وزيرة التنمية المحلية توجه بزيادة لجان البت في طلبات التصالح    رشوة أوروبية في ملفي الهجرة وغزة.. أبرز نتائج زيارة المنقلب السيسي إلى بلجيكا    استشهاد طفل بنابلس، والاحتلال يقتحم طوباس بالضفة الغربية    أحمد حجازي يقود نيوم ضد الخليج بالدوري السعودي    تفاصيل مقتل صاحب مغسلة بطلق ناري في أكتوبر    الليلة.. ختام فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي    ارتفاع طفيف في سعر اليورو أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    مصطفى البرغوثي: الموقف المصري أفشل أخطر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني    الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين: نجاح الجهود المصرية بتثبيت وقف النار إنجاز كبير    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 24-10-2025 في قنا    جديد سعر الدولار اليوم وأسعار العملات أمام الجنيه    تعرف على الحالة المرورية اليوم    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    محمد ثروت: «القلب يعشق كل جميل» غيّرت نظرتي للفن.. والأبنودي الأقرب إلى قلبي و50% من أعمالي معه    التفاصيل الكاملة ل اللوتري الأمريكي 2025 (الشروط ومن يحق له التقديم)    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    قاذفات «بي-1» الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    بعد «أقدم ممر فى التاريخ» و«موكب المومياوات».. مصر تستعد لإبهار العالم مجددًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير    عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يغنون معه    في أجواء روحانية، طوفان صوفي في الليلة الختامية لمولد أبو عمار بالغربية (فيديو)    استخراج جثة متوفي من داخل سيارة اشتعلت بها النيران بطريق السويس الصحراوى.. صور    الاتحاد الأوروبي يسعى لدور أكبر في غزة والضفة بعد اتفاق وقف إطلاق النار    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    مهرجان الموسيقى العربية ال33 يحتفي بأساطير الطرب.. ثروت وناجي يعيدان سحر حليم ووردة| صور    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    رئيسة معهد لاهوتي: نُعدّ قادةً لخدمة كنيسة تتغير في عالمٍ متحول    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مدينة الصولجان

خرج من المستشفي في نوفمبر 1982 - سويعات - لحضور مهرجان (حافظ وشوقي) ورُغم مرضه إلا أنه وقف ليلقي قصيدته الشهيرة » لاتصالح »‬
أمل دنقل
لماذا ظل الشاعر أمل دنقل حيّاً في وجدان المواطن العربي علي الرغم من رحيله في 1983؟ ربما لأنه كان مهموما بهذا المواطن، ففي أول صفحة من ديوانه »‬البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» تفاجئك هذه الكلمات: »‬ربما نُنفق كلّ العمر كي نثقبَ ثغرة / ليمر النورُ للأجيال مرّة» كانت هذي رؤيته للواقع العربي ومحاولته تغييره، أحيانا يشعر الشاعر أنه يحاول ثقب ثغرة ضيقة في جدار الظلم والفقر والخنوع في المجتمع العربي؛ بيد أنه يؤمن أن هذه الثغرة البسيطة كافية لإشعار مَن في الظلام أن هنالك نورا وحرية يتمتع بها الناس الأحياء وليس الناس الأموات، وهنا يحمل من التفاؤل ما يقضي علي التشاؤم الذي شعر به ذات مرة فردّد في انكسار : »‬أفتقدرُ أن تنقذ الحقَّ ثرثرةُ الشعراء» لكنه يؤمن بغد أفضل، ويدرك أنه شاعر - كما قال -: »‬أنا لا أحمل إلا قلما بين ضلوعي» وكم كان قلم أمل جارحا وكاشفا لكل الأقنعة، ولذلك عاش طريدا، ومات وحيدا، وقد عاني كثيرا بسبب مواقفه وآرائه. وُلد أمل في 23 يونيو 1940 بقرية القلعة التابعة لمركز قفط بمحافظة قنا (صعيد مصر)، وكان أبوه مدرسا للغة العربية بمدرسة قنا الثانوية الصناعية وكان يقرض الشعر التقليدي، ولديه مكتبة تراثية عظيمة وتُوفي والده في سبتمبر1950 وتركه وأخاه »‬أنس» وأختا لهما وأمهم، هذا اليتم وهذه المعاناة انعكسا بشكل كبير علي شعر أمل، ولذا جاء شعره أشبه بالشكوي: »‬هل عَرَف الموتُ فَقْدَ أبيه؟» كان كما تحكي زوجه عبلة الرويني »‬في صباه شديد التدين، لا يترك فرضاً، يلقي خطب الجمعة في المساجد».
انتقل إلي قنا ومنها إلي القاهرة ليعيش حياة الفقر والصعلكة، باحثاً عن اليقين الكامل الذي لا يوجد، ويحاول أن يلتحق بكلية الآداب ولكنه يهجر الدراسة والجامعة ويتجه إلي الشعر مصاحِبًا المعاناة، ويتحول صوته إلي قوة رافضة الخنوع، ولذلك يقول: »‬ أنا أعتبر أن الشعر يجب أن يكون في موقف المعارضة حتي لو تحققت القيم التي يحلم بها الشاعر، لأن الشعر هو حلم بمستقبل أجمل، والواقع لا يكون جميلا إلا في عيون السذج» يدرك أمل أن مواقفه سوف تدفعه إلي المعاناة، يصدر دواوينه: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ؛ مقتل القمر ؛ تعليق علي ما حدث ؛ العهد الآتي ؛ أقوال جديدة عن حرب البَسُوس.
لكن يظل ديوانه »‬البكاء بين يَدي زرقاء اليمامة» نقطة تحوّل في حياته الشعرية إذ إنه قد صدر ناقداً ما حدث في مصر من هزيمة في حرب الأيام الستة في 1967 وبعينيْ الشاعر يحلل أسباب الهزيمة التي يرجعها إلي فقدان الحرية والكرامة، وينتقل أمل بهذا الديوان من صفوف الشعراء الشبان إلي الشاعر الرائد، وتلتحم قصائده مع الناس البسطاء وتتردد علي الألسنة، ويتحول شعر أمل إلي أنشودة يرددها الناس، يتزوج عبلة الرويني في 1979 ولكن بعد شهور تسعة يكتشف أنه مصاب بالسرطان الذي يتضاعف بسرعة، ويقيم أمل في مستشفي معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة في الغرفة رقم 8 منذ فبراير 1982 إلي يوم رحيله في الحادي والعشرين من مايو 1983. وبعد وفاته تجمع زوجه عبلة الرويني وصديقه الناقد الدكتور جابر عصفور آخر ما كتبه أمل طوال فترة المرض والاحتضار وينشرانه في ديوان يحمل عنوان: »‬ أوراق الغرفة 8» ويموت الشعراء ويبقي الشعر.
عرفتُ الشاعر أمل دنقل إذ ننتمي إلي قريتين متجاورتين تابعتين لمركز قفط وزرته عندما كنت طالبا مع صديقه القاضي أبو إبراهيم في أواخر حياته في صيف 1981 وكان أمل قد تزوج بعبلة، وأخذ أمل يتصفح قصائدي التي كنت أنشرها في ذلك الوقت في مجلة »‬الكاتب» وأخرج قلما وراح يعدّل في أشعاري ويُعجب بجملة ولا تعجبه جملة، ثم راح يشرح لي تجديده في الشعر الحديث ولاسيما في قصيدته »‬ أيلول » التي جعلها علي مستويين متوازيين. ثم عُدتُه مرات في المستشفي وكانت ذاكرته تحفظ كل الأشياء، وفي أواخر 1982 زرته وجدته شخصا آخر، كان المرض قد أنهكه؛ وبدا لي الموقف محزنا لكنه ناداني مبتسما وأخذ يتحدث معي بصعوبة واضحة، وكان هذا آخر العهد به.
في آخر قصائده »‬ الجنوبي » ابتدأها بتساؤل حزين : »‬هل أنا كنتُ طفلا/ أم أن الذي كان طفلاً سواي؟ وقد درّسْتُ هذه القصيدة مع قصيدتيْه »‬زهور» و»‬ضد مَنْ» لطلبتي بجامعة بون بألمانيا ولمستُ مدي شغف الطلاب الألمان بقصائده لأنها تتحدث عن معاناة الإنسان في كل مكان، وفيها من المفارقة والدهشة ما يفاجيء المتلقي دوما.
ظل حنينه إلي الجنوب (الصعيد) حتي آخر حياته وبه دُفن بناء علي وصيته. في شعره نلمح ملمحين رئيسيْن هما : الحرية والموت ؛ وقَلّ أن نجد حضور الموت في شعر شاعر كأمل، يراقبه ويحاوره ويصاحبه ويقاومه ويعايشه، إن الفصل بين حياة أمل وشعره محاولة عبثية، فقد كان جنوبياً عنيدا، كان فتي، لم يكن يملك إلا مبدأه وقصيدته؛ وقد خرج من المستشفي في نوفمبر 1982 - سويعات - لحضور مهرجان (حافظ وشوقي) ورُغم مرضه إلا أنه وقف ليلقي قصيدته الشهيرة »‬ لاتصالح » التي كتبها في نوفمبر 1976 وكم نستحضرها اليوم ونحن نري ما يحدث في فلسطين وكأنها وصيته الأخيرة: لا تصالِحْ ولو منحوك الذهب/ أتري حين أفقأُ عينيْكَ، ثم أثبّت جوهرتيْن مكانهما/ هل تري ؟ هي أشياء لا تُشتري !
مغازل علي بن تميم
حسنا فعل المفكر والناقد الإماراتي علي بن تميم عندما انتقي من الشعر العربي مغازل الشعراء يلقيها بصوته مع خلفية موسيقية هامسة، فنفاجأ بغزليات ابن عربي الذي صنفه التقليديون العرب من النقاد في خانة الزهاد أو المارقين، نجد هذا الشعر الفياض محبة وسلاما وانسجاما مع الذات والآخر، نجد صوته يعيد لنا أبيات الشيخ الأكبر في ديوانه »‬ترجمان الأشواق»:
لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ/ فمرعي لغزلانٍ ودير لرهبانِ/
وبيتٌ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ/ وألواح توراٍة ومصحف قرآنِ/
أدينُ بدينِ الحبّ أنَّي تَّوَجَّهَتْ/ ركائبُهُ فالحبُّ ديني وإيماني.
لكن الجميل أن الشاعر ابن تميم لا يقف عند المتوارث في تقديس الشخصيات بل يُؤَنْسن الشعراء، فهم بشر يعانون الحب ويبكون شوقا لرؤية المحبوب؛ ها هو الحلاج الحسين بن منصور يقول:
عَجِبْتُ منكَ ومنّي/
يا مُنيَةَ المُتمَنّي/
أدنَيْتَني منكَ حتي/
ظَنَنْتُ أنَّك أنّي/
وغبتُ في الوجدِ حتي/
أفْنَيْتَني بِكَ عنّي/
يا نِعمَتي في حياتي/
وراحَتي بعدَ دَفْني/
وإن تَمنَّيْتُ شيئاً
فأنتَ كلُّ التَّمَني
كما حاول ابن تميم أن يقدم لنا مجنون ليلي قيس بن الملوح في كل حالاته عاقلا ومجنونا، وأنزله في صوت رخيم منزلة المحب الضحية المسكين:
ما بال قلبك يا مجنون قد هلعَ/
في حبِّ من لا تَري في نَيْلِهِ طَمَعَا/
كَمْ من دَنِيٍّ لها قد صرتُ أتبَعُهُ /
ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا/
أما حسين بن منصور الحلاج فيختار له الدكتور ابن تميم بذائقة الناقد رقيق شعره:
أشار سرّي إليكَ حتَي/ فَنيتُ عَنّي ودمت: أنتَ/
وغابَ عَنّي حفيظُ قَلبي/ عَرَفتُ سرّي فأينَ أنتَ/
أنت حياتي وسر قلبي/ فحيثما كنتُ كنتَ أنتَ/
فَمُنَّ بالعَفوِ يا إلهي/ فليسَ أرجو سواكَ أنتَ/
تحية إلي الدكتور علي بن تميم؛ وكم أود أن نأخذ هذه المختارات الشعرية لمدارسنا وننتقي منها مقررات الشعر في مناهجنا التي صارت منفّرة للطلاب والمعلمين.
في مديح الأقصر
بيني والأقصر علاقة حب وعشق، ها هي طيبة التي قاوم أحمسُها إرهابَ الماضي، تقاوم اليوم إرهاب الحاضر، طيبة ذات الأبواب المائة، إنها أبواب العلم والأولياء، أبواب التوحيد والكبرياء، فهنا نبع التوحيد في قدس الأقداس، ونشأ سيدنا إدريس عليه السلام في أرضها، وحكم توت عنخ آمون الدنيا من حاضرتها ووقف الخلق ينظرون كيف بنت معابد الوحدانية وحدها، وكيف انحني العالم إجلالا لخبيئتها، وكيف اختارها الملك تحتمس الأول عاصمة مُلكه الدنيوي وبوابة خلوده الأخروي، وهنا تقلدت فتاة الأقصر الأولي حتشبسوت مقاليد عرش مصر، وهنا ترقد في جلال الموت جميلة جميلات الدنيا نفرتاري ؛ »‬في سكون الموت حقا/ استواء الكائنات» وكيف تجول المؤرخ الإغريقي هوميروس فانبهر واصفا جمالها »‬المدينة ذات المائة باب» ودُهش العرب بمبانيها الشاهقة ومعابدها الخالدة فأسموها »‬الأقصر»، هذه المدينة التي ملأَ التوحيد أرضها فصار قلبُها قابلا كل صورةٍ، فطريق الكباش جمعٌ بين الأسود والبشر والحجر؛ وأعمدة معابدها عجين حجري يرسم زهرة اللوتس وقرص الشمس محتضنا كنيسة، وعلي رؤوس معبدها يرقد سيدي أبي الحجاج بمئذنته ذات الأعوام الثمانمائة، هنا مدينة الشمس الجنوبية التي احتضن نيلها معابد الحياة شرقا ومعابد الخلود غربا؛ هنا مدينة الصولجان تسير في طريق الكباش فتلمع أسطرٌ يعيا بحل رموزها الأقوام، طيبة التسامح تقف في وجه التعصب، فهي طيبة الكرنك والقديسين، طيبة الشيخ الطيب وأبي الحجاج وممنون ويحيي الطاهر وبهاء طاهر وأحمد شمس الدين الحجاجي وحشمت يوسف ومأمون الحجاجي وحسين خليفة ومحمد عبد المولي وحسين القباحي وأدهم العبودي ومحمد إبراهيم حسان والنوبي عبد الراضي وعادل صابر والحساني عبدالله، وغيرهم ممن أنجبتهم هذه الأرض الولود، هنا وقف التاريخ لحضارتها منشدا، وهنا بني المصري للحضارة معبدا، ها هي طيبة التاريخ والمستقبل يأتي مثقفوها ليواجهوا الإرهاب الدموي الذي أري أنه يحتاج إلي مواجهة فكرية قبل المواجهة الأمنية، لا يعيش الأدباء في الأبراج العالية لكنهم ينقلون ما يرون وما يحسون به؛ ألم يقل ابن رشيق »‬سُمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره»، فليجتمع المثقفون ليفكروا كيف تسمو الأقصر عاصمة الثقافة بعد شهرين؟
ماذا فعلنا في ترميم قرية حسن فتحي التي كانت قرابة مائة بيت بقبابها الجميلة الرائعة لُتهدم أمام الجميع؛ ولم يتبق منها سوي ستة بيوت ومسجد وبقايا مسرح وأطلال سوق تناشد الجميع أن يهبوا لإنقاذ ما تبقي، وحتي لا نسمع المقولة التي ترددت منذ سنوات :»اليونسكو سيرممها» وكأننا عجزنا عن ترميمها، وفي انتظار جودو اليونسكو الذي لا يجيْء إلا بعد زوالها!
هل استعد الناس قبل المسئولين لهذا الحدث؟ هل سنشهد افتتاح أوبرا الأقصر التي تصير حاضنة الفنون جميعها لتغدو الأقصر مدينة الثقافة والعلم والمؤتمرات العالمية؟
هل سنري افتتاح جامعة الأقصر في العام القادم لتكون رافدا للتنوير والتفكير في أسباب الإرهاب وطرق الخروج من مخاطره، لينتصر التفكير علي التكفير، وينتصر الرأي علي القنبلة؛ فالأدباء لا يقفون ضد رأي ولا يصادرون فكرا لكنهم يقفون ضد من يتاجر بالوطن وضد من يتاجر بالدين ومن يدفع البلد إلي أن تدخل في حرب أهلية ؛ أدعو إلي تحويل اختيار الأقصر عاصمة للثقافة من بهرجة الاحتفال إلي عمل ثقافي ممنهج تصل الثقافة فيه للناس في الحقول وفي المصانع وفي المنادر والميادين.
لنفتح نقاشا ثقافيا عالميا حول كيفية تكوين الإرهاب فكريا وعقيدة، نتوقف حول دور المثقف الرائد الذي لا يكذب أهله، والمثقف الذي يواجه الفكر بالفكر، إنني أدعو إلي غربلة مناهجنا التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات، وأدعو إلي تنشيط مراكزنا الثقافية وأنديتنا الرياضية ببرامج ثقافية تبحث عن الخلل وتجيب عن السؤال: من أين جاء هؤلاء؟
في هذا العام وما بعده أود أن أري بيت الشعر - الذي غدا واحة الفكر والثقافة والمعرفة - في بيوت الناس، وأن أشاهد المنادر التي لا تُفتح إلا في واجبات العزاء تُفتح للشعراء والمفكرين والأدباء والفنانين، أن يعود المسرح المدرسي وطنا للفنون والتعلم، أود أن أري المكتبات في قري مصر ونجوعها تنشر العلم، أود أن أشاهد جامعات الصعيد السبع وقد غدون سبعا سمانا بالعقل وتغيير المجتمع، ننتظر جامعة الأقصر لتكون واحة المعرفة والتقدم في صعيد مصر، أود أن أري الفنون والمراكز الثقافية قد فتحت فروعا لها بقري الصعيد ونجوعه، فالقاهرة لا ينبغي أن تكون كما قال المفكر الراحل جمال حمدان الرأس الكاسح لجسد كسيح.
نحن ندعو للتنوير الذي يدعو في أبسط صوره إلي إعمال العقل، والإسلام يدعو من قبل لإعمال العقل، فمصر اليوم في حاجة إلي عقل ثقافي يقود المواجهة ولا يتخلف عن الركب، ليعود المثقف رافعا راية المواجهة الفكرية ومجيبا عن السؤال : من أين جاء هؤلاء؟ فهل نجد في الأقصر واحة الثقافة التي تقود في عامها المقبل قاطرة الثقافة؟ وهل تصبح الأقصر بلد السياحة الثقافية التي لا تنتهي بانتهاء العام؟ فمن الجميل أن يتواكب اختيار الأقصر عاصمة للثقافة اختيارها المرتقب لتكون عاصمة السياحة العالمية.
لقد ضاع العام الثقافي المصري الصيني دون أن نجني ثماره اليانعة ورضينا من القليل الأقلَّ، فهل نضيّع الفرصة الثانية أم نغتنمها، من أجل هذا نفكر معا كيف تغدو الأقصر في 2017 عاصمة الثقافة للعالم أجمع؟
شاي بحليب
في حديث مع الصديق المهندس محمد اسبيتان عن شبابنا فاجأني بقوله: أطفالنا لابد أن يشربوا في الصباح الشاي بالحليب، وهي عادة مصرية توارثناها أبا عن جد، لكنها توشك أن تختفي لأن المشروبات الأخري طغت واختفي الشاي بالحليب صباحا؛ والشاي السادة عصرا، وأضمّ صوتي له لعل أطفالنا يفطرون صباحا قبل ذهابهم إلي المدارس، كما كنا نجلس علي الطبلية قبل الذهاب للمدارس ونأكل طبق الفول والطعمية والجبنة والعسل ثم كوب الشاي بالحليب، فالتمسك بالموروث الصحيح رمز من رموز الانتماء.
قال أبوالعلاء المعري:
لا تظلموا الموتي وإن طالَ المدي
إني أخافُ عليكمُ أن تلتقوا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.