لم تستطع رأس غارب الصمود أمام السيول التي داهمتها بكل قوة وجبروت برعدها وبرقها وقوة إندفاع المياه التي لم تدمر البيوت وتشرد الأهالي فقط.. ولكنها دمرت البنية الأساسية للمدينة من محطات مياه وكهرباء وقطعت الطرق لم يجد الأهالي إلا ابواب وشبابيك بيوتهم الخشبية وجذوع الاشجار ليتعلقوا بها إلي بر النجاة بين اطلال الخراب الذي خلفته انهار الامطار الغاضبة.. لقد عاش الاهالي ليلة علي هاوية الموت غرقا في مياة السيول. منازل مدمرة..وسيارات مقبورة في الطين.. وطرق مدفونه وأرض ممسوحة المعالم.. وسط هذا المشهد المأساوي.. حاولت قافلة ليلة القدر الخيرية " وبعثة جريدة "الاخبار" تخفيف آلام اهالي مدينة راس غارب .. كان الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار قد طلب من الكاتبة الصحفية صفية مصطفي أمين رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصطفي وعلي أمين الخيرية إغاثة منكوبي السيول برأس غارب وعلي الفور استجاب مجلس الأمناء بتخصيص قافلة إغاثة عاجلة بتكلفة نصف مليون جنيه تحمل 1000 مرتبة و500 بطانية و1250 دستة من الشموع وتحركت علي الفور إلي المدينة المنكوبة للمشاركة في عمليات الإغاثة التي تقوم بها الدولة مع الجيش في ملحمة جديدة لتكاتف المصريين وترابطهم وقوتهم في مواجهه الأزمات . بدأت رحلتنا من المدخل الرئيسي للمدينة والذي تم فتحه مؤخرا بعد جهود جبارة من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لإزالة الخراب والدمار عن الطرق بعد ان ردمتها السيول.. وخربت المدينة من الداخل تماما وتركت الأهالي يعيشون مأساة بعد أن تشرد معظمهم وفقدوا ممتلكاتهم اهالي "رأس غارب" فتحوا قلوبهم ل" الاخبار" ليروا قصصهم المأساوية عن الليلة التي شاهدوا فيها الموت بعينهم. »أعادت الحياه لنا» فايزه عبده احمد سيدة يرتسم البؤس علي وجهها هي لاتعرف كم عدد سنوات عمرها..ولكنها بالتأكيد تتجاوز السبعين عاما.. تقول أنا مصابة بالغضروف ولا اتحرك بسهولة استيقظت فجأة علي صرخات إبني يوسف المتزوج وله من الاولاد3 : »الحقيني يا امي انا بغرق انا وعيالي».. وقمت مسرعه لأجد وكأنه الطوفان مياة السيول تجرف كل شيء في طريقها وتتجه نحونا كالصاروخ ولكن سرعان ما فقدت الوعي.. ثم وجدت نفسي بين بقايا منزلي الذي دمر تماما ومحتوياته مشتته بين الشوارع الضيقة المجاوره.. وتحول اثاث المنزل إلي خرده.. وقدمنا لها 5 مراتب ودستة شمع لتستطيع ان تنيربقايا منزلها المتهالك والذي يضم اسرتها المكونة من 10 افراد.. وقالت انها علي يقين بان جمعية " ليلة القدر " دائما ما تشعر بما يعانيه المواطن وتقف خلف ابناء وطنها في اوقات الكوارث وتمد لهم يد العون لتنقذهم من المحن التي تلم بهم.. وفي نهاية حديثها قالت ان ذلك الدور الذي تلعبه »ليلة القدر» باخبار اليوم يجب ان يكون نموذجا يحتذي به لكافة اجهزة الدوله. »ربنا يحميكو» »استحلفكوا بالله يا ابني.. انا عايزه مرتبتين انام عليهم انا وعيالي».. تلك هي الكلمه التي عبرت بها سعيده محمد احمد عن ألمها المكتوم كلما نظرت إلي محتويات منزلها المحطم لتزداد تجاعيد وجهها التي ترتسم عليها ملامح المأساة التي عاشتها بفعل الكارثة .. قالت سعيده انها تعيش مع ابنها واسرته و عددهم 4 افراد وقدمنا لها مرتبتين و3 دسات شمع.. وما ان امسكت تلك المعونه في يديها حتي رفعت يديها إلي السما ولم تقل سوي »ربنا يحميكوا ويقويكوا».. تقول كل ما اتذكره هو هجوم مياه الامطار التي لم أر مثلها في حياتي ضربت منزلنا ودمرت محتويات بيتي.. وتستطرد »صحيح دوام الحال من المحال» فبلدنا غنيه بالبترول وعشنا طول عمرنا ميسوري الحال إلي ان جاءت كارثه السيول واضاعت في لحظه كل ما بنيناه.. ولكن »الحمد لله» الدوله كلها تقف معنا سواء قواتنا المسلحة أو أهل الخير من الجمعيات والمؤسسات التي ضربت لنا مثلا لعطائها المستمر لأبناء وطنها.. يقول أبنها أحمد ملابسنا التي نرتديها هي الشئ الوحيد التي تمكنا من انقاذه من السيول التي ضربت منازلنا وتجارتنا وشردتنا في الشوارع.. ووجه الشكر لجمعية مصطفي وعلي امين الخيرية بعد ان تبرعت لهم بمرتبتين لتنقذهم من برودة الاسفلت الذي ينامون عليه بعد تدمير منزلهم بالكامل »برودة الطقس» و في أحد الازقه الضيقه في حي متضرر من كارثة السيول وقف علي بشير ينظر إلي بيته الضيق من الداخل بعد ان زاد حطام محتوياته من ضيقه و نظر الينا قال هذه الغرفه كانت تحمينا من برودة الطقس والان لم يعد لدينا شئ سوي ما نرتديه انا وزوجتي وأطفالي.. لكن رحمة الله دائما اوسع من اي ابتلاء نشهده فقد ارسل الينا أهل الخير لإنقاذنا من مصيبتنا. »العودة لمنزلي» علي الرغم من علامات الغضب علي وجهها بسبب الكارثه.. الا ان عزة نفسها جعلتها تتردد في قبول المساعدة.. تقول المهندسة منال عبد الوهاب أعتدت أن أعطي دائما ولكن لأول مرة اشعر بالحاجه إلي المساعدة فنحن ننام علي الأرض بعد أن تدمرت محتويات منزلنا تماما وقدمنا لها 3 مراتب وهي تتمتم بكلمات الشكر للأخبار ولمؤسسة مصطفي وعلي أمين قالت انهم فوجئوا بمياه السيول تجرف كل ما يقابلها وتدمر كل ما نملكه.. ولكن مازال هناك مؤسسات تشعر بالمواطنين علي رأسهم جيشنا العظيم ومؤسستنا الخيرية وأولها مؤسسة علي ومصطفي امين التي تقف دائما في مقدمة الصفوف. بقلب منكسر ونظرات الحزن في عينيها تمتزج ببريق الرضا بقضاء الله طافت فاطمة محمد أحمد والتي كسر عمرها حاجز 75 عاماً لتجمع بقايا محتويات منزلها التي جرفتها السيول مع ابنائها الثلاثة في محاوله لانقاذ ما تبقي..وقالت بصوت حزين انها خسرت كل ماتملك في كارثة السيل الذي دمر كل محتويات منزلها الذي كان هو الملجئ الوحيد لها واسرتها. اختنق الصوت وانهمرت الدموع من هول الكارثة التي لحقت بها ووجهت الحاجة فاطمة الشكر لجمعية مصطفي وعلي أمين الخيرية ومؤسسة أخبار اليوم علي مشاركتهم في تخفيف المأساة ومساعدتهم في محنتهم وتوزيع المراتب علي أهالي المدينة بعد ان اصبح مكان النوم كابوس يطاردهم.. وطالبت الدولة بالاهتمام بأهالي المدينة وتطويرها وتأهيل الطرق واصلاح الكهرباء والبنية التحتية التي دمرتها السيول حتي تعود المدينة إلي سابق عهدها. »هربنا من المنزل» »ربنا يعوضنا خير» هكذا دعا عبد المنعم يونس وهو جالس وسط حطام منزلة المنكوب متكئاً علي ماتبقي من سريرة الخشبي حيث قال المياه كانت قوية جدا ولم يتخيل أحد انها ستتحول إلي سيول انا كنت في البيت وسمعت صوتا غريبا حول المنزل وبمجرد ان فتحت باب الشقة لمعرفة مصدر هذا الصوت دخلت المياة بقوة وكدت أغرق مع محتويات البيت صرخت لايقاظ اسرتي المكونه من 6 افراد وخرجنا من المنزل بعد أن تعلقنا بالأبواب والشبابيك لتنجو من الموت وقدمنا له 3 مراتب لتساعده واسرته علي قضاء ساعات الليل الطويلة بعد خسارته لكل محتويات منزله. »بركة طينية» يضع يديه علي رأسه ، ويتحرك داخل منزله الذي تحول إلي برك طينيه، الحزن رسم خرائطه علي ملامح وجهه والحسرة تطل من عينيه ، أحمد عبد ربه احد المنكوبين بمدينة رأس غارب بدء سرد مأساته وساعات الرعب التي قضاها وعائلته المكونه من 7 أفراد في محاولة للهرب من السيول، وقال " كنت نايم في غرفتي مثل أي يوم طبيعي الا ان الليلة تحولت بشكل مفاجئ إلي رحلة هروب من مياة السيول التي كانت تجرف كل ما يقف امامها، اقتحمت المياه بقوتها الابواب والشبابيك وخلعتهم من مكانهم، جمعت اسرتي وحولت الخروج من المنزل الا ان قوة المياة جعلتني اتراجع عن المخاطرة بحياة اسرتي فصعدنا إلي سطح المبني فهو كان المكان الاكثر اماناً من داخل المنزل الذي جرفت المياة محتوياته إلي الخارج وردمته بالطين والحجارة التي حملتها السيول. ووجه الشكر لمؤسسة أخبار اليوم وجمعية ليلة القدر الخيرية علي مجهوداتهما لإغاثة متضرري السيول بمدينة رأس غارب. علي وقرشي عطا.. شقيقان.. يقطنا في حي واحد ومنزليهما متواجهان.. وشاءت الاقدار ايضا ان يكون مصيرهما واحد.. فقد أطاحت تلك السيول بمنزليهما ودمرت كافة محتوياتها .. وفي تلك الدقيقه التي مرت فيها سيارة ليلة القدر امام الشارع الذي يقطنون فيه من الخارج تعالت الاصوات »اخبار اليوم هي اللي هتنقذنا».. وجاءت زوجة علي تهرول علي قدميها الحافيتان مصطحبه معها ابناؤها وابناء قرشي تجاه السياره وطلبت الحصول علي مرتبة بدلا من تلك التي دمرتها مياه السيول التي اكتسحت منزلهم فقضت علي كل شيء.. قدمنا لها 5 مراتب.. فالاسرتان مكونتان من 11 فردا.. وما ان حصلت عليهم حتي سالت دموعها .. وا ختتمت حديثها أخيرا سننام علي مراتب بعد عذاب دام لمدة اسبوع. »ليلة مرعبة» قال اكرامي فتحي بعد ان دمر السيل منزله الذي يأويه هو وأسرته المكونه من 6 افراد، وروي ساعات الرعب التي قضاها للهروب من جحيم السيول وقال »سمعت صوت جيراني بيصرخوا، فتحت الباب علشان أشوف سبب الصوت لقيت كل الناس بتجري وسط سيل مياه بيجرف اي شئ قدامه، كان منظر مرعب جداً، خرجت لقيت البيوت غرقانه وخدت أسرتي وروحت عن حد قريبي ساكن في شقة علوية بعيدة عن المياة اللي غرقت كل الادوار الارضية وحتي الدور الأول في العمارات دخلته مياة السيل». واضاف الشتاء لم يبدأ بعد ونحتاج من الحكومة المزيد من الحماية والرعاية وتوفير احتياجات الانسان الاساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء فالمنطقة تدمرت بالكامل سواء منازل اوالمرافق والخدمات ويجب إعادة تأهليها بشكل سريع قبل دخول الشتاء، وقدم اكرامي الشكر لمؤسسة مصطفي وعلي أمين الخيرية علي تنظيم قافلة الإغاثة التي مدتهم بالبطاطين والمراتب التي انقذتهم من برد الليل بعد ان تدمر المنزل ولم يعد مؤهل للحياة. محمود عمر 41 عاماً والذي يعول أسرة مكونه من 9 أفراد يروي لحظة هروبه من السيل قائلا كنت جالس مع ابنائي داخل المنزل.. بعد منتصف الليل وفجأة زاد هطول الامطار فتحت الشباك لاجد ان الشارع تحول إلي نهر من المياة، نقلت كل الاوراق المهمة إلي مكان مرتفع بالشقة وبعد فترة بسيطة حاصرت المياه المنزل من كل جانب، وعن قافلة ليلة القدر قال »أشكر كل شخص سخر وقته ومجهودة وأمواله لمساعدة أشقائه المنكوبين في رأس غارب فالمجتمع المصري كالجسد اذا اشتكي منه عضو تكاتف له باقي الاعضاء بالعون والمساعدة».