صرخت الإسبانية "رينا" عندما وجدت اللوحة الرابعة عشرة من مجموعة العشرين الخاصة بجدها والوحيدة التي تم سرقتها في إحدي صالات المزادات الأمريكية، تلك المجموعة التي بالكاد يدرك قيمتها أحد خارج مدينة "بريشتا" الإيطالية، ولكنها بمثابة نبراس عند تلاميذه بمدرسة الفنون، ورغم محاولات الصالة احتواءها، لكنها رفضت التنازل عن حقها وبعد عشر سنوات نجحت في استعادتها. ألا يدفعنا هذا لأن نصرخ مثل رينا في وجه صالة كريستي التي ستواصل بيع قطع ثمينة من آثارنا وتاريخنا يوم 6 ديسمبر القادم ؟ ليست الأولي، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، ومؤسسة كريستي لا تسير وحدها في ذلك الركب، فخلال الشهر القادم هناك أكثر من عشر مزادات ستقام لبيع قطع أثرية يعود تاريخها لعصور القدماء المصريين، والمزيد في الأشهر التالية، هذه المزادات تفتح بابا وراءه حقائق مرعبة عن وقائع النهب المستمر التي نشطت خلال الخمسة عشر عاما الماضية، وبالتحديد في الخمس الأخيرة منها وكان لمؤسستي كريستي وسوثبي نصيب الأسد منها. فوفقا لتقرير نشر في مجلة اليونسكو العام الماضي، والذي جاء علي أثر بيع أكثر من 75 قطعة في مزاد بصالة كريستي بفرعها اللندني، فإن هناك ما لا يقل عن خمسين ألف قطعة أثرية مصرية يتم تداولها في سوق التحف ومؤسسات وبيوت المزادات المختلفة في 32 دولة مختلفة، وأن مجمل ما طرح حتي الآن يزيد علي 37 ألف قطعة صغيرة تتراوح أسعار القطعة الواحدة ما بين 5 آلاف إلي 750 ألف دولار، و4800 قطعة كبيرة الحجم يتراوح سعر الواحدة منها ما بين 1.5 إلي 27.5 مليون دولار. وبحسبة بسيطة فإن مجموع ما بيعت به هذه القطع لن يقل عن 25.2 مليار دولار، ويضيف التقرير أن الكم الأكبر من هذه القطع تم تهريبه عقب 25 يناير عام 2011 نتيجة للاضطرابات الأمنية التي شهدتها مصر، كما أبرز أن هناك بعض الجهود من الجانب المصري لاستعادة شيئ من هذه القطع، ولكن في الغالب لم تنجح إلا فيما ندر، والجانب الأصعب في الأمر أن عددا كبيرا منها تم التنقيب عنه وإخراجه من المخازن ومن مواقع التنقيب علي يد مجموعة من العصابات الإجرامية وبالتالي فهي غير مسجلة. وفي جولة بعدد من المواقع الرسمية الإلكترونية لعدد من المؤسسات وبيوت المزادات خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة؛ وجدنا أن دار "أوكتيوتانا" الألمانية عرضت ما يزيد علي 90 قطعة أثرية مصرية مختلفة منها غطاء جرة علي شكل رأس قدر ثمنه نحو 2800 يورو، وثلاثة توابيت لمومياوات من القرن السابع قبل الميلاد ثمن القطعة 2500 يورو، رأس أفريقية بيعت بنحو 7500 يورو، رأس من حجر طبشور 5 آلاف يورو، تمثال لمومياء 5 آلاف يورو وزهرية كلاي يعود تاريخها لعام 4000 قبل الميلاد بيعت مقابل 6800 يورو. وشاركت دار "بونهامز" البريطانية في الأمر، والتي تعد الأقدم في العالم حيث تأسست عام 1793 وعقدت مزادات علي ما يقرب من 400 قطعة مختلفة ظهر فيها قلائد من العقيق تراوحت أثمانها بين 5000 إلي 7500 جنيه أسترليني وعدد من الجرات الحجرية متعددة الأشكال بين 5000 إلي 6500 جنيه إسترليني، تمثال بني عرض بثمن قدره 15000 إسترليني، مجموعة من الصناديق البرونزية المنقوشة من 12000 إلي 15000 جنيه إسترليني، جعران 1200 إسترليني، تمثال برونزي لأوزوريس بذات الثمن، ومركب خشبية قدر ثمنها بنحو 60 ألف جنيه إسترليني وغيرها مما تراوحت قيمته البيعية ما بين 5000 إلي 180 ألف جنيها إسترليني بمجموع 48 مليون جنيها إسترلينيا. ومجموعة أخري متفرقة ومتفاوتة في قيمتها المادية بعيدا عن أثرها التاريخي الذي لا يقدر بثمن في عشرات البيوت والمؤسسات الخاصة بالمزادات مثل "بيير برج" الفرنسية، "دورثيرم" النمساوية، "ليزلي هيندمان" الأمريكية، "فلوراهولاند" الهولندية، و"ماكدوجال" البريطانية، وصولا إلي مؤسستي سوثبي وكريستي صاحبتا النصيب الأكبر والأعلي في قيمة مجموعاتهما البيعية، ومما يخص الأولي مجموعة بيعت في 12 ديسمبر عام 2013 قدر ثمنها بنحو 16.2 مليون دولار تضمنت مجموعة من الأحجار المنقوشة الضخمة التي يعود تاريخها لما بين عامي 3000 2300 عام قبل الميلاد وعدد من الرؤوس البرونزية والحجرية متوسطة الحجم وقطع علي شكل حيوانات وطيور حجرية وبرونزية وقدر عدد قطع هذه المجموعة 433 قطعة. ومجموعة أخري ظهرت في صالات "سوثبي" في 12 ديسمبر عام 2014 قوامها 264 قطعة تخص الفترة ما بين القرن 13 و16 قبل الميلاد وتراوحت أسعارها بين 18 و150 ألف دولار للقطعة بمجموع 6.4 مليون دولار وتضمنت عددا آخر من الأحجار المنقوشة والرؤوس المتنوعة والوجوه الملونة والحلي الفضية والذهبية إضافة إلي تمثال لملك من عصر البطالمة قدر وحده بنحو 780 ألف دولار. بينما بلغ عدد قطع المجموعة التي طرحت في 8 ديسمبر عام 2015 بنحو 398 قطعة والتي قدر ثمنها بحوالي 17 مليون دولار دولار أمريكي، وضمت مجموعة كبيرة من السلطانيات المنقوشة المميزة المتنوعة في تصميماتها وأحجامها، وعددا آخر من التماثيل والرؤوس الحجرية المنقوشة بحرفية كبيرة ومجموعة تماثيل لحيوانات صنعت من البرونز بينها تمثال ملكي بلغ الثمن الذي رسا عليه وحده نحو 4.17 مليون دولار وقد بيعت هذه القطعة بشكل خاص لحساب جاليري "ليبيس" المتخصص في عرض الآثار المصرية منذ عام 1890. وفي 10 ديسمبر أي بعد يومين فقط، كان موعدا مع إحدي مجموعاتها العملاقة والتي تضمنت 12 قطعة كبيرة تراوحت أثمانها بين 2.5 و4.2 مليون دولار منها تمثال السيدة من مجموعة آثار رمسيس الثاني، وآخر لملك مجهول مازال الباحثون يفتشون عن ماهيته، نجحوا في بيع ثمانية منها، حيث تأجلت أربعة لعدم الوصول إلي الحد الأدني من الثمن المطلوب، منها قطعة ذهبية قدر ثمنها بسبعة عشر مليون دولار، وأجل حسم أمرها للمزادات القادمة. وكانت سوثبي قد بدأت علاقتها بآثار مصر المنهوبة منذ عام 1998 بعد نحو عشر سنوات من جمع عدد من القطع يمكن أن تطرحها بحسب خطة لتحقيق أكبر قدر من الأرباح؛ وخلال شهر مايو من ذلك العام طرحوا نحو 60 قطعة تراوحت قيمتها البيعية بين 10 و30 ألف دولار منها تابوت مرصع بالبرونز وقطعة سوداء برونزية أيضا يعود تاريخها للقرن الخامس قبل الميلاد. ورغم أن الأمر كان مخيبا للآمال في البداية ولكنه ما لبث أن أصبح رائجا، وتوالي طرح المجموعات بمعدل بلغ في بعض السنوات 17 مزادا، وارتبطت أنجحها بشهر ديسمبر خاصة منها مجموعة 7 ديسمبر 2002 التي تضمنت تمثالا لرأس أبو الهول وبإيرادات 4.1 مليون دولار، 9 ديسمبر 2003 بنحو 1.1 مليون دولار، 8 ديسمبر 2004 تضمنت قناعين ذهبيين بين 148 قطعة بيعت بنحو 980 ألف دولار، 7 ديسمبر 2005؛ 85 قطعة قدر ثمنها ب1.3 مليون دولار، 6 ديسمبر 2006 بينها تمثال سوبيك الذي بيع وحده مقابل 856 ألف دولار وبلغ مجموع أثمان ما بيع 5.7 مليون دولار، 5 ديسمبر 2007 حقق رقما غير مسبوق حيث بيعت 378 بنحو 64.9 مليون دولار وكانت القطعة الأولي الأعلي وهي عبارة عن تمثال نحت في أحد الأحجار الكريمة العملاقة وبيع بحوالي 8.5 مليون دولار، 9 ديسمبر 2008 وبيعت 83 قطعة بينها رأس ذهبي لأبو الهول وبلغت مبيعاته 2.8 مليون دولار. وقدر ما بيعت به مجموعة 8 ديسمبر 2009 حوالي 7.4 مليون دولار وتضمنت لأول مرة أحجارا كبيرة منقوشة، ثم مجموعة 8 ديسمبر 2010 وتضمنت مجموعة كبيرة ومتنوعة من القطع الصغيرة ولكنها ثمينة صنعت من الذهب والبرونز وبلغ عددها 702 قطعة وبيعت بنحو 19.4 مليون دولار، ومجموعة منتقاة في 8 ديسمبر 2011 من العصر الروماني عددها 98 بيعت بنحو مليون دولار، وصولا لمجموعة 6 ديسمبر 2012 والتي تضمنت عددا من التوابيت الكبيرة الحجم والمنقوشة من الخارج بصحبة مجموعة من التماثيل الرومانية وبيعت المجموعة نظير 8.01 8 مليون دولار ذهبت منها 1.1 مليون دولار لرأس روح محب بمفردها. نصل إلي كبير عائلة المؤسسات ودور المزادات "كريستي" بفروعه التي تجاوزت الثلاثين حيث بدأت علاقتها بالآثار المصرية المنهوبة منذ تأسيسها عام 1998، وركز القائمون عليها علي القطع الثمينة التي يمكن أن تدر أرباحا أضعاف المتوقع بإقبال الراغبين عليها، وقدمت في ذلك العام ثلاث مجموعات فقط حيث اعتادت فيما بعد أن تقدم نحو 7 مجموعات سنويا علي الأقل لآثار مصرية وما تنتمي لحضارات أخري، وأقيمت المزادات الثلاثة في 5 يونيو، 23 سبتمبر و18 ديسمبر في نيويورك ولندن وتراوحت الأرباح بين 1.8 إلي 2.6 مليون دولار، وتضمنت المجموعة عددا من الأقنعة الخشبية وتوابيت المومياوات وبعض المشغولات الذهبية من حلي وتماثيل لحيوانات وطيور. وتوالي طرح مئات القطع في المزادات بواقع خمس مجموعات عام 1999 في 21 أبريل وحقق 2.2 مليون دولار ثم 27 مايو، 4 يونيو، 20 أكتوبر، 9 ديسمبر وحققت 4.2 مليون، 1.7 مليون، 871 ألفا، 2.8 مليون دولار علي التوالي؛ تضمنت عددا من القطع الذهبية والبرونزية، ومثلها عام 2000 في 12 أبريل، 13 يونيو، 14 سبتمبر، 15 أكتوبر، 7 ديسمبر حققت 1.2 مليون، 7.9 مليون، 670 ألفا، 2.1 مليون، 3.9 مليون دولار علي التوالي، وتضمنت تماثيل من الحجر والبرونز، وأواني فخارية وأخري مصنوعة من أحجار كريمة وكذلك قطعة حجرية كبيرة منقوشة. أصبحت ست مجموعات عام 2001 وحققت في مجملها 31.2 مليون دولار، وست أخري في 2002 وبلغ حجم مبيعاتها 19.3 مليون دولار زادت إلي 35.1 مليون دولار عام 2003 مع زيادة المجموعات إلي سبع ثم تراجعت لتصبح ست مجموعات عام 2004 ورغم هذا حققت مبيعات قدرها 32.7 مليون دولار، فطرحت في الأعوام الأربع التالية 2005، 2006، 2007، 2008 ثماني مجموعات وبلغت ما جنته 79.4مليون، 41.7 مليون، 53.2 مليون و38.8 مليون دولار علي الترتيب. وفي عامي 2009 و2010 أصبحت المجموعات الأثرية المطروحة عشراً وحققت في العام الأول 80.2 مليون دولار وفي التالي 227 مليون مسجلة رقما قياسيا في مجموعها وكذلك في مزاد 9 ديسمبر وحده الذي بلغت إيراداته 33.1 مليون دولار، وكان الشهر الأخير من العام دائما ما يتحقق فيه أكبر حصيلة سنويا، وتضمنت هذه المجموعة عددا من التماثيل المميزة دقيقة الصنع من الأحجار الكلس وقطعة لا مثيل لها لحورس بيعت بنحو 3.3 مليون دولار وأخري لحتشبسوت بيعت بنحو 2.7 مليون دولار. وقفزت بعدد المجموعات إلي 12 عام 2011 فحققت 163.7 مليون دولار، وقفزت أخري إلي 14 مجموعة عام 2012 وهو أقصي عدد وصلت إليه كريستي حتي الآن وبلغت إيراداتها 171.4 مليون دولار ثم استقرت عند 12 مجموعة سنويا في الأعوام التالية 2013، 2014، 2015، 2016 وبلغت ما حققته مبيعاتها في الثلاثة الأولي 98.4 مليون، 198.3 مليون، 117.5 مليون دولار علي الترتيب، بينما بلغت إيرادات عام 2016 حتي الآن 219.2 مليون دولار وذلك قبل مزاد 6 ديسمبر رقم 12 والأخير هذا العام والذي من المتوقع بعد إضافة حصيلة ما سيجنيه أن تحقق مؤسسة كريستي رقما قياسيا جديدا يفوق رقمها عام 2010. وأبرزت عدد من التقارير بعض الجهود المصرية التي بذلت من أجل وقف هذه المزادات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وإن بدا الأمر متأخرا وضعيفا إلي حد ما وبعضها في مواجهة مؤسسة كريستي تحديدا، آخرها في يونيو من العام قبل الماضي من أجل تمثال "سخم كا" وزوجته "سمريت" والذي بيع بنحو 15.8 مليون دولار ثم أعيد بيعه بعد ثلاثة أشهر بأكثر من 25 مليون دولار، ومن المتوقع أن يتضاعف ثمنه في ظل رغبة الجامعات الاستئثار به لدراسته وتوقع الوصول لحقائق جديدة تتعلق بالحضارة المصرية القديمة والحضارات الأخري المعاصرة لها، تماما كما فشلت الجهود في إنقاذ رأس نفرتيتي التي بيعت عدة مرات حتي وصلت إلي متحف برلين، وإن نجحت مرات قليلة منها عندما استعادت 17 قطعة أثرية من أستراليا العام الماضي. ويتضمن كتالوج المزاد المنتظر في 6 ديسمبر المقبل أربعة مواعيد للمعاينة في الفترة من 2 5 ديسمبر إلي جانب عرض لأبرز القطع منها حجر جيري منقوش بارتفاع 72.5 سم متوقع بيعها بأكثر من 80 ألف دولار، وعدد من الأواني الفخارية تتراوح أسعارها بين 35 و125 ألف دولار وعدد من التماثيل صغيرة الحجم التي تطلب فيها من 5 32 ألف دولار وصولا إلي بعض القطع النادرة لإيزيس وأوزوريس تطرحها كريستي لأول مرة لأعلي سعر ممكن، وهي من مجموعة د.فاوست الأثرية الشهيرة، ومتوقع أن تزيد حصيلة إيرادات هذا المزاد علي 14 مليون دولار. يمثل طرح هذه القطع وبيعها في المزاد بداية لرحلة طويلة يحقق من ورائها المتداولون أضعاف ما دفع فيها، وهي في أغلبها متاحف لها جمهورها التواق إلي هذه النوعية من القطع وعلي استعداد لدفع ثمن تذكرة الدخول الباهظة، ويكرر الزيارة مع كل قطعة جديدة يضمها المتحف، وبعدما تؤدي دورها فيه يعاد طرحها عبر صالة مزادات أخري ومنها إلي متحف آخر وهكذا في دورة حياة لا تنتهي. ومواجهة هذه السوق الصعبة الأقرب إلي المافيا تتطلب توحيد الجهود مع أصحاب الحضارات الأخري من الرومانية إلي اليونانية والصينية والهندية والأوروبية القديمة وغيرها التي تعرضت للنهب بذات الطرق وذلك من أجل فرض اتفاقيات تجبر هذه المتاحف والمؤسسات علي إعادة تلك الكنوز لأصحابها الأصليين. 10.8