أتفق المشاركون في مؤتمر "الأماكن المقدسة في الأديان" علي تشكيل لجنة علمية للدفاع عن عروبة القدس، من خلال الكشف عن أصلها العربي، لتتصدي لمزاعم الاحتلال الصهيوني حول المسجد الأقصي، وحائط البراق ويكون ذلك من خلال التمسك بقرار منظمة اليونسكو بإسلامية القدس والبناء عليه حتي لايكون حبرا علي ورق، مع التأكيد علي عروبة القدس من خلال كثرة كاثرة من الكتابات والموروثات التاريخية، فضلا عن خلو التوراة وأسفار الأنبياء الأوائل من أية اشارة إليها باعتبارها مدينة يهودية. وأكدوا -أيضا- علي احترام الأماكن المقدسة لدي الآخر، كل حسب فكره واعتقاده وناشد الأساتذة المشاركون في المؤتمر، الهيئات الدولية المعنية، الاهتمام بالأماكن المقدسة في الأديان المختلفة والمحافظة عليها وحمايتها من الحروب والنزاعات المختلفة التي تحدث في أنحاء مختلفة من العالم، مع ضرورة ايجاد أرضية واحدة مشتركة بين الأديان للحد من الصراعات بين البشر، ويكون ذلك من خلال عقد أكثر من مؤتمر عن الأماكن المقدسة في الأديان لتوضيح مكانتها الحقيقية واعادتها إلي طبيعتها، مع مناشدة الأممالمتحدة متمثلة في اليونسكو لاعطاء أهمية بالغة للأماكن المقدسة الاسلامية، والمسيحية في فلسطين، والتي تنتهكها اسرائيل بأعمالها العدوانية بين الحين والآخر، وتهدد وجودها بالفناء، والتأكيد علي دعم التواصل مع الشرق الأقصي - وخاصة اليابان- ومعرفة الأماكن الدينية التي تحظي بأهمية خاصة في الفكر الديني لها. واتفق -الحضور أيضا- علي قرار بإصدار معجم لمصطلحات بديلة للمصطلحات الصهيونية، وتطهير الأدب العربي من تلك المصطلحات. وكان مؤتمر الأماكن المقدسة في الأديان، الذي نظمه مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، بالتعاون مع مركز الدراسات المتعددة الموضوعات للأديان التوحيدية (سيسمور) بجامعة دوشيشا (اليابان) قد عقد مؤتمرا علي مدار يوم واحد -الاسبوع الماضي- وفي بداية فعالياته، أكدت الدكتورة نجلاء سالم رئيس مركز الدراسات الشرقية ورئيس المؤتمر، أن مؤتمرنا يتزامن مع وقت تشتعل فيه الصراعات في منطقتنا العربية، والتي يحاول فيها الغرب بشكل دائم أن يزيد من حدة الصراعات الدينية فيها، كما أنه من حسن الطالع أن يأتي مؤتمر الأماكن المقدسة في الأديان، وقد اعتبرت منظمة اليونسكو القدس مدينة اسلامية، وهو ما أثار حفيظة اسرائيل التي تحاول بشكل دائم طمس هوية القدس الدينية والعربية، وعلي جانب آخر احساس بالمرارة لاطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي صوب مكةالمكرمة، وهي أمور لاتستقيم مع ثوابت الدين الاسلامي ولا مع الأخلاق! في بداية الجلسات قدم د. سمير نوح (أستاذ زائر جامعة دوشيشا، كيوتو، اليابان) ورقة بحثية تناول فيها رمزية الأماكن المقدسة في الفكر الديني الياباني، مقاربة اسلامية، ناقش فيها الأماكن المقدسة في الفكر الديني الياباني من خلال دراسة وصفية واقعية لعقيدة (الشنتو) اليابانية، موضحا أن فكرة المقاربة الاسلامية، تأتي علي أساس أن العقائد فيها من المشابهة ما تتلاقي عندها كل الديانات، وانتهي د. سمير إلي مدي ارتباط اليابانيين بالطبيعة، فكل ما في اليابان مولود إلهي: الجزر، الجبال، البحار، وهي مقدسة، ويري علماء الاجتماع في اليابان أن كلمة إله أو كامي، وما يتصل بالكلمة من تركيبات أخري مثل نفس أو روح تعبر عن كلمة إله، وتجسد ذلك في الظواهر الطبيعية، الشمس والقمر والرياح والمطر والأشجار أو الجبال، مشيرا إلي أنه تولدت عقيدة التأليه عند اليابانيين نتيجة الاعتقاد في بقاء أرواح الموتي، ثم الاعتقاد بوجود أرواح لعناصر الطبيعة، ومن ثم كانت محاولة التقرب إلي الأرواح لتجنب أذاها واستدرار عطفها. وكما يفسر اليابانيون الكوارث علي أنها أنتقام للأرواح، فالمسلمون - أيضا- يفسرونها علي أنها غضب من الله، وانتقام من الله، بسبب ارتكاب المعاصي أو الافساد في الأرض واذا كان اليابانيون سواء من اعتنق المسيحية أو البوذية أو الشنتوية أو الاسلام يحملون في قلوبهم حب الطبيعة، وحب الرموز الدينية مهما كان انتماؤها مما جعل (تناكا إيبيه) المسلم الياباني يحرص علي زيارة مزار (إييه) الذي يحج إليه اليابانيون، وبخاصة في رأس السنة الميلادية، بأعداد كبيرة، وذلك قبل توجهه إلي مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج. وعن الأماكن المقدسة اليابانية، مقارنة بالاسلام، تحدث الدكتور معمر جونيا شينوهيه، مدير مركز سيسمور وأستاذ العلوم الدينية بجامعة دوشيشا باليابان، وقدم عرضا من خلال اتجاهين، الأول هو طريقة الفهم الديني من خلال التدريب البدني حتي اندماج الفهم النفسي والفهم البدني في الأماكن المقدسة المنعزلة عن المجتمع المدني، والاتجاه الآخر هو اقتراب الناس من الأماكن المقدسة (حج أو زيارة سياحية)، واعتبر د. شينوهيه الأماكن المقدسة اليابانية كأماكن تدريب النفس والبدن جزء من الفكر الديني الياباني للفصل بين الأماكن المقدسة وبين المجتمع المدني، وهو يري أن الأماكن المقدسة اليابانية كزيارة تحيات أو سياحة جزء من الفكر الياباني، التي يجد بها الياباني مكانا مقدسا ويتفق هذا الفكر الياباني مع الاحسان في الاسلام برغم التعبير العكسي من قول النبي (صلي الله عليه وسلم) عن الاحسان (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وعن أورشليم القدس في الفكر الديني الإسرائيلي.. تحدث د. محمد جلاء إدريس أستاذ الدراسات الإسرائيلية (جامعة طنطا)، فقال: ان ميرسيا إلياد، (رائد قداسة الأماكن)، يري أن تبجيل الأماكن المقدسة قد سبق كل تأملات الانسان في الطبيعة، ولذلك يلاحظ أن قداسة الأماكن قاسم مشترك بين شتي الثقافات ومن هذا المنطلق تتحقق لأورشاليم القدس، قداسة كلما حظيت بها مدينة علي وجه الأرض، إذ تهفو إليها نفوس أتباع أكبر ثلاثة أديان وأكثرها انتشارا في العالم، ويري د. ادريس أن قداسة المدينة عند بني اسرائيل هي قضية مضطربة للغاية، لأن موقف القوم منها غامض، إلي أن وقع التدمير البابلي، لم يذكرها موسي -عليه السلام- ولم تنزل التوراة فيها، ولم يكن هيكلها مقدسا عند بنيه وورثته، ومازالت قداسة المدينة- حتي اليوم -محل خلاف بين الاسرائيليين أنفسهم، إذ يري أمنون كوهين أن السبب وراء تقديس المدينة هو أنها -ولأول مرة- بل للمرة الوحيدة حتي عام 1948- كانت عاصمة كيان سياسي، هو مملكة داوود وسليمان. واختتم د. ادريس بحثه بقوله، أنه لم تكن أورشاليم في بداية ظهورها في الوثائق اليهودية معروفة لبني اسرائيل، فقد سبق وجودها دخولهم إلي الأرض المقدسة، بل ان اسمها ليس عبريا، كما أن تسمية الهيكل ليست عبرية، وأن المدينة لم تحظ بالتقديس الالهي، بل لم يذكرها إله بني اسرائيل في الأسفار الخمسة، والأمر ينطبق كذلك علي الهيكل الذي لم يحدد الرب- إله بني اسرائيل- مكانه، ولم يكن ذا قدسية عند من بناه ولا من ورثوا مبناه، والأهم من ذلك كله، أن قداسة اليهودية للمدينة، قديما وحديثا، إنما هي ذات أبعاد سياسية، خلط فيها أصحابها بين المقدس والمدنس، لتكتوي المنطقة العربية بويلات هذا الاتجاه. ومن جانبها فندت الباحثة أشجان بكري (آداب القاهرة) آراء مرتضي مطهري النقدية حول أساطير وخرافات حادثة كربلاء من خلال دراسة تحليلية نقدية تقدمت بها عن مدينة كربلاء كمدينة مقدسة لدي الشيعة، وأهم المراقد الموجودة بها، وذكرت أن كربلاء هي احدي المدن المقدسة لدي أتباع المذهب الشيعي حيث تحتضن العديد من المراقد والأضرحة علي رأسها مرقد الامام الحسين والعباس وغيرها من الاماكن التي يقصدها الشيعة خاصة في ذكري عاشوراء. وقد اتخذت مدينة كربلاء مكانتها هذه بعد استشهاد الامام الحسين وصحبه في واقعة كربلاء التي رويت حولها العديد من الروايات الاسطورية، وفي هذا الاطار تأتي دراسة (مطهري) للتحريفات التاريخية لحادثة كربلاء، وهي علي قدر كبير من الوعي لأنها درست القضية بوجهة نظر ميدانية واجتماعية واقعية، وفيها أنتقد (مطهري) بشدة تحويل ذكري كربلاء إلي مناخ مفعم بالبكاء والعويل لأجل تحقيق مصلحة شخصية لقراء الروضة (خطباء المنبر الحسيني). وأختص د. أحمد البدوي (كلية أصول الدين الأزهر)، المؤتمر ببحث عن بيت إيل ودوره في التبشير بعقائد شهود يهوه، موضحا أن طائفة شهود يهوه تعد من الطوائف المسيحية التي تثير جدلا حول معتقداتها، وموقفها من الطوائف المسيحية الأخري، وقد كانت بداياتهم في أوائل سبعينيات القرن ال 19 في ولاية بنسلفانيا الأمريكية علي يد (شارلز راسل)، ثم أخذت في الانتشار لتصبح (تلاميذ الكتاب المقدس)، يتميز الشهود بروابطهم المتينة دون أية حواجز عرقية أو قومية، ووعظهم التبشيري الدؤوب في الذهاب إلي أصحاب البيوت وعرض دروس بيتية مجانية في الكتاب المقدس، وتتميز شهود ياهوه عن الطوائف المسيحية الأخري، بأنهم لايؤمنون بالثالوث، ولابتقديس الصليب، ولابشفاعة القديسين ولهم فلسفة خاصة بالمجيء الثاني للمسيح والدينونة، كما أن لهم ترجمة خاصة للكتاب المقدس، اضافة لرفضهم بناء الكنائس واستخدامهم قاعات للعبادة تسمي بقاعة (الملكوت لشهود يهوه). مشيرا إلي أن شهود يهوه أطلقوا أسم بيت إيل علي المنشآت التي تخدم عملهم التبشيري حول العالم، وتخدم الهيئة الحاكمة في المركز الرئيسي العالمي في نيويورك، ويعرف العاملون في هذا القطاع التبشيري باسم عائلة بيت إيل. وعن قدسية المكان في أعياد اليهود- أوضح الدكتور محمد فوزي ضيف، آداب المنوفية)، ان احتفال اليهود بأعيادهم يكون بتقديس العيد في المنزل والصلاة في المعبد وقراءة التوراة والرقص والغناء وشرب الخمر، دون الارتباط بمكان معين، إلا أن الحركة الصهيونية ومفكريها يعملون دائما علي اضفاء قدسية علي الأماكن التي يقيمون فيها في فلسطين والتي احتلوها بقوة السلاح. وقد جاء في (المقرا) سبعة أعياد: السبت، رأس الشهر، الفصح، الأسابيع، المظال، رأس السنة، ويوم الغفران. وفي بداية أيام الهيكل الثاني، بعد عودتهم إلي فلسطين بثلاث مائة عام، أضيف لهذه الأعياد عيد جديد هو عيد (الحانوكا) ومدته ثمانية أيام، وهناك عيد البوريم، الذي يعني الحظ، أو النصيب، فكان من نصيب اليهود أن يتحول يوم هلاكهم وتدميرهم (حسب سفر استير) في ايران وبابل إلي يوم فرحة وشرب خمر، ولكن الأعياد الرئيسية لدي اليهود هي الأعياد الثلاثة: عيد الفصح، عيد الأسابيع، عيد المظال، أما عيد الحانوكا، وهو عيد الأنوار أو المشاعل، وهو ذكري انتصار الحشمونيين اليهود (المكابيين) علي اليونانيين وتدشين هيكل سليمان الثاني عام 165 ق. م ويحتفلون فيه ثمانية أيام، وفي العصر الحديث بدأت الحركة الصهيونية تعطي عيد الحانوكا شكلا جديدا يتسم بالحماس القومي، فأنشأت منظمات المكابي الرياضية وتقيم احتفالاتها واستعراضاتها في أيام عيد الحانوكا، بإقامة المستوطنات وانشاء المؤسسات المختلفة في فلسطين. وخص الدكتور جمال الشاذلي، رئيس قسم اللغات الشرقية بآداب القاهرة، المؤتمر ببحث قدم من خلاله دراسة تحليلية لرواية (ظلال في المرآة)، للكاتبة الإسرائيلية (حنا بنت شاحار)، أراد من خلالها اسقاط الضوء علي مكانة القدس بين الحريديم والعلمانيين، فأوضح أن مدينة القدس تحتل مكانة مقدسة في الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية، المسيحية، والاسلام، مشيرا إلي أنها المدينة المقدسة الوحيدة في الأديان الثلاثة، وبناء علي ذلك فقد أولتها اليهودية مكانة وأهمية خاصة، فهي أولي المدن المقدسة في الفكر الديني اليهودي (القدس، طبرية، الخليل، صفد)، وقد عرض الأدب العبري الحديث لها بداية من مرحلة الهسكالا في رواية (محبة صهيون) لأفراهام مابو، ثم في مرحلة الاحياء ورد ذكرها في كثير من الأعمال الأدبية مثل (أمس الأول) لشموئيل يوسف عجنون، و(القاطنة في الجنان) لحاييم هزاز، وغيرها، أما في المرحلة الإسرائيلية فهناك بعض الروايات مثل رواية (زوجي ميخائيل) لعاموس عوز، وقصة (أنا عطشانة لأيامك ياقدس) لعماليا كاهاناكرمون، وغيرهم الكثير. أما الأديبة حنا بن شاحار، فهي كاتبة إسرائيلية معاصرة، ولدت وعاشت في القدس وتنتمي إلي المجتمع الحريدي في القدس، وتدور أحداث روايتها (ظلال في المرآة) في القدس التي تعتبر البطل الحقيقي للرواية من خلال أسرة يتمسك الزوجان فيها بالتراث الديني اليهودي، ويحاولان أن يبثا كل ذلك في بنتيهما اللتين ترفضان كل ما هو ديني، وتحاولان الهروب من هذا الموقع المتزمت. وعن مكانة القدس عند الأحباش، كانت الورقة العلمية المميزة التي تقدمت بها الدكتورة مروة ابراهيم عيد (كلية الآداب جامعة القاهرة)، استعرضت فيها الأهمية التاريخية والدينية الكبيرة لمدينة القدس لدي الأحباش، الذين يزعمون أنهم شعب الله المختار، وينتسبون إلي منيليك الأول بن سليمان بن داود ملك بيت المقدس، وملكة الحبشة، المعروفة باسم ملكة سبأ، وهم بهذا النسب يجعلون أنفسهم من نسب كهنوتي مقدس ويزعمون أن تابوت العهد، قد نقل قديما من القدس للحبشة بواسطة ملكهم (منيليك بن سليمان) بالاضافة إلي أنهم يمتلكون أديرة شهيرة بالقدس، حيث يتدفق إليها الحجاج الأحباش منذ القدم للحج والزيارة، ولاتخلو حولية أو نص حبشي من ذكر مكانة القدس. ولفتت د. مروة إلي أن هذا البحث يهدف إلي التعرف علي الأهمية التاريخية والاسطورية والسياسية والدينية للقدس عند الأحباش علي مر العصور التاريخية، وذلك من خلال معرفة أهم الصلات والأحداث التي ربطت بين الحبشة والقدس، والاستشهاد ببعض الكتب والنصوص الحبشية، وكذلك الخطابات التي كانت ترسل من قبل الملوك للقدس، والتي يتضح من خلالها مكانة القدس عندهم، وتأثيرها عليهم دينيا وروحانيا، وتوضيح الغرض الذي يصبو إليه الكتاب الأحباش.