مؤخرا أصدر الناقد الكبير والمترجم القدير د.محمد عناني ترجمته الجميلة لفاكهة بستان الشاعر الإنجليزي الأشهر "وليم شكسبير" والمعروفة باسم "السونيتات" وكأنه يستريح قليلا تحت ظل هذه الأشجار التي تتدلي منها القطوف الشهية، الباعثة علي الحبور والداعية إلي التأمل، ربما وقف عناني في بستان "السونيتات" يلتقط الأنفاس، ويتأمل حصاد رحلته الشاقة، في ظلال عالم "شكسبير" الوارفة، ودنياه الشاسعة، ليسكنه موسوعة عربية دما وروحا ولحما وهوية، فقد قرر يوما ما ان يستدعي محبوبه إلي الديار، وان يسكنه إلي جواره في بقعة سمراء عربية، ومنذ ذلك اليوم البعيد، انكفأ عناني علي روائع الشاعر الانجليزي الفذ وآثارة الخالدة، كي تنبعث فيها روح عربية، وأخذ ينقلها إلي مساكنه الدافئة الحميمة طوال ما يقرب من نصف القرن كما يقول هو في بداية حوارنا معه بمناسبة صدور ترجمته للسونيتات كاملة، حيث سرح "عناني" بعيدا، وبدأ يحدثنا عن مشروع عمره قائلا:استغرقت في ترجمة أعماله ما يقرب من 50 عامًا أي نصف قرن، فأنجزت 24 مسرحية و154 قصيدة، بدأت عام 1964 وكان آخرها نصا مسرحيا عام 2014. وما الصعوبات التي واجهتك خصوصًا أنك تترجم الشعر شعرًا والنثر نثرًا؟ علي المترجم أن يضع نفسه مكان الشاعر، ويتصور أن "شكسبير" المؤلف يتكلم العربية ويخاطب جمهور اليوم، محاولًا نقل النص من القرن السادس عشر أو السابع عشر إلي العشرين أو الحادي والعشرين، فمثلاً علي المترجم تجنب اللغة القديمة حتي يفهمها قارئ اليوم، وإذا هبط شكسبير بمستوي الحوار إلي العامية المختلطة بالفكاهة يجب أن تترجم بما يسهل فهمه ليس بالعامية المصرية ولكن بالفصحي القريبة منها، وأيضًا عندما يتعمد شكسبير أن يصعد بالمستوي اللغوي إلي مراقي الكلاسيكية الرفيعة أو العظيمة لابد أن يحاكيه المترجم بأسلوب عربي يصور هذا الأسلوب الرفيع، وبالتالي كانت الصعوبة في توصيل العمل كما فهمته بلغة توازي الشعر الجاهلي، فالترجمة منظومة ولابد من تطويع اللغة فيها بمقتضيات الموقف الدرامي، وسعيت بكل طاقتي خلال ترجمة هذه الأعمال إلي أن أخرج "شكسبيرًا عربيًا"، من خلال استخدام التوريات والجناس والطباق والصعود والهبوط باللغة حسب ما قدم "شكسبير" في أعماله. هل الترجمة مزدهرة في مصر؟ هناك نهضة لا تنكر في حركة الترجمة، ومن ينكرها "جاحد"، والمركز القومي للترجمة يملأ فراغًا كنا نشعر به، وبدأ يتضاءل بسبب إنجازه الغزير في كل مجال، ونستكمل هذا بمشروع هيئة الكتاب بالتركيز في مشروع "الألف كتاب" علي الكتب العلمية ومشروع فرعي من الألف كتاب بترجمة الأدب العربي المعاصر إلي الإنجليزية، وكان المشروع قد توقف سنة 2004 وتم استئنافه مجددًا سنة 2014، وبدأ يسد الفجوات لأعمال مختارة منها ما هو لصلاح عبدالصبور وإدوار الخراط وأحمد شوقي ومحفوظ عبدالرحمن وطه حسين، وهذه هي المرة الأولي التي تترجم فيها أعمال "طه حسين"، وبدأتها بترجمة "الوعد الحق"، وذلك سيساهم بشكل كبير في تعريف الأجانب بالإسلام لأنهم يرفضون القراءة عنه، الأمر الذي ستتغلب عليه ترجمات "طه حسين" لأنه عندما يتحدث عن الإسلام يكتبه علي أنه وقائع، وحقيقة مصر تمتلك أعظم مترجمين في العالم، لأن لدينا ميزة إجادة اللغات الأجنبية، حيث نمتلك إزدواجية العامية والفصحي مما يساعدنا علي خلق التوازن في الأعمال المترجمة. هل المترجم مجرد "ناقل"؟ للأسف نحن لا نعترف بدور المترجم، ولكن هو وسيط ينقل من خلال روحه وإحساسه ما يفهمه، فلو قام آخر بترجمة نفس العمل سيترجمه بأسلوب مختلف حسب العصر وفهمه لما يقرأ. ما الذي يحتاج إليه المترجم لصناعة عمل مكتمل؟ اللغة العربية ثم اللغة العربية ثم اللغة العربية، لأنه إذا أجاد العربية استطاع أن يجيد أية لغة أجنبية، وعلميًا يسمون اللغة قدرة أو مقدرة وهي فطرية يوهب الإنسان بها لأنه الكائن الوحيد الذي يتكلم، وأصبحت هذه القدرة هي ما تمكنه من اكتساب أية لغة أخري، وللأسف الكثير من المترجمين لا يجيد العربية، وإذا كنا عربًا فمقياس جودة المفكر هي اللغة والفكر، فإن كان يعي اللغة العربية جيدًا فحينها سيتمكن من التفاعل والتعبير جيدًا، وهذا ما نريده، وهذاما نحتاج إليه في الحقيقة هو الاهتمام بتدريس اللغة العربية بشكل صحيح وإعادة قيمتها ومكانتها، فعلينا بالعربية أولا وإجادة الإنجليزية ثانيا، وأقولها: "مش هيعرف لغة بجد غير لو عرف العربية". ما مستقبل الترجمة في مصر من وجهة نظرك؟ نحن في حاجة إلي بذل جهد أكبر في تعليم الترجمة في المدارس والجامعات، وآن الأوان لأن نعتبر أن الترجمة مادة أساسية لكل مثقف وكل مفكر،ولكني متفائل، وأتوقع لها مستقبلا مشرقا، وتسعي جامعة القاهرة بشكل كبير للمساهمة في الترجمة، من خلال برامج متخصصة في الترجمة سواء في الجامعة المفتوحة أو في كليات الآداب بأقسامها، والتي يفد إليها الطلاب من كل أنحاء العالم، وبالفعل بدأت النتائج تؤتي ثمارها بوجود المتخرجين في سوق الترجمة بأعمال لا نظير لها.