"الزراعة" توافق على استيراد 145 ألف رأس عجول للذبيح والتربية والتسمين    وزير التجارة يبحث مع نظيره التركي سبل تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين    بيطري الجيزة: تنظيم قوافل مجانية لرش وتحصين الثروة الحيوانية بمركزي الصف والواحات    الحوثيون: القبض على شبكة تجسس أمريكية إسرائيلية (تفاصيل)    خضر ألمانيا: النتائج السيئة في انتخابات أوروبا ليست سببا للتشكيك في الائتلاف الحاكم    روغوف: القوات الروسية تعزز مواقعها في بلدة أوروجاينويه بدونِتسك الشعبية    بشكل مارادوني.. محمد صلاح ينهي عصيان شباك غينيا بيساو (فيديو)    «الفنانات بيعلوا على بعض».. يحيى الفخراني يكشف مفاجأة عن أجور الفنانين (فيديو)    بعد تصدرها مؤشر جوجل.. أبرز تصريحات لميس الحديدي    وَفَدَيْنَٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.. قصة إسماعيل والأضحية بالدليل من القرآن والسنة    نصائح للمواطنين في عيد الأضحى.. ليلة الواقفة ناكل رقاق وأول يوم العيد اللحمة    فتح: استقالة قائد العمليات الإسرائيلية في غزة يشكل ضغطا على نتنياهو وحكومته    حجازي: نمتلك تجربة قوية في إعداد بنوك الاسئلة والامتحانات الإلكترونية    يورو 2024| منتخب هولندا يحلم بتكرار إنجاز نسخة 1988 .. إنفوجراف    مقتل عجوز ثمانينية على يد ابنها في أحد أحياء الفيوم    بث مباشر .. كيف تشاهد مؤتمر أبل WWDC 2024 اليوم    عزة مصطفى عن واقعة مدرس الجيولوجيا: شكله شاطر    "وطني الوحيد".. جريدة المصري اليوم تكرم الكاتب مجدي الجلاد رئيس تحريرها الأسبق    القاهرة الإخبارية: حركة حماس والجهاد تؤكدان ضرورة تضمن أى اتفاق وقفا دائما للعدوان وانسحابا شاملا    تكريم أحمد رزق بمهرجان همسة للآداب والفنون    ياسمين صبري تنشر جلسة تصوير جديدة من أثينا والجمهور يعلق (صور)    جمال الكشكي: إسرائيل غير مستعدة لحرب جديدة في جنوب لبنان    أمين الفتوى يرد على شبهات ذبح الأضاحى (فيديو)    أمين الفتوى: الخروف أو سبع العجل يجزئ عن البيت كله في الأضحية    تطورات جديدة حول اختفاء طائرة نائب رئيس مالاوي ومسؤولين آخرين    أول رد من جامعة الإسكندرية على فيديو رفض إعطاء مريضة سرطان جرعة كيماوي    بالفيديو| كريم قاسم يروج لفيلم "ولاد رزق 3": "لازم الصغير يكبر"    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    مصر تتربع على عرش جدول ميداليات البطولة الأفريقية للسلاح للكبار    10 صور ترصد استطلاع محافظ الجيزة أراء المواطنين بالتخطيط المروري لمحور المريوطية فيصل    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    «الصحة» تنظم برنامج تدريبي للإعلاميين حول تغطية الشؤون الصحية والعلمية    موعد محاكمة ميكانيكي متهم بقتل ابن لاعب سابق شهير بالزمالك    المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    قافلة جامعة قناة السويس الطبية تفحص 115 مريضًا ب "أبو زنيمة"    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    المنيا تعلن استمرار فتح باب التقدم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    بحبكم.. مسرحية غنائية للأطفال بقصر ثقافة بورسعيد (صور)    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    محمد عبدالجليل يقيّم أداء منتخب مصر ويتوقع تعادله مع غينيا بيساو    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقة وقلم
الطريق للخروج من عنق الزجاجة
نشر في أخبار الحوادث يوم 22 - 10 - 2016


هذا خريف ساخن، يتبعه عام شاق، تتلوه سنة الانفراجة.
هكذا نترقب حلول عام 2018.
كان وصف الرئيس السيسي دقيقا للحالة التي نعيشها، حين قال إننا نمر بعنق زجاجة إذا أردنا الخروج منه، فلا سبيل لنا إلا عبر إجراءات صعبة.
وكان تشخيص الرئيس سليما لوضعنا الاقتصادي، عندما قال إننا نعاني أعراض نقاهة من مرض مزمن.
الانتقال من حصار الزجاجة إلي الهواء الطلق تصحبه معاناة الفكاك من ضيق العنق.
والاستشفاء من مرض مزمن أو جراحة كبري يستلزم جرعات مركزة من أدوية لا غني عنها لمنع انتكاسة، ودرء مضاعفات ولا بديل لها لمبارحة سرير المستشفي.
لكن المرور من عنق الزجاجة يحتاج مهارة حركة لتجنب الاختناق، وجرعات الأدوية المركزة تتطلب دقة حساب، وتستوجب علاجات أخري مصاحبة تتلافي آثارها الجانبية.
بديل الإصلاح هو بقاء مُغرق في قلب زجاجة، أو انتقال مُهلك إلي مرض عضال.
المسئولية كلمة نسمعها ونرددها أحيانا في غير معناها الصحيح. دلالتها عند البعض أن من يحملها له سلطة عليا فوق آخرين. لكن المراد السليم منها أن حاملها مسئول، يُسأل أمام الله ويساءل أمام الشعب والتاريخ عن سلطته وهل تهاون فيها وعن أمانته وهل استهان بها.
والقيادة مصطلح أفرطنا في استخدامه، وصار يسبغ أحيانا علي من لا يستحق.
القيادة رؤية وقرار وإقدام.
ليس من القيادة أن تغمض عينيك لكي لا تري، أو أن تنظر وتتجاهل ما تري.
وليس من القيادة إرجاء قرار في غير مقتضي أو إصدار قرار في غير أوان.
وليس من القيادة أن تحجم فيما يجب أن تبادر أو أن تتواري بينما واجبك أن تتصدر.
مسئولية القيادة كانت الدافع لصاحب الوصف والتشخيص، لأن يتصدي لما أحجم عنه غيره، كي يخرج بالبلاد من عنق الزجاجة، وينتقل باقتصادها إلي حال الشفاء. فالرجل الذي ارتضي ضميره الوطني أن يتحمل المسئولية، لا يقبل أن يخادع نفسه في حاضره أو يخدع أمته في مستقبلها.
لم يعد مجدياً أن نسأل لماذا دخلنا إلي قلب الزجاجة أو لماذا صار المرض مزمنا، ولم يعد مفيدا أن نتساءل متي كانت البداية، وإلا كنا أشبه بمن دخلوا غرفة افترشت أرضيتها شظايا زجاج مكسور، فأخذوا يبحثون عمن حطم الآنية ويتجادلون حول توقيت سقوطها، ونسوا في خضم الجدل والحركة أنهم حفاة فأصابت الشظايا أقدامهم وأدمتها.
الأصوب أن ننظف الأرض من الزجاج المكسور، ونفكر كيف ومن أين سنأتي بآنية جديدة، ثم نبحث عمن تسبب في تحطيم الآنية القديمة ولماذا أسقطها، كيلا نكرر الخطأ.
الآن أوان الإصلاح الاقتصادي بعد 50 عاما من التردي أعقبت حرب يونيو 1967، التي حطمت أحلاما، واقتلعت آمالا، ودمرت دروبا، وبددت آفاقا، لكنها لم تكسر إرادة.
لو انتظرنا أكثر، لن يكون العلاج مجديا، ولن يبقي الدواء صالحا.
إيراداتنا تقل عن مصروفاتنا سنويا بما يزيد علي 300 مليار جنيه. العجز نقترضه، ومعظم الاقتراض من الخارج. قفز حجم الدين خلال العقود الماضية، لا سيما السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير لما يزيد علي 2٫7 تريليون جنيه، أو2700 مليار جنيه، أي أن كل مصري مدين ب30 ألف جنيه.
لو استمر الحال بنفس المعدلات سيزيد حجم الدين علي إجمالي الناتج المحلي.
ثلث الميزانية يذهب إلي سداد فوائد الدين، والمتبقي ينفق ثلاثة أرباعه علي دعم السلع والمواد البترولية والجانب الاجتماعي وعلي الأجور والمعاشات ثم النزر اليسير الباقي يخصص لكل أنشطة الدولة والخدمات والمرافق والاستثمار.
لا يمكن بالقطع التوقف عن سداد فوائد الدين وإلا أفلست الدولة، ولا يتصور أحد أنه يمكن خفض الأجور والمعاشات، بل أن مخصصاتهما تزداد في كل عام، وليس من المنطقي لدولة تنهض أن تقتطع من اعتمادات إدخال المياه النقية والصرف الصحي، أو تقلل مخصصات التعليم والصحة، غير أن هناك خطوات اتخذت وأخري تتخذ في شأن ترشيد الإنفاق الحكومي، ومنها قرار الحكومة الأخير بخفض البعثات الخارجية إلي النصف.
إذن.. الذي يمكن التحرك فيه بالخفض هو مخصصات الدعم، وبطبيعة الحال فإن ما هو موجه منها إلي المعاشات الضمانية كالتضامن الاجتماعي وتكافل وكرامة لن يمس، بل سوف يتضاعف المستفيدون منها عددا وربما تزداد في المستقبل القريب قيمة.
لن تمس مخصصات السلع التموينية للبسطاء ومحدودي الدخل والطبقات المتوسطة، بل المنطق أن تزداد كميات السلع المصروفة لهذه الشرائح، بعد مراجعة بطاقات التموين التي بلغ عدد المستفيدين منها 81 مليون مواطن، بينهم ملايين ربما بالعشرات، لا يستحقون الدعم، وبعضهم لا يعرف أن له بطاقة، بينما الدعم المخصص له يذهب مالا حراما في بطون مافيا الفساد والاتجار بقوت الشعب.
أيضا.. لن تنتقص إجراءات الإصلاح المتوقعة من مخصصات الإسكان الاجتماعي وتطوير العشوائيات، ففي غضون عام ونصف العام سيتم بناء مليون وحدة سكنية للإسكان الاجتماعي وتوفير مسكن لائق لنحو مليون مصري من سكان العشوائيات الخطرة كبيوت الصفيح وعشش الجريد والبيوت المهددة بالصخور المتداعية عند سفوح التلال أو علي قمم الهضاب.
يتبقي الدعم المخصص للمحروقات كالوقود والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي.
وفي هذا الشأن.. هناك دراسات مستفيضة أجرتها الحكومة تراعي التدرج في تحرير الأسعار ولعلها أيضا تتحسب للتأثيرات المنتظرة علي الأسواق.
إذا تحدثنا عن إيرادات الموازنة العامة، فلها ثلاثة أبواب هي الضرائب والجمارك، والمنح، وإيرادات أخري كفائض قناة السويس وهيئة البترول والبنوك المملوكة للدولة والهيئات الاقتصادية والشركات المملوكة لها.
بعض هذه الإيرادات ليست بيد صانع القرار كعائدات قناة السويس التي ترتبط بحركة التجارة العالمية وهيئة البترول التي ترتبط بالاكتشافات الجديدة من النفط والغاز.
وبعضها يرتبط بتطوير نشاط إدارة الشركات وتحديث المصانع لزيادة الإنتاج وتجويده والتوسع في التصدير للحد من الخسائر وزيادة الأرباح وهي مسألة تحتاج إلي وقت وجهد والنوايا تسير في هذا الاتجاه.
وبعضها كالضرائب والجمارك يتطلب من الحكومة وضع سياسات عادلة وإجراءات تحصيل كفؤة.
أما المنح فهي ترتبط بالسياسة في المقام الأول، ومن يبغي استقلال قرار، عليه أن يفكر في غير المنح!
غير أن إحداث زيادة كبري في الإيرادات يتطلب دخول استثمارات جديدة تنشئ مصانع ومزارع ومشروعات خدمية، تزيد من حصيلة الضرائب عن أرباحها وعن العاملين فيها، ومن حصيلة الجمارك المستحقة علي الخامات ومستلزمات الإنتاج المستوردة اللازمة لها، وتنتج سلعا ومعدات ومنتوجات ذات جودة عالية، يتم تصديرها لترتفع حصيلة البنك المركزي من العملة الأجنبية من زاويتي تدفقات الاستثمارات الخارجية وعائدات التصدير. فإذا زاد الاحتياطي النقدي، لن يصعب الوفاء باحتياجات البلاد من الواردات السلعية ومتطلبات سداد أقساط القروض الخارجية ودفع مستحقات الشركاء الأجانب في هيئة البترول، والأمر الأخير يشجع شركات الاستكشاف علي التوسع في نشاطها في البحث عن البترول والغاز، مما يوفر في الاستيراد ويخفف الضغط علي حصيلة النقد الأجنبي.
لكن دخول استثمارات خارجية أو التوسع في المشروعات القائمة، يستلزم كما يقول الخبراء، عدم وجود أكثر من سعر لصرف الدولار، أي عدم وجود سوق موازية، ويستلزم إجراءات واضحة في توفير العملة لاستيراد الآلات ومستلزمات الإنتاج وفي تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية. فضلا عن أن تحفيز التصدير في ظل المنافسة مع صادرات الدول الأخري يستلزم هو الآخر، وضع »سعر عادل»‬ للجنيه أمام الدولار.
إذن إجراءات الإصلاح الاقتصادي المرتقبة، وفقاً لما تحدده ضرورات المصلحة العامة ومقتضيات مستقبل الأجيال المقبلة، ووفقاً لما يتوقع الخبراء ويأمل الاقتصاديون، سوف تنصب في مجال المصروفات علي تخفيف دعم المواد البترولية، وفي مجال زيادة الإيرادات علي تطوير إجراءات تحصيل الضرائب والجمارك وستشمل إصدار قانون الاستثمار الجديد والنظر في حزمة إجراءات تقضي علي الاختناقات في توافر العملة الأجنبية ووجود أكثر من سعر للصرف.
يقيناً لا أحد يعلم مدي تزامن خطوات إجراءات الإصلاح المرتقبة، سوي صناع القرار في كل مجال ولا أحد يعرف موعد البدء فيها سوي متخذ القرار بعد أن تكتمل أمامه الدراسة المتعلقة بها من كل الأوجه والزوايا، الاجتماعية والأمنية، فضلاً عن الاقتصادية، وأيضاً بعد أن تكتمل ملامح القرارات الاجتماعية والحمائية المصاحبة لها والمواكبة للتخفيف من آثارها علي محدودي الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة.
غير أن الشواهد تقول أن خطوات الإصلاح المرتقبة، لابد أن تتم قبل حلول النصف الثاني من العام المالي الحالي.
يقول الرئيس- وهو محق- ان إجراءات الإصلاح حتمية لا بديل عنها، لكنه لم يقل أن الفقراء ومتوسطي الحال هم وقودها، بل أكد علي أن الدولة لن تترك أبناءها هؤلاء، وهم الغالبية، يواجهون المصاعب والأعباء دون حماية تخفف ثقلها وتبعاتها.
لم يقل الرئيس أن ثمن الإصلاح سيتحمله أبناء الطبقات البسيطة والوسطي دون غيرهم من الميسورين والأغنياء.
فالعدالة تقتضي التوازن في توزيع الأعباء، وإذا كان لهذا النظام انحياز فهو للفقراء والبسطاء.
ما يتحدث عنه الرئيس بشأن الخطوات المصاحبة لتخفيف أعباء الإصلاح الاقتصادي لابد أن تترجمه الحكومة بقرارات واضحة وفعالة في مواجهة ارتفاع أسعار تؤدي إليه حتماً إجراءات الإصلاح.
ولابد أن تصاحبه تدابير حاسمة ورادعة درءاً لمغالاة الجشعين وألاعيب المحتكرين.
أعرف أن هناك دراسات تتم أو انتهت بشأن معاش الضمان ومعاشي تكافل وكرامة، وأخري بشأن مراجعة بطاقات التموين واستبعاد غير المستحقين وزيادة كميات الحصص التموينية المخصصة للمستحقين دون سواهم.
وأعرف أن هناك اجراءات أخري حدثنا بشأنها الرئيس في حواره المنشور الأسبوع الماضي مع رؤساء تحرير الأخبار والأهرام والجمهورية، لضبط أسعار السلع بالأسواق، كاستيراد سلع أساسية واستراتيجية من الآن تكفي لمدة 6 شهور، بحيث تطرح بأسعار مناسبة بغض النظر عما قد يعتري سعر الدولار.
أعلم أن هناك مبادرات مطروحة تقدم حوافز لمن يُرشّد استهلاكه من الكهرباء والمياه، وأن هناك خطة للتوسع في منافذ بيع السلع واللحوم والدواجن بأسعار مناسبة في الأحياء الفقيرة وفي الريف.
غير أن الرضا بتحمل العبء، يرتبط بالعدالة والتوازن في توزيعه بين طبقات المجتمع.
فإذا كانت ضريبة الدم في الجندية يدفعها أبناء الفقير ومتوسط الحال والغني بنفس القدر، فليس من المقبول أن يتحمل الفقير ومتوسط الحال عبء الإصلاح والنهوض والتنمية بأكثر مما يتحمل الميسور والغني.
في هذا السياق.. أود أن أعرض بعض النقاط، هي خلاصة محاورات ومداولات مع خبراء مال واقتصاد وأمن وقانون:
أولاً: لابد من تطوير آليات تحصيل الضرائب، لتوسيع قاعدة السداد والحصول علي حق الدولة غير منقوص.. فليس من المعقول أن يسدد موظفو الدولة والعاملون بها 23 مليار جنيه سنوياً، بينما لا تتعدي حصيلة أصحاب المهن الحرة من أطباء ومحامين ومحاسبين وإعلاميين وغيرهم 900 مليون جنيه، ولا تصل حصيلة أصحاب النشاط التجاري والصناعي في البلاد إلي 7 مليارات جنيه.
ولابد من تطبيق القانون علي جرائم التهرب من الضرائب التي تُعد في عديد من دول العالم مقاربة لجريمة الخيانة.
وفي ذات الوقت.. لابد من النظر في إجراءات رقابية علي الجمارك لاجتثاث أي عناصر فاسدة وكبح انفلات التهريب.
ثانياً: هناك اقتراح قدمه خبير مالي معروف يقضي بفرض ضريبة تتراوح بين 10٪ و20٪ لمرة واحدة علي المصريين الذين يمتلكون ثروات سائلة بالخارج بما يزيد علي 10 ملايين دولار.. خاصة أن هذه الثروات لم يسدد عنها ضرائب في مصر، نظراً لأن القانون أعفي التوزيعات والأرباح الرأسمالية من الضرائب.. ويقدر بنك »‬جو.بي.إس» السويسري وهو أكبر بنك محافظ مالية في العالم حجم ثروات المصريين بالخارج ما بين 50 ملياراً و60 مليار دولار، يملكها عدد يقل عن نصف في المائة من المواطنين.. وهذه الثروات مشروعة غير تلك التي تحصل عليها آخرون من مال الشعب وهربوها إلي الخارج.
وبذلك يكون الحد الأدني لهذه الضريبة التي تدفع مرة واحدة في العمر، ما بين 5 إلي 6 مليارات دولار أي قرابة نصف مبلغ القرض الذي طلبناه من صندوق النقد الدولي ويسدد علي 3 سنوات.
ويري صاحب الاقتراح أنه يمكن الإعفاء من هذه الضريبة لمن يُحول إجمالي ثروته إلي مصر ويضعها في البنوك المعتمدة.
وأود أن أسأل من قد يعارض هذا الاقتراح بأي حجة أو ذريعة: أي وطنية تجعل مليونيراً كبيراً أو مليارديراً يبخل علي بلاده ب10٪ من ثروته بالخارج أو يبخل بإعادتها إلي وطنه؟، بينما يري شباباً يقدمون أرواحهم ويسمع أم الشهيد إسلام وأمثالها راضية بفداء بلدها بحبة قلبها.
ثالثاً: تصل ضريبة الدخل في مصر إلي 22٫5٪ أي أن الموظف متوسط الحال يدفع نفس النسبة من الضرائب التي يدفعها الملياردير فلان، وهو أمر لا نظير له في عتاة الدول الرأسمالية.
فالضريبة الفيدرالية في الولايات المتحدة تصل إلي 36٪ غير الضرائب التي تفرضها كل ولاية علي سكانها، والضريبة في بريطانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية تصل إلي 45٪.
والمثير في الأمر أن هناك رجال أعمال ومستثمرين كباراً لا يمانعون في فرض ضريبة تصاعدية، وقد سمعتهم بأذني في المؤتمر الاقتصادي الثاني الذي نظمته دار »‬أخبار اليوم» في العام الماضي يتحدثون في هذا الموضوع.
ووفقاً لرأي خبراء استمعت إليهم، فالنسبة العادلة للحد الأقصي للضريبة التصاعدية يجب ألا يقل عن 35٪ وقد يصل إلي 40٪.
ولقد سمعت أن السيد رئيس الوزراء قال إن هذا الاقتراح موضع دراسة لكن له توقيته المناسب وأري أن هذا الوقت هو المناسب.
رابعاً: الالتزام الصارم بالحد الأقصي للأجور وقدره 42 ألف جنيه شهرياً في كل قطاعات الدولة وهيئاتها وسلطاتها ومؤسساتها دونما استثناء أو التفاف أو تنصل، والغريب أننا نسمع بعضا ممن يتجاوز دخلهم هذا الرقم »‬بكثير» ينتقدون من لا يتعدي دخلهم 3٪ من هذا الرقم عندما يجأرون من وطأة الحياة!.
خامساً: أحالت الحكومة إلي مجلس النواب مشروع قانون ينظم إصدار تصاريح الإقامة لغير المصريين، ويفرض رسوماً بالدولار علي التصريح حسب مدته، ولست أفهم سر تأخر اصدار القانون حتي الآن، فهو ليس بدعة تختص بها مصر، وهو يوفر حصيلة تقدر بمليارات الدولارات، بالنظر إلي العدد الهائل لمن يقيمون بمصر من الأشقاء ويصل إلي عدة ملايين، نتشارك معهم في اللقمة المدعمة وهذا حق الأخوة، ولا يدفعون الضرائب في الأغلب الأعم، وعلي غير ما قد يظن البعض، هم أشد المطالبين بالحصول علي تصاريح الإقامة وسداد أي رسوم وبالعملة الأجنبية.
سادساً: لا يحبذ الرئيس السيسي بل يعارض اتخاذ إجراءات استثنائية في مواجهة أي شكل من أشكال الجرائم بما فيها العدوان علي المال العام والاتجار بقوت الشعب ويفضل دائماً اللجوء إلي القانون والقضاء، وهو أمر يجب أن يكون محل احترام وتقدير.
لذا أطالب - وغيري يطالب - البرلمان بإصدار تشريع خاص يشدد العقوبة علي من يستغل معاناة الشعب ويثري بالحرام علي حساب لقمة عيشه، وينظم دوائر خاصة لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وإصدار أحكام عاجلة رادعة، وتكون العقوبة مماثلة لمن يعاونهم من موظفي الدولة أو من القائمين علي الضبطية القضائية.
سابعاً: الإسراع بأعمال اللجنة الخاصة بتحديد هامش الربح علي السلع والخدمات، التي شكلها رئيس الوزراء، لتنتهي من عملها وتدخل قراراتها حيز التنفيذ قبل إطلاق إجراءات الاصلاح الاقتصادي وليس بعدها.
أظن الحكومة ورئيسها المحترم المهندس شريف إسماعيل تدرك أن توقيت وإخراج قرارات الإصلاح يحتلان نفس أهمية محتوي القرارات، أظنها تعلم أن الاصلاح الاقتصادي لا نفع منه دون خطوات اجتماعية مواكبة، أظنها لابد تعرف أن التوازن في تحمل أعباء الاصلاح بين الطبقات عدل، وأن أوْلي الناس بالتحمل هم الأغنياء أصحاب الثروات.
ويقيني أن المصري لا يقبل علي نفسه أن ينجب طفله محملاً بدين لا يقل عن 30 ألف جنيه وهو في المهد رضيعاً.
المصري لا يقبل علي شرفه الوطني أن يقايض علي استقلال قرار بلاده.
المصري لا يقبل علي كرامته أن تمد مصر يدها لأحد فتُردُّ.
.. إنه عنق زجاجة ضيق.. وسوف نجتازه ونَمرُّ وننطلق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.