلا بندقيتين وخزنتين أخذنا ساتر معرفش التكفيريين يطلعوه وكل اللي يحاول يقرب منهم كنا بنضربه، وعندما سمعوا باقتراب الدعم بدأوا يلملموا جثث قتلاهم قبل هروبهم مسرعين من المكان». مقطع صوتي 3 جندي مقاتل، نادر ماهر نظمي: »كلنا كنا إيد واحدة محدش كان خايف لان العمر واحد.. مفيش مصري بيخاف، ضباطنا وزمايل لينا استشهدوا وربنا يصبرنا ويصبر اهلهم، ومش هنرتاح ولا هما هيرتاحوا في قبرهم إلا لما ناخد بتارهم». مقطع صوتي 4 ياسر محمد، صف ضابط، مصاب بطلق ناري وشظايا في البطن والقدمين: »كل جندي في سينا بطل حقيقي هناك بتحس إنك انسان بتعمل حاجة لبلدك، ومصر تستاهل مننا أكتر من كده.. دي بلدنا ومحدش هياخد منها حاجة ولو هنموت يبقي نموت بكرامتنا وشرفنا». هذه مشاهد حقيقية لواحدة من بطولات عساكرنا لن تراها في ذلك الفيلم المشبوه، الساقط مهنيا وأخلاقيا، هؤلاء هم عساكرنا الحقيقيون، الذين لا يخفون وجوههم، ولا يغيرون أصواتهم، بل يفاخرون العالم كله ببطولاتهم، وعشقهم لتراب وطنهم، ذلك العشق الذي لا يشتري بمال، ولا يعرفه من باعوا ضمائرهم بحفنة دولارات.