حالة من الشد والجذب أحدثها قرار الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بإلغاء خانة الديانة كمتطلب في كافة الشهادات والمستندات والأوراق التي تصدرها أو تتعامل بها الجامعة، ومن بينها شهادات تخرج الطلاب، وذلك عقب اشتراط أحد معاهد الدراسات العليا بالجامعة علي الطلاب الملتحقين بأقسامه ضرورة ذكر ديانتهم، وبينما احتفي مؤيدو الفكرة بالقرار واعتبروه خطوة علي طريق المساواة والمواطنة، اتهم المعارضون القرار بأنه يستهدف طمس هوية الدولة. وبدت الفكرة آخدة في التوسع، فبعد أيام من قرار جامعة القاهرة، حذت نقابة المهندسين الحذو ذاته، بإعلانها مؤخرا إلغاء خانة الديانة من شهادة الحصول علي لقب المهندس الاستشاري، وهي الشهادة الوحيدة التي تحتوي علي بيانات تتضمن ذكر الديانة ضمن الشهادات التي تصدرها نقابة المهندسين. تلك الخطوات دفعت البعض الي المطالبة بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، معتبرين أن ذلك الأمر سيكون دليلاً علي حياد الدولة تجاه المعتقد الديني في التعاملات اليومية، وسيحقق فكرة العدالة والمساواة الكاملة بين المواطنين، مستندين في ذلك علي نص المادة 53 من الدستور المصري، التي تؤكد علي أن المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحريات والحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة. من جانبه، يري حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن قرار حذف خانة الديانة من كافة الأوراق والمعاملات الخاصة بالطلاب داخل جامعة القاهرة يعتبر خطوة هامة في تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين أمام القانون، فهو يعالج مسألة التمييز علي أساس ديني سواء في تولي وظائف داخل الجامعة مثل وظيفة المعيد وأيضا تقلد المناصب العليا بالجامعات مثل منصب رئيس القسم أو العميد، لافتاً الي أن القرار مبني علي رؤية رئيس الجامعة الذي وجد أن هناك تمييزا ضد الطلاب بسبب الديانة في الدراسات العليا وبالتالي أراد أن ينهي هذه الأزمة من خلال قراره الأخير بحذف خانة الديانة من أوراق معاملات الطلاب. كما طالب بتعميم تطبيق قرار حذف خانة الديانة علي جميع الجامعات المصرية وليس جامعة القاهرة فقط، معتبراً أن خانة الديانة ليس لها أي قيمة في أوراق المعاملات الخاصة بتقديم الطلاب إلي الجامعات، كما أوضح أن تجربة جامعة القاهرة يمكن نقلها أيضا إلي المؤسسات الحكومية، وجهات العمل، وكذلك أوراق التقديم المتعلقة بالنقابات، فمن خلال تبني تلك الإجراءات يتم احترام مواد الدستور التي تمنع أي تمييز بين المواطنين. وأكد أبوسعدة أن وضع خانة الديانة في البطاقة الشخصية لا يتعارض مع حقوق الإنسان كما يدعي البعض، فالبطاقة الشخصية توفر قاعدة بيانات خاصة بالقضايا الاجتماعية مثل قضايا الزواج وهي التي تفصل فيها في الكثير من الأحيان، فهناك خلافات تمنع الزواج بين مختلفي الديانة، فالشريعة الإسلامية علي سبيل المثال تحرم زواج المسلمة من غير المسلم، وكذلك هناك خلافات تمنع الزواج بين الطوائف المنتمية إلي نفس الديانة مثل زواج الأرثوذكس والكاثوليك. أما الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري، فيعتبر أن محو خانة الديانة من أي أوراق أو مستندات يتعامل بها الطلاب يدخل في نطاق القرارات الإدارية للجامعة، أي أنه متروك للسلطة التقديرية الخاصة بها، ما لم تكن هناك قوانين داخل الجامعة تلزم مصدر القرار في الأساس بوضع هذه الخانة. وحول مطالبة البعض بحذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية أوضح أن هناك عقبة قانونية تحول دون تنفيذ هذه الفكرة نظرا لتعارضها مع قانون الأحوال المدنية الذي يلزم بوضع خانة الديانة في البطاقة، و في هذه الحالة يتعين التقدم بمشروع قانون جديد لتعديل نصوص قانون الأحوال المدنية . ويضيف: يمكن أن تكون البيانات المتضمنة معلومات عن الديانة غير معلنة في البطاقة الشخصية أو في الأوراق الرسمية بحيث يتم إدراجها ضمن قاعدة بيانات تتضمن معلومات عن الحالة الاجتماعية للشخص وتاريخ الميلاد والديانة وتكون موثقة لدي الهيئات الحكومية ويمكن الرجوع لها عند الحاجة . ويوضح الدكتور فرحات عبد العاطي عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر أن خانة الديانة وضعت ضمن نظام أسس من قبل الدولة وهي تحقق مصالح اجتماعية محددة، فإذا كان قد ثبت بالفعل أن وجودها يؤدي إلي ضرر يقع علي المواطنين يمكن حذفها في هذه الحالة، أما إذا لم يكن هناك ضرر من بقائها فلا داعٍ لإثارة هذه القضايا الشائكة. كما أعتبر أن الدعوات المطالبة بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي يمكن أن تضر بالمعاملات العامة بين المواطنين، فقضايا المسلمين تسير وفق أحكام خاصة في قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق، وخانة الديانة في البطاقة هي التي توضح هذه النقطة. يتابع: فكرة المواطنة وعدم التمييز ينبغي أن يتم ترسيخها عن طريق العقل أولاً، وليس عن طريق حذف خانة الديانة، فلابد من تبيان الأفكار الصحيحة عن قيم المساواة والعدالة عن طريق الدعوات التي تتطلقها وزارة الأوقاف والأزهر لنشر الفكر الوسطي بين الشباب بصورة خاصة والمواطنين بصورة عامة، فالمواطنة ليست مجرد كلمة تكتب ولكنها سلوك ننتهجه في حياتنا. من جانبه، يشير المستشار كمال الإسلامبولي رئيس المجلس الوطني المصري إلي أن الباعث وراء قرار إلغاء خانة الديانة من أوراق التعامل داخل الجامعة قد يكون نبيلاً ولكن يمكن الوصول إلي الغرض المرجو منه بصورة أخري، فالدستور الحالي يحظر كافة أشكال التمييز علي أساس العرق أو الدين أو اللون أو اللغة، ومن يثبت أنه قام بنوع من أنواع التمييز ولم يراعِ الدستور يمكن إقصاؤه من منصبه، لكن لا يمكن تغيير نظام بأكمله علي افتراض حدوث تمييز في بعض الحالات، فإزالة خانة الديانة من أي مستند رسمي ستؤدي في النهاية إلي المطالبة بحذفها من البطاقة الشخصية وهو ما سيتسبب في أزمات متعددة يمكن أن تُحدث نوعا من التعارض الديني. يضيف: نحن ملتزمون بأحكام الديانات ونصوصها لذلك يجب الانتباه لما نراه من ثقافة غربية تصدر إلينا بعض العناوين البراقة تحت مسمي رفض التمييز بكافة أشكاله وتحت هذا الستار يتم تحقيق هدف آخر وهو طمس هوية المجتمع تمهيداً لتفكيكه.