الذي‮ ‬يري الماء

أضع قدمي بحذر فوق اللوح الخشبي الذي‮ ‬يربط جانبي الترعة،‮ ‬ ثم أسحب الأخري وأسير بجنب‮. ‬أرفع كلتا‮ ‬يدي أصير مسيحا مصلوبا لأحافظ علي اتزاني كي لا أسقط في الماء‮. ‬أفعل هذا وأنا مغمض العينين للحظة واحدة،‮ ‬ فأخاف‮. ‬أفتح عيني بسرعة ليتلاشي رعب‮ ‬غريب‮ ‬يدخلني‮.‬
إذاً،‮ ‬كيف‮ ‬يسير أبي معي ويعبر للطرف الآخر ولا تظهر عليه علامات الخوف‮. ‬لماذا‮ ‬هو جامد ومستقر هكذا،‮ ‬ يعطيني‮ ‬يده اليمني ويضع اليسري جانبه ويسحب قدمه علي اللوح الخشبي بثقة أكثر مني،‮ ‬ أنا الذي أري الماء والخشبة والحجر‮.‬
وقلت لي‮: " ‬صلاة الفجر‮". ‬فاستيقظت‮ ‬بسرعة وسرت بك مرعوبا وسط النخيل‮. ‬قلت لي‮ : " ‬لا تخف‮". ‬قلت لك‮ : " ‬أري الأشباح خلف الأشجار‮". ‬قلت لي‮ : " ‬الأشباح داخل روحك‮ ". ‬قلت لك‮ : " ‬الدنيا ظلام‮ ". ‬قال‮ : " ‬أنت مازلت صغيرا،‮ ‬الظلام لا‮ ‬يكون أبدا في الفجر‮". ‬قلت لنفسي هو في ظلام دائم ولا‮ ‬يعرف الفرق بين الفجر والظهر‮. ‬قال‮ : " ‬أنت شكاك‮".‬
خطا جانبي ولم‮ ‬يهتز‮. ‬نظرت للحجر الذي وضعته في منتصف اللوح الخشبي وابتسمت‮. ‬قال‮ "‬كأن اللوح أكثر اتزانا اليوم‮"‬،‮ ‬فلم أجب وخطوت الخطوة الأخيرة جانب الحجر وسحبت‮ ‬يدي من‮ ‬يده برعب مصطنع ودفعت الحجر بقدمي فارتطم بالماء‮. ‬رج الكون صوته‮: " ‬ابني، ابني‮ ". ‬حزينا شقيا بشجن لم أسمعه طوال حياتي‮.‬
ظل صوته‮ :" ‬ابني،‮ ‬ابني‮ " ‬يتردد في روحي طوال حياتي‮. ‬إذ لم أكن أعرف أنه‮ ‬يحمل لي كل هذا الشغف‮. ‬لم أتحرك وبقيت ساكنا أراقبه وهو‮ ‬يجلس علي اللوح الخشبي تنوح روحه وتمتد‮ ‬يده للفراغ‮ ‬يمينا،‮ ‬يسارا،‮ ‬أماما،‮ ‬وخلفا ليعثر عليً‮. ‬عم الهدوء العالم وبقي ساكنا لا‮ ‬يتحرك ودموعه تطش في ماء الترعة حتي انفطرت روحي‮. ‬ساعتها ربتُ‮ ‬علي كتفه فانتفض انتفاضة عظيمة‮. ‬أخذته من‮ ‬يده للجانب الآخر‮.‬
حين احتضنني بشوق جارف ظل‮ ‬يتحسس ملابسي الجافة وسكت‮. ‬فقط مسح دمعة تحدرت من روحه وسار وحده كأنه‮ ‬يري الطريق‮.‬